عدلت بنوك أميركية توقعاتها للتضخم وسعر الفائدة في تركيا على خلفية بيانات التضخم السنوي الرسمية التي أُعلنت منذ أيام. وجاءت التوقعات الجديدة متوافقة إلى حد كبير مع ما تضمنه البرنامج الاقتصادي متوسط المدى للحكومة التركية الذي يغطي الفترة من 2024 إلى 2026.
وعقب الصدمة القوية التي أحدثها المصرف المركزي التركي برفع سعر الفائدة 750 نقطة أساس من 17.5 إلى 25 في المائة، رأت مصارف «جي بي مورغان» و«مورغان ستانلي» و«بنك أوف أميركا»، أن تكاليف الاقتراض الرسمية قد تحتاج إلى الارتفاع بوتيرة أسرع أو أعلى بعد ارتفاع الأسعار إلى ما يقرب من 60 في المائة في أغسطس (آب) الماضي.
وتوقعت المصارف الثلاثة ارتفاع معدل التضخم السنوي في تركيا إلى أكثر من 70 في المائة العام المقبل.
وعدَّل «جي بي مورغان» توقعاته للتضخم في تركيا بنهاية العام بالزيادة إلى 65 في المائة بدلاً من 62 في المائة، بالنظر إلى بيانات التضخم السنوي لشهر أغسطس (آب) التي صدرت عن معهد الإحصاء التركي.
وتوقع البنك الأميركي أن يصل المعدل السنوي للتضخم في تركيا إلى الذروة عند 73 في المائة في مايو (أيار) 2024. ولفت البنك إلى مخاطر تهدد برفع توقعاته سعر الفائدة في تركيا للعام الحالي بأكمله، التي يُبقي عليها عند 35 في المائة، فيما توقع ارتفاعها بنهاية العام المقبل إلى 45 في المائة بدلاً من تقديرات عند 40 في المائة.
وأظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي، التي أعلنها الاثنين الماضي، ارتفاع التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في تركيا إلى 58.94 في المائة في أغسطس، ليتجاوز التوقعات ويسجل ارتفاعاً للشهر الثاني على التوالي. وارتفع معدل تضخم أسعار المستهلكين في أغسطس بنسبة 9.09 في المائة على أساس شهري، بانخفاض طفيف عن ارتفاع بنسبة 9.49 في المائة في يوليو (تموز) الذي سجل فيه التضخم السنوي 47.8 في المائة.
وتوقع «مورغان ستانلي» أن يرفع «المركزي التركي» الفائدة إلى 30 في المائة في وقت أقرب من المتصور. كما توقع «بنك أوف أميركا» أن يصل سعر الفائدة الرئيسي إلى 30 في المائة خلال العام الحالي و45 في المائة في الربع الثاني من العام المقبل.
البرنامج الاقتصادي
وكشف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مساء الأربعاء، عن ملامح البرنامج الاقتصادي متوسط المدى الذي أعدته حكومته للسنوات الثلاث المقبلة، مؤكداً أن الأولوية تتمثل في إزالة الدمار الذي خلَّفه زلزال 6 فبراير (شباط) وزيادة فرص العمل مع نمو اقتصادي متوازن وخفض التضخم إلى خانة الآحاد وتحسين توزيع الدخل.
وقال إن البرنامج يستهدف زيادة التوظيف بمعدل متوسط 909 آلاف شخص وإجمالي 2.7 مليون شخص سنوياً، وجعل معدل البطالة في خانة الآحاد، مضيفاً: «بنهاية البرنامج سنحقق نمواً يتجاوز 1.3 تريليون دولار وسندخل قائمة الدول ذات الدخل المرتفع بزيادة الناتج القومي للفرد إلى 14 ألفاً و855 دولاراً».
وتابع: «سنزيل مشكلة التضخم من أجندة بلادنا عبر السياسات التي سننفّذها في البرنامج، وسنراجع مشاريع الاستثمار العام ونمنح الأولوية لتلك التي يمكن دمجها سريعاً بالاقتصاد… نستهدف جذب الاستثمارات المباشرة من خلال تعزيز القدرة على التنبؤ البيروقراطي والقانوني».
