مع كل جلسة لمجلس بلديّة بيروت، تزداد القناعة بأنّ «تجميعة» القوى السياسيّة في ابتكار «بيروت بتجمعنا» لم تكن نافعة. وبدلاً من أن يكون المجلس حلّاً لأزمة بيروت، بات هو أزمتها
لا يبدو أن أزمة غياب التنمية عن بيروت ستنتهي قريباً، بل إن الدلائل والبراهين تُثبت أنّها ستمتد لسنوات بعدما تحوّل المجلس البلدي نفسه إلى أزمة حقيقيّة، وأتاح للمنظّرين بتقسيم العاصمة على أساس طائفي تعزيز نظريتهم بمحاضر جلسات لا تغني ولا تسمن من جوع. هذا كلّه نتيجة «تجميعة» قوى سياسيّة غير متجانسة على أي مستوى، قرّرت أن تتفق بين ليلة وضحاها على قيادة مجلس بلديّة العاصمة واختيار عددٍ من الأعضاء الذين لا يمتلكون إلّا خبرة في إدارة مؤسسات العائلة التي ورثوها بحُكم النصيب!
هذا فعلياً ما حصل في بلديّة العاصمة التي وعد أعضاؤها حينما أعلنوا لائحتهم من حرج بيروت – الذي يؤكّد زواره أنّ عشبه يبس من جراء الإهمال في ريّه – عن خطط تنمويّة لتغيير وجه العاصمة، ليتبيّن أن لا خطط ولا رؤية لمدينة ترزح تحت وطأة الحاجات ما دون البديهية، كرشّ المبيدات وسدّ الحفرات في الشوارع الأساسيّة وتشذيب الأشجار وريّها.
وعوضاً عن ذلك باتت القوى السياسية المتحكّمة في البلديّة تتصارع في ما بينها لتقديم الهبات غير المشروطة بهدف «الطبل والزمر» مع اقتراب الانتخابات النيابيّة (وفي الكثير من الأحيان لا ترقى إلى مستوى الهبات) التي لا يعرف الأعضاء ماهيتها ولا قيمتها وباتوا في بعض الأحيان ممنوعين من مناقشتها.
وبالتالي، تتحوّل «بلدية شارع ويغان» إلى مرادفٍ لغياب الإنتاجيّة والتعثّر في وضع خطّة إنمائيّة متكاملة، طالما أنّ مسؤوليها غير قادرين أصلاً على وضع جدول أعمال غير روتيني ويرقى إلى مستوى حاجات المدينة وهمومها. والمشكلة لا تكمن فقط في جدول الأعمال، وإنّما أيضاً في النقاشات التي توصف بـ«السطحيّة» حول أمورٍ غير مهمّة في الكثير من الأحيان، وتقارب أحياناً النقاش في «جنس الملائكة»، بدلاً من الدخول في المواضيع المحورية: الفساد داخل البلدية التي لا يعلم أعضاؤها عدد موظفيها والمتعاقدين فيها ولا حتّى قطع الحساب فيها!
خلافات ومُشادّات
وعلى قلّة أعداد الجلسات التي عقدها المجلس والتي لم تتعدَّ أربع جلسات، إلّا أنّ جميعها انتهت على المنوال نفسه: خلافات ومُشادّات وانقسامات وتوتّر، لتُظهر من دون شكّ أن إحدى المشكلات الأساسيّة هي عدم القدرة على إدارة الجلسات والنقاشات وضبط إيقاعها. وهو ما بدا أمس فاقعاً حينما تطوّرت الجلسة التي امتدّت أربع ساعات متواصلة إلى مُشادّة كلاميّة بين الأعضاء، وكادت أن تنتهي بعراكٍ بالأيدي لولا تدخّل رئيس البلديّة إبراهيم زيدان. وأكثر من ذلك، فإن العضو حسين البطل خرج من الجلسة ناعتاً زملاءه بـ«أولاد الشوارع الذين لا يتمكّن من مجالستهم»! وهي ليست المرّة الأولى التي يُظهر فيها البطل عدائيّته لبعض زملائه، بل على حدّ تعبيرهم، فإنه دائماً ما يتصرّف معهم بفوقية، حتّى تجرّأ أمس على المس بقانون البلديات عندما رفض النقاش في البنود، مقترحاً أن يجيب الأعضاء بـ«Yes or No» عند تلاوة كلّ بند!
وهي ليست المحاولة اليتيمة لقمع أصوات بعض المعترضين داخل المجلس في البنود التي تحتاج إلى نقاش معمّق، كمداخيل البلديّة أو إدراج ملفّات أساسيّة، على طريقة «إن شاء الله المرّة الجاي»! وبدلاً من معالجة هذه الملفات الجوهرية، انشغل المجلس ببحث بنود توظيف جديدة تزيد من الأعباء المالية على البلدية التي يشكو موظفوها من تآكل رواتبهم وضعف الخدمات الصحيّة.
وقد أثار البندان 22 و23 المتعلقان بالتعاقد مع سائقي آليات توت مارك لصالح فوج إطفاء بيروت وتأمين حراس للمنشآت البلدية، بما فيها الحدائق، نقاشاً واسعاً، بعدما تبيّن أنّ أعداد الحراس الحاليين تتجاوز المئتين، بينهم من هو مفروز لحماية شخصيات ومسؤولين حاليين وسابقين. والأخطر أنّ البلدية نفسها لا تملك إحصاءات دقيقة عن هذه الأعداد قبل أن تطلب التعاقد مع موظفين جدد، ما يعني تحميل الصندوق البلدي أعباء إضافية من دون أي دراسة واضحة، علماً أنّ جدول الأعمال نصّ في البند الذي يليهما على ضرورة أن تقوم إدارة البلدية بهذا الإحصاء ورفعه إلى البلدية.
النقاش انسحب أيضاً على بند آخر يتعلّق بفتح مجاري الصرف الصحي في بيروت، والذي اعتبره عدد من الأعضاء أولوية لتجنّب كارثة تتكرر كل عام مع تساقط الأمطار، حين تغرق أحياء ومنازل البيروتيين بالمياه، ولكن على ما يبدو طغى «نكد» الخلافات الباردة بين رئيس البلدية ومحافظ بيروت مروان عبود على الملف.
ولم يقتصر التوتر على هذه الملفات، إذ فشل زيدان في تقديم رواية مقنعة لطلب وزارة الشؤون الاجتماعية إشغال مقرّيْن لاستخدامهما كمراكز صحية تقدّم خدمات طبية مجانية، إذ رفض معظم الأعضاء هذا الطلب بحجة غياب التفاصيل الكافية، معتبرين أنّ الرئيس يحاول الضغط عليهم لتمرير قرار سبق أن وعد به الوزيرة حنين السيد من دون العودة إلى المجلس. وعندما سقط البند، علّق زيدان بالقول إنه في مجلس مع «23 معارضاً».
وعلى هذا المنوال، انتهت الجلسة من دون أن يعرف الأعضاء ما إذا كانت الجلسة انتهت فعلاً، خصوصاً أن لا نتائج ولا مفاعيل لجلسة امتدّت، كما سابقاتها، أكثر من 4 ساعات متواصلة!



