منذ نحو أسبوع، تتوالى شكاوى أصحاب الأفران، خصوصاً الصغار منهم، من ارتفاع أسعار الطحين الـ«إكسترا» والـ«زيرو» المخصَّصيْن لصناعة المعجنات والأصناف الأخرى إلى نحو مليون و200 ألف ليرة للطن، بعدما كان يُراوح سابقاً بين 700 ألف و800 ألف ليرة، بحسب نوعيّة الطحين. تزامنت شكاوى هؤلاء الذين باتوا اليوم يسدّون حاجات يومهم بـ«الكيلو»، مع بيان لأصحاب المطاحن أعلنوا فيه أنه «نزولاً عند رغبة» وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة «تُطبق أسعار الطحين الإكسترا والزيرو نفسها كما هي سابقاً حرصاً منها على توفير هذه المادة بصورة عادية». لكن، رغم هذا البيان «الرسمي»، فإن الواقع على الأرض يؤكد ما يشكو منه أصحاب الأفران، تحديداً من يستندون في لقمة عيشهم إلى «المنقوشة» و«أكياس الكعك». وهذا ما يعني أن أصحاب المطاحن «يكذبون»، بحسب رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، استناداً إلى الشكاوى التي ترد إلى الجمعية يومياً.
ففي وقت اتجهت وزارة الاقتصاد إلى حصر الدعم الحكومي بالطحين الذي يُستخدم في «عجنة» الخبز الأبيض، بدأ أصحاب المطاحن يتفلّتون من القيود، مع التحكم بأسعار الطحين الـ«إكسترا» والـ«زيرو» اللذين يدخلان في صنع منتجات يستهلكها الناس أيضاً. أما التذرّع بتقلبات سعر صرف الليرة مقابل الدولار فلا يبرّر هذا الارتفاع الذي قارب الـ 400 ألف ليرة لكل طنّ، وقد يصل أحياناً إلى 600 ألف ليرة، بحسب نقيب أصحاب الأفران والمخابز في لبنان الشمالي طارق المير.
هذه التسعيرة «لا مبرّر لها»، يقول برو، «خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار ما يراكمه هؤلاء من أرباح على الطن». لا تملك الجمعية معطيات عمّا هي عليه النسبة اليوم، إلا أنه قبل الأزمة المالية – الاقتصادية «كان أصحاب المطاحن يربحون بين 100 و120 ألف ليرة، وهو ما كان يساوي في ذلك الوقت 80 دولاراً، في وقت كان الربح في المنطقة بين 10 و12 دولاراً».
كيف ستنعكس هذه التسعيرة؟ في المقام الأول، بدأت تظهر بوادر هذا الارتفاع في سعرَي «المنقوشة» وكيلو الكعك. بالنسبة إلى الأولى، يشير المير إلى أن «سعر عجينة المنقوشة الإكسترا أصبح 1600 ليرة وبالطحين الزيرو 1200 ليرة». وهذا قبل «التفاصيل» الأخرى لاكتمال «المنقوشة»، من صعتر وزيت وما يضاف إليها من خُضر وغيرها. وفي أفرانٍ أخرى، خصوصاً الكبرى منها، لامس سعر «عجينة المنقوشة الثلاثة آلاف ليرة». فيما وصل سعر كيلو الكعك إلى تسعة آلاف ليرة، ومن المفترض أن ترفع الأسعار الجديدة للطحين سعره، على ما يؤكد نقيب أصحاب المخابز والأفران علي إبراهيم، مشيراً إلى أن «الزيادة التي تبلغ اليوم نحو 30% على سعر الطحين غير المدعوم ستنعكس حتماً بالنسبة نفسها على المنتجات». بعد ذلك، ستلحق ربطة الخبز الأبيض «المدعومة» بالركب، خصوصاً مع تلويح أصحاب الأفران والمطاحن برفع سعرها بعد انتهاء الهبات، متذرّعين، كما في كل مرة، بأسعار المواد الداخلة في إنتاجها، والتي تخضع لدولار السوق السوداء.
مع ذلك، يفضّل برو أن يربط الحلقات، بعضها ببعض، انطلاقاً من المطاحن وصولاً إلى الأفران الكبيرة التي تحتكر الأسواق . فهنا، السلسلة واحدة، وإن كانت المعادلات دائماً غير متساوية. صحيح أن المطاحن اليوم تفرض ما تفرضه على أصحاب الأفران، لأن الدولة سمحت لها بأن تستفرد بالمادة الأولية الأساسية للقمة عيش الناس، إلا أن أصحاب الأفران الكبيرة لهم حصتهم من إذلال الناس وقطع رزق أصحاب الأفران الصغيرة التي تتّكل على «المنقوشة». فما يفعله أصحاب المطاحن اليوم بتلك الزيادات الهائلة على الطحين يصيب بشكلٍ مباشر الأفران الصغيرة التي بدأت تقفل، الواحد تلو الآخر.
مع ذلك، يعتبر برو أن الباب ليس مقفلاً أمام الحلول، مشيراً إلى حلين أساسيين، أولهما أن تقوم الدولة باستيراد القمح وفق اتفاقيات «وهذا ينعكس على السعر، إذ ينخفض عندما يكون الاستيراد لكل الشعب اللبناني»، على أن تجدول أسعار التسليم والحصص. لكن، هذا الحل دونه معوقات، خصوصاً أن الدولة «لا تملك مفاتيح هذا الملف بل تركته بين يدي المطاحن». أما الحل الثاني، فهو تعديل آلية الدعم، «وبدل أن تكون عبر التجار والمستوردين ومنهم أصحاب المطاحن فلتكن دعماً مباشراً للناس».