بغياب الرئيس وحضور برّي وميقاتي: “طوافة” الآمال تستعجل الغاز

على بُعد ثلاث سنوات ونصف من الاحتفال ببدء أعمال الاستكشاف في البلوك رقم 4، حطّت الطوافة التابعة لشركة “غالف هليكوبترز” Gulf Helicopters على ظهر منصة الحفر “ترانس أوشن بارنتس” Transocean Barents التي ستحفر في البلوك رقم 9 جنوب لبنان. (راجع المدن).

الطائرة التي تشغِّلها شركة توتال، حلّقت امس الثلاثاء 22 آب، من مطار بيروت حاملة على متنها رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فيّاض ووزير الأشغال علي حميّة. وهي الطائرة نفسها التي ستتولّى خلال فترة عمل المنصة، نقل فرق العمل من المطار إلى المنصة.

وبأجواء احتفالية، تجدَّدَت الآمال وانهمرت التوقّعات، حاملة لبنان افتراضياً إلى مصاف الدول النفطية، ونهضت به من محنته. لكن على أرض الواقع، كل الترتيبات استُحضِرَت من تجربة التحضير للتنقيب في البلوك 4. فهل تكون النتائج متشابهة، ويُقفَل ملف التنقيب على آمال جديدة، أم يخرج الغاز ليكون مفتاح الفَرَج؟

استكشاف بلا رئيس للجمهورية

غاب رئيس الجمهورية عن احتفالية إطلاق أعمال الاستكشاف في البلوك التاسع، الذي يضمّ حقل قانا. وبغيابه حَضَرَ برّي الذي غاب في شباط 2020 عن منصة الحفر في البلوك الرابع. تبادل الأدوار لم يكن مفاجئاً، فحضور برّي إلى الجنوب ضروريّ، خصوصاً وأنه عرّاب تسوية الترسيم البحري الذي شكّلت مظلّة بدء الاستكشاف في البلوك 9.

ومن مطار بيروت، قُبَيلَ انطلاق الطوافة نحو الجنوب، جدَّدَ برّي آماله بـ”إزاحة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان وشعبه”. وسأل رئيس مجلس النواب “الله”، أن “يدفق من كرمه” على لبنان قبل انقضاء “بضعة شهور”. والكَرَم المنتَظَر لا يقتصر على الغاز، بل أيضاً على “انتخاب رئيس للجمهورية يقوم بدوره كبداية لحلّ سياسي نتخبّط به”.

على غرار توقّعات برّي، أراد ميقاتي أن “يتعاونَ الجميع في المرحلة المقبلة للنهوض ببلدنا ووقف التدهور الذي نشهده على الصعد كافة”. ومن على منصّة الحفر، حَرَقَ رئيس الحكومة المراحل، فأراد أن “تحمل الأيام المقبلة”، وليس الشهور “بوادر خير تساعد لبنان على معالجة الأزمات”.

وتجدر الإشارة إلى أن المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، مَثَّلَ القصر الجمهوري في تلك الرحلة، إلى جانب رئيس “هيئة إدارة قطاع البترول” وسام الذهبي، ووفد من شركة توتال.

كلامٌ على أرض الواقع

تستعدّ شركة توتال لبدء الاستكشاف. وزيارة اليوم إلى منصّة الحفر، يشكِّل بالنسبة للشركة “إطلاق أنشطة الاستكشاف”، وفق ما أعلنته توتال في بيانها. وأكّدت الشركة الفرنسية أن “حفر البئر الاستكشافية، من المقرَّر أن يبدأ خلال الأيام المقبلة”. وقبل تلك الفترة، لا تستعجل توتال إطلاق التوقّعات. إذ ينتظر مديرها العام في لبنان رومان دو لامارتينيير، نتائج حفر البئر الاستكشافية التي “ستسمح لنا بتقييم الموارد الهيدروكربونيّة وإمكانات الإنتاج في هذه المنطقة”. علماً أن هذا النشاط يأتي بعد “الترسيم السلمي للحدود البحرية”، كما وصَفَه لامارتينيير الذي ذكَّرَ بأن حصّة توتال من الغاز الموعود هي 35 بالمئة ومثلها لشركة إيني الإيطالية و30 بالمئة لشركة قطر للطاقة.

ركون المدير العام لتوتال إلى الوقائع التي ستبيِّنها التجربة، شكّلَت بدورها أرضية صلبة للنائب ابراهيم منيمنة لانتقاد سرعة اقتراح قانون الصندوق السيادي “قبل انتهاء مرحلة الاستكشاف وتحديد الكميات التجارية”. ورأى منيمنة في حديث إذاعي أن “الآمال على عائدات النفط مبنية على فرضيات غير علمية”. فالمسار العلمي بحسب منيمنة يستدعي اتّباع التجربة العالمية في هذا المجال. فإنشاء الصندوق السيادي في الدول النفطية “تم بعد الاكتشافات بما يقارب 50 سنة”. وجزم منيمنة أن “إنشاء هذا الصندوق سيرتّب الأعباء على الخزينة لجهة الرواتب والمخصصات، ويتطلّب قبل كل شيء ترتيب المالية العامة في ظل الانهيار المالي الحاصل”. وتخوَّفَ من “استخدام نسبة من العائدات النفطية لسد الفجوات المالية، ما يؤدي إلى الاعتماد بشكل غير مباشر على هذا القطاع اقتصادياً وتراجع القطاعات الأخرى”.

بانتظار النتائج التجريبية

تتشابه مراحل إطلاق رحلة الاستكشاف في البلوك 9 ما حصل في البلوك 4. ولا يغيِّر اختلاف بعض الأسماء شيئاً في الواقع. فالآمال نفسها حملها ميقاتي كرئيس للحكومة بدل حسان دياب الذي رأى في العام 2020 أنه “بإطلاق رحلة الحفر تتوسع دائرة الأمل بتجاوز لبنان الأزمة الاقتصادية الحادة”. وآمال عون استُبدِلَت بدعوات برّي، ومَثَّلَ فيّاض اليوم، التيار الوطني الحرّ بدل وزير الطاقة يومها ريمون غجر. ونقلت المروحية التابعة لتوتال عون ودياب وغجر إلى منصة tungsten explorer كما حملت مروحية اليوم الوفد إلى منصة Transocean Barents، فيما استُبعِدَت مروحيات الجيش اللبناني التي عادةُ ما تنقل الرؤساء والوزراء.

التشابه الكبير الذي يقترب من التطابق، يستدعي الخوف من تطابق النتائج، أي التصريح ختاماً بعدم وجود كميات تجارية في البئر التي ستُحفَر جنوباً. وليست المشكلة الكبرى في تلك النتيجة في حال تحقُّقها، إذ أنها احتمال علمي، بل تكمن المشكلة في عدم حفر بئر آخر وإسدال الستار عن التنقيب وربط العملية بمتغيِّرات سياسية مستقبلية تفرضها المرحلة المقبلة. والأخطر، هو إخفاء توتال المعلومات العلمية المتعلّقة بالبئر الاستكشافية وبما تحويه منطقة البلوك 9، تماماً كما حصل قبل نحو 3 أعوام في البلوك 4.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةمصرف «بريكس» يخطط للإقراض بعملتي جنوب أفريقيا والبرازيل للحد من الدولار
المقالة القادمةمنصوري ونوّاب الحاكم وكسل السياسة النقديّة.. الكهرباء مثالاً