فجّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مؤخراً “قنبلة” من العيار الثقيل، حين أكد أنه أعاد للمصارف أموالها التي تبلغ حوالي العشرين مليار دولار، وبالتالي على المصارف اعادة أموال المودعين… هذا الأمر مرّ مرور كرام، ولم تخرج البنوك لتؤكد أو لتنفي. الواقع أن هناك مجموعة أفرقاء تتصارع وتتقاذف المسؤوليات والضحّية هو “المودع”، الذي خسر جنى عمره في المصارف!.
إذا، سلامة تحدث عن ردّ أموال للمصارف ولكن في الواقع الأمور تشير إلى شيء آخر. إذ يشرح رئيس مجلس ادارة FFA Private Bank جان رياشي لـ”النشرة” أن “في كلام الحاكم والارقام الموجودة بالميزانيات تناقض كبير، فقد أكد أنه أعاد 20 مليار دولار ولكن للمصارف بذمة مصرف لبنان 80 مليار دولار مسجّلة بدفاترها، فإذا ردّ الأموال كيف لا تزال موجودة بالدفاتر”؟، معتبراً أن “التفسير الوحيد لكلامه أنه أعاد الدولارات التي أتته من الخارج”.
يذهب جان رياشي أبعد من ذلك، ليلفت إلى أن “الـ80 مليار دولار هي الأموال التي دفعها مصرف لبنان للمصارف منذ التسعينيات لتثبيت سعر صرف الليرة على 1515، يعني أنه باع الدولارات مقابل الليرة وتثبيت السعر”، مشيرا الى أنّه “إضافة إلى هذا الأمر ان حجم 80 مليار هي الفوائد المسجلة للمصارف لدى مصرف لبنان”.
“هناك تقريباً 102 مليار دولار مسجّلة كودائع ولدى مصرف لبنان 28 مليار دولار تقريباً (11 مليار دولار +17 مليار قيمة الذهب)”. هذا ما يؤكده رياشي، شارحاً أنّه “اذا ازلنا ما لدى مصرف لبنان من الودائع (102-28=70) تصبح الفجوة المالية حوالي 70 مليار دولار”… فكيف يُمكن ردّ الودائع؟!.
بالنظر إلى الأرقام التي ذكرت، فإن لدى مصرف لبنان حوالي 30% من الودائع لردّها. ويلفت رياشي إلى أن “الحكومة تقول إنها سترد الحسابات التي هي دون 100 الف دولار كما هي وبالدولار”، لافتاً إلى أنه “اذا ضربنا مبلغ الـ100 الف دولار بعدد الحسابات الموجودة يصبح على الحكومة أن تدفع 34 مليار دولار فقط لما هم دون 100 الف دولار، فماذا تبقى للبقيّة الباقية… لا شيء”، مضيفاً: “الواضح أنّ خطّة الحكومة ستحمي الودائع تحت سقف معيّن والباقي سيتم ردّه بالليرة اللبنانيّة”، مشدداً على أن “الهيركات سيطال حتى الحسابات بالليرة ولن يستطيع أصحابها سحب المبالغ كاملة، بل ستستعمل بالحسابات لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى تضخّم رهيب”.
أمام هذا المشهد كان لافتاً كلام جمعية المصارف التي طالبت بوضع اليّد على أصول الدولة لردّ الودائع. وهنا يرى الخبير الاقتصادي ميشال فياض، عبر “النشرة”، أنّ “المصارف ليست جديّة في هذا الطرح وتدرك تماماً أنه لا يُمكن أن يطبّق ولا بأيّ شكل من الأشكال”. أما رياشي فيشير إلى أنّ “هذا الطرح هو فعليا عرقلة للمفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، وحتماً الرأي العام اللبناني لن يقبل بهذا الموضوع”.
يعود ميشال فياض ليشير إلى أن “الطريق الوحيد ليحصل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو بإعادة هيكلة المصارف”، لافتاً إلى أن “رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، الذي كان معارضاً لهذا الأمر، عاد واقتنع ألاّ طريق إلا عبر اعادة الهيكلة”، مضيفاً: “صندوق النقد ذهب أبعد من ذلك وطالب بأنّ يحصل تدقيق جنائي ليس فقط في مصرف لبنان بل في المصارف الكبرى في لبنان والتي يبلغ عددها 14”.
إذاً الحلّ للودائع ليس سهلاً، وعملياً فإنّ قضيّة اعادة 100 الف دولار، نقداً، لأصحابها، من الصعب أن تطبق في وضع مصرف لبنان والمصارف!.