بلدية بيروت عاجزة عن تنظيم طابور!

منذ اشتداد الأزمة دخل المجلس البلدي لمدينة بيروت في غيبوبة، المعنيون في البلدية يعزون سبب «تكتيف» يديها في ظلّ الانهيار إلى «خذلان» المتعهدين، أولئك الذين استفادوا على مر سنوات طويلة من صفقات تلزيم كثير من المشاريع بالتواطؤ مع «رؤوس» البلدية ومن خلفهم التيار السياسي الذي ينتمون إليه (تيار المُستقبل بالدرجة الأولى). يوضح أحد أعضاء المجلس البلدي أن المتعهدين يمتنعون حالياً عن التقدّم للمناقصات بسبب الإجراءات القانونية التي لا تسمح بالدفع للمتعهد إلّا بعد تنفيذ الأعمال، «إذ يتطلّب الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الداخلية وديوان المحاسبة ثم توقيع محافظ المدينة أربعة أشهر على الأقل، وهي مدة كفيلة بتغير قيمة الدولار بشكل كبير وبالتالي تغير الكلفة والربح». لذلك، «قبل أن يستقرّ سعر الصرف، لن يدقّ أيّ متعهد باب البلدية».

الأمر نفسه يؤكده محافظ المدينة (رئيس السلطة التنفيذية للبلدية) مروان عبود، مشيراً إلى أن امتناع الإدارات السابقة عن تنمية القدرات الذاتية للبلدية أدى إلى العجز عن قيامها بكثير من المهام المطلوبة خلال الأزمة. فبلدية بحجم بلدية بيروت لا تمتلك، مثلاً، جرافة أو آليات أخرى وغيرها من التجهيزات المطلوبة للقيام بأدنى أعمال الصيانة، «فضلاً عن عدم وجود فرق تابعة للبلدية لإجراء الصيانات اللازمة». ويلفت عبود إلى أن لدى البلدية 70 نقطة تحتوي على مولدات خاصة للبلدية، «ونحن عاجزون اليوم عن حمايتها من السرقات لعدم توفر العدد الكافي من الحراس. إذ نحتاج تقريباً إلى 600 حارس لتأمين المناوبات، فكيف بنا نؤمن هذا العدد في ظلّ امتناع كثير من الموظفين العاديين عن تأدية أعمالهم بسبب عجزهم عن الحضور وتدني الرواتب؟».

يقول بعض أعضاء المجلس البلدي إن المُقارنة مع البلديات الصغيرة لا تصح لأنّ هامش التحرك في البلدات والمدن الصغيرة مريح أكثر لسببين: الأول وهو «سهولة إحداث فرق عبر تأمين كلفة بسيطة، مثلاً كلفة تركيب الطاقة الشمسية في أي بلدة توازي كلفة إنارة مبنيين في العاصمة»، والثاني هو امتلاك بقية البلديات آليات وفرق خاصة فيها وهو أمر «لا تمتلكه بلدية بيروت». كما أن ثمة شقاً تقنياً مرتبطاً بالرقابة اللاحقة على الصرف في بقية البلديات في حين أن بلدية بيروت تحتاج إلى رقابة مسبقة، وهو أمر يعرقل مسألة صرف الأموال والقيمة المتّفق عليها بسبب التغير الدائم الذي يشهده سعر صرف السوق.

أحد أعضاء المجلس البلدي يقول إن حجة عدم امتلاك آليات خاصة كانت وقتذاك تجنّب الكلفة الناجمة عن التوظيف الذي يتطلبه تشغيلها، فيما يُشير المدافعون عن البلدية إلى أن اللجوء إلى القطاع الخاص كان هدفه «تجنّب التوظيف السياسي وعدم الثقة بالقدرة على ضبط الفساد وتحقيق الشفافية» لا بل إنّ الحديث عن الشفافية وتجنب الفساد والرغبة بضبط الهدر كأسباب دفعت الإدارات السابقة إلى الارتماء في حضن المتعهدين يُصبح مُضحكاً عندما نتذكر بـ«عطاءات» المجلس البلدي السخية.

وإلى هذه المساهمات «السخية»، ثمة عشرات الصفقات والملفات المشبوهة التي تفضح سوء إدارة البلدية، أبرزها صفقة التشجير الوهمي الذي قامت به البلدية لقاء خمسة ملايين دولار. وهذه الصفقات وغيرها كانت تتم برعاية «كبار» المسؤولين من تيار المُستقبل كفؤاد السنيورة وآل حريري، مثل الصفقة التي نفذها المجلس البلدي عام 2015 في عهد بلال حمد والتي قضت بدفع مبلغ 40 مليون دولار ثمناً لعقار لا تملك البلدية خريطة له ولا تعرف من يشغله! أمام هذه الوقائع، يغدو عجز البلدية حالياً «مفهوماً»، فمن أهدر ملايينه في أيام الرخاء على المهرجانات، يعجز اليوم عن تنظيم طابور في العاصمة.

مصدرجريدة الأخبار - هديل فرفور
المادة السابقة“الطاقة”: “حرق” السلف وتضييع الفرص!
المقالة القادمة«تخبيص» في «أونروا»: الأولوية لـ«المدعومين»!