بعثة صندوق النقد إلى لبنان: لا داعي للتفاؤل

في أواخر الأسبوع المقبل، سيكون لبنان على موعد مع استقبال بعثة موسّعة من خبراء صندوق الدولي. ومن المفترض أن تقيّم هذه البعثة ما أعدّته حتّى اللحظة اللجنة الحكوميّة اللبنانيّة من ملفّات، في ضوء محادثاتها التمهيديّة السابقة مع الصندوق. وبعد وضع الملاحظات على مقاربات الجانب اللبناني خلال هذه الزيارة، من المتوقّع أن تقوم بعثة الصندوق بجولة لقاءات رسميّة أخرى في شهر شباط المقبل، لمراجعة تقدّم اللجنة الحكوميّة في معالجة ملاحظات الصندوق. أمّا أكثر ما يطمح إليه الجانب اللبناني من هذه المحادثات، فهو توقيع “تفاهم مبدئي” أو “اتفاق إطار” بحلول نهاية شباط، على أن ينص هذا التفاهم المبدئي على إمكانيّة التوصّل إلى اتفاق نهائي بعد قيام الحكومة بمجموعة من الخطوات، وبعد إجراء جلسات تفاوض إضافيّة على ملفّات محدّدة.

ومع ذلك، لا يوجد ما يدعو للتفاؤل بإمكانيّة التوصّل إلى إنجاز اتفاق جدّي ونهائي قبل الانتخابات النيابيّة، ودخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال، كما طَمح في البداية رئيس الحكومة.

لم يطلب الصندوق في أي مرحلة من المراحل التدقيقَ الجنائي، كشرط من شروط الموافقة على برنامج قرض للبنان، لكونه لا يعتبر نفسه معنيًّأ بالجانب المتعلّق بالملاحقات القانونيّة التي يفضي إليها هذا النوع من المسارات. لكنّ من الناحية الماليّة البحتة، ما زال الصندوق يصرّ على ربط أي مقاربة لموضوع الخسائر بالتدقيق الشامل والمفصّل في ميزانيّات المصرف المركزي، ومن قبل جهة ذات مصداقيّة، بما يسمح بفهم الواقع المالي الحالي للمصرف كما هو. ولذلك، من المستبعد أن يوافق الصندوق على أي خطة تكتفي بالارتكاز على الأرقام التي يقدّمها حاكم مصرف لبنان للحكومة، طالما أن هذه الأرقام لم تخضع لتدقيق علمي وموضوعي. مع الإشارة إلى أن عدم اهتمام الصندوق بالمحاسبة الجنائيّة أو الملاحقة القانونيّة، لا ينفي تركيزه على ضرورة تحديد وتوزيع المسؤوليّات في ما يخص الخسائر المتراكمة، في إطار التدقيق الشامل، نظرًا لارتباط هذا المسار بعمليّة التوزيع المنطقي والمقبول للخسائر لاحقًاً.

في نيسان 2020، خلال تحضير خطّة حكومة حسان دياب للتعافي المالي، قدّرت شركة لازارد الخسائر المتراكمة في القطاع المصرفي بنحو 83 مليار دولار. وهو ما يشمل خسائر القطاع المتوقّعة من إعادة هيكلة الدين والاقتصاص من قيمة سندات الخزينة المملوكة من قبل المصارف، بالإضافة إلى فجوة الميزانيّات الناتجة عن الفارق ما بين التزامات القطاع للمودعين وموجوداته بالعملات الأجنبيّة. كما شمل هذا الرقم نسبة التعثّر المتوقّعة في القروض الممنوحة إلى القطاع الخاص.

ومنذ ذلك الوقت، تكبّد مصرف لبنان أكثر من 15 مليار دولار من الخسائر الإضافيّة، الناتجة عن الإنفاق من الاحتياطات لدعم الاستيراد. وهو ما يفرض زيادة الخسائر الإجماليّة المقدّرة الآن بهذه القيمة. لكنّ المفارقة كانت إعلان نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي أن الخطّة الجديدة قدّرت الخسائر المصرفيّة بنحو 68-69 مليار دولار لا أكثر، أي أنّها قلّت بنحو 15 مليار دولار عن الخسائر التي قدّرتها شركة لازارد في نيسان 2020، بدل أن تزيد بهذا القدر. بمعنى آخر، ثمّة أكثر من 30 مليار دولار من الخسائر التي كان يفترض أن يتعامل معها القطاع المصرفي، والتي تغاضت الخطّة الجديدة عن تحديدها.

بالرغم من إعلان اللجنة الحكوميّة التوصّل إلى صيغة موحّدة مع مصرف لبنان لاحتساب الخسائر، من المتوقّع أن تواجه اللجنة صعوبة شديدة في إقناع الصندوق بهذه المقاربات، خصوصًا أن المباحثات التمهيديّة التي جرت مع الصندوق شملت بعض النقاشات التقنيّة، من دون أن تصل إلى مرحلة تسليم الصندوق بأي رقم محدد لخسائر القطاع المصرفي. وعلى أي حال، من المتوقّع أن تبرزالإشكاليّة الأساسيّة هنا في بعض المقاربات التي يعتمدها مصرف لبنان لاحتساب الفجوة في ميزانيّاته، والتي اعترض عليها الصندوق بشكل صريح ومباشر في جولات التفاوض السابقة خلال العام 2020، فيما قامت اللجنة الحكوميّة بتبنّيها اليوم في إطار الخطّة التي تعمل عليها.

اللغم الآخر سيكمن في عمليّة توزيع الخسائر لاحقًا، في إطار الخطّة التي ستقدّمها اللجنة الحكوميّة إلى وفد الصندوق خلال مرحلة التفاوض الرسمي. أما اللغم الأهم والأبرز، فسيكمن في الإصلاحات الأخرى التي يفرضها الصندوق: من تكريس استقلاليّة السلطة القضائيّة، إلى وضع خطّة ذات مصداقيّة لقطاع الكهرباء، بما يبعد القطاع عن حسابات السمسرة والمحاصصة في مشاريع المعامل والتوزيع والخدمات، بالإضافة إلى الإصلاحات المتعلّقة بالماليّة العامّة وآليّات الإنفاق وإعادة هيكلة القطاع العام.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةأزمة غاز منتَظَرة: التسعير بالدولار والشركات تربح دوماً
المقالة القادمةالرغيف أسير الدولار والطحين ضحية التهريب