يضع خريف أيلول البلاد على مفترق طرق، إما سلوك الطريق الصحيح لمرحلة نهوض مقبلة وإما دخول مرحلة أكثر سوداوية وفوضى سياسية واقتصادية ونقدية مع ارتفاع لسعر صرف الدولار ومشارفة إحتياطي مصرف لبنان على النفاد. هذا الواقع المرير استدعى القطاع الخاص لدقّ ناقوس الخطر مع تسليط الضوء على المواضيع الملحّة قبل أن يحين موعد الإنتخابات الرئاسية وإجراء جولة جديدة من النقاش مع صندوق النقد.
من المتوقّع ان يستكمل صندوق النقد الدولي في شهر ايلول جولة النقاشات مع لبنان للاطلاع على التقدّم الذي أحرزه في الملفات المطلوبة قبل توقيع مجلس إدارة الصندوق على الصيغة النهائية للإتفاق.
وفي هذا السياق، حذّر رئيس تجمّع سيدات ورجال الأعمال اللبنانيين RDCL نيقولا بوخاطر خلال حديثه مع “نداء الوطن” من أن “الوقت يداهم السلطة التشريعية التي عليها إقرار القوانين الملحة الضرورية لوقف الإنهيار الحاصل وإعادة الهيكلة المطلوبة بهدف تحقيق النمو وليس تصفية الخسائر، قبل الوصول الى نهاية شهر تشرين الأول حيث يصبح المجلس النيابي دستورياً هيئة ناخبة حصراً”، معرباً عن خشية القطاع الخاص من “عدم التوصّل سريعاً إلى انتخاب رئيس للبلاد وبالتالي إمكانية التشريع بعد ذلك التاريخ، وكل التعقيدات التي قد تزيد حالة البلاد صعوبة”.
القوانين المطلوبة وشروط صندوق النقد
بالنسبة الى القوانين المطلوب إقرارها من صندوق النقد الدولي، قال بوخاطر إنها عديدة أبرزها “قانون اعادة هيكلة المصارف، الكابيتال كونترول، وإقرار موازنة الدولة وقانون رفع السرية المصرفية”. ورأى أنه “علينا تشريع هذه القوانين قبل التوجه الى صندوق النقد وتحسين شروط التفاوض معه ليصبح هدف إعادة هيكلة القطاع المالي هو إعادة البناء والنهوض وليس التصفية. وعدد الشروط المطلوب تحقيقها بالتعاون مع صندوق النقد اليوم والتي يراها محقة وهي:
اولاً، أن تكون نسبة الدين العام الى الناتج المحلي مقبولة في المستقبل وان تصل إلى مستويات تتراوح 80% و 100% مقارنة مع 180 في المئة قبل الأزمة.
ثانياً، يجب أن يكون النقد بالليرة اللبنانية المتداول في السوق متوازياً مع النقد بالدولار المتداول تفادياً للتضخم.
ثالثاً، المساءلة والمحاسبة حول العمليات النقدية والمالية التي حصلت في السنوات السابقة.
رابعاً، إعادة هيكلة القطاع المالي بهدف تحقيق النمو لحماية جزء من الودائع .
خامساً، اعتماد سياسة التراتبية في توزيع المسؤوليات.
سادساً، تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإحراز فائض في ميزان المدفوعات، تحقيق نمو وخلق شبكة أمان إجتماعي وإيجاد آلية لإعادة الأموال لكبار المودعين تدريجياً”.
سابعاً، توحيد سعر صرف الدولار باعتباره بنداً أساسياً لأي عملية نهوض.
وشدّد على “إمكانية التوصّل إلى دمج كل هذه الأهداف، بالتوازي مع عدم بيع اصول الدولة”. لافتاً الى أن “إدارات مؤسسات الدولة تشكّل خسارة للمواطنين حالياً، من هنا ضرورة توفير البيئة الملائمة لكل المواطنين والشركات من جهة والمودعين من جهة أخرى لتخفيف الأعباء عن كاهلهم”. معتبراً أن “تلك المسألة الدقيقة تتطلب “ميزان جوهرجي” والهيئات الإقتصادية أعدت خطة نهوض خاصة تأخذ بالإعتبار كل تلك الأهداف المذكورة آنفاً”.
تداعيات عدم إقرار القوانين
وعن التداعيات السلبية لعدم إقرار القوانين الضرورية قبل شهر تشرين الأول، قال: “في حال لم تنجز التشريعات الأساسية ودخلنا في مرحلة فراغ رئاسي لن نتمكن من السير في خطة التعافي. في تلك الحالة يبقى المستفيد الأكبر من الأزمة التي نتخبّط فيها الدولة اللبنانية وذلك على حساب الشعب اللبناني والشركات الخاصة الشرعية. علماً أن قيمة الدين اللبناني الذي اقترضته الدولة من مصرف لبنان، تدنّت اليوم من 180% قبل الأزمة الى أقل من 50% من الناتج المحلي حالياً”. لافتاً الى أن “التضخم يأكل القدرة الشرائية والمجتمع ينهشه الفقر المدقع المتزايد”.
وفي ما يتعلق بالإقتصاد غير الشرعي ومدى تأثيره على النمو، قال بوخاطر “تتهرب الشركات غير الشرعية من تسديد الضرائب عموماً بما فيها الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية والمالية والبلدية ومتوجبات الضمان الإجتماعي، الأمر الذي يسبب خللاً في ميزان