وأشار إردوغان إلى أن حكومته ستكثف جهودها لتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي من أجل إضافة بعد جديد لتجارة تركيا مع الاتحاد.
وبلغت توقعات النمو في البرنامج لهذا عام 4.4 في المائة وللعام المقبل 4 في المائة، و4.5 في المائة لعام 2025، ثم 5 في المائة لعام 2026.
أما بالنسبة لمعدل التضخم السنوي، فتوقع البرنامج 65 في المائة، و33 في المائة للعام المقبل، و15.2 في المائة لعام 2025، و8.5 في المائة لعام 2026.
وتوقع البرنامج أن تبلغ نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي 6.4 في المائة العام المقبل، و2.9 في المائة في 2026.
أما معدل البطالة، فتوقع البرنامج أن يكون 10.1 في المائة بنهاية العام الحالي، و10.3 في المائة للعام المقبل، و9.9 في المائة عام 2025، و9.3 في المائة عام 2026.
وقدَّر البرنامج قيمة الصادرات بـ255 مليار دولار في نهاية العام الحالي، و267 مليار دولار العام المقبل، و283.6 مليار دولار في عام 2025، و302.2 مليار دولار في 2026.
وتوقع أن تبلغ قيمة الواردات 367 مليار دولار نهاية العام الحالي، و372.8 مليار دولار في 2024، و388.9 مليار دولار في 2025، و414 مليار دولار في 2026.
غياب المصداقية
ورأى المحلل الاقتصادي، شرف أوغوز، أن البرنامج الاقتصادي للحكومة يفتقر إلى المصداقية، لأن الأمل في انخفاض التضخم إلى 8.5 بنهايته يبدو غير واقعي على الإطلاق، متسائلاً: «كيف سيحدث هذا من دون أي مشكلات أو تكلفة مجتمعية؟».
ورأى أنه هناك فرقاً بين كتابة البرنامج وتطبيقه، لافتاً إلى أنه يمكن جمع خبراء من الوحدات الاقتصادية العامة مثل وزارات المالية والخزانة والزراعة والعمل والطاقة والمصرف المركزي حول طاولة واحدة وكتابة برنامج متوسط المدى، لكن عند الحديث عن الاتساق الداخلي، فإنه لا يمكن ضمان تنفيذه.
من جانبه، رأى الخبير الاقتصادي علاء الدين أكطاش، أنه من المفيد، وقبل كل شيء، النظر إلى ما هو متوقع في المؤشر الأكثر فضولاً، وهو سعر الصرف. ولفت إلى أن الحسابات المستندة إلى الناتج المحلي الإجمالي بالدولار، يقدر البرنامج الأسعار الحالية بنحو 23.88 ليرة للدولار.
وقال إنه بما أن سعر الدولار يبلغ الآن نحو 27 ليرة، وأن البرنامج يتوقع أن يكون 28.38 ليرة في نهاية العام، فإن المنطق السليم يقول إلى الدولار سيتراوح سعره ما بين 29.5 و30 ليرة بنهاية العام، أي بزيادة 11 ليرة تقريباً عن السعر الحالي.
ورأى أن هذا يعني أنه لن يُسمح بارتفاع سريع في سعر الدولار، وأنه سيتم بذل جهد في هذا الاتجاه، إما بالعثور على مصدر خارجي للتمويل وإما باتخاذ خطوات لإضافة قيمة إلى الليرة، أو بعبارة أخرى، سيستمر المصرف المركزي في زيادة أسعار الفائدة بالمعدلات المناسبة، وليس بالمعدلات الاسمية.
أما عن توقعات التضخم، التي رفعها البنك المركزي إلى 58 في المائة ثم إلى 62 في المائة بنهاية العام الحالي، فقد تم تنقيحها مرة أخرى في البرنامج وأصبحت 65 في المائة، فقال أكطاش إن توقعاته هي أن يتراوح التضخم في 2024 ما بين 70 و75 في المائة، وبالتالي لا يمكن توقع الإبقاء على سعر الصرف عند المستوى المتوقع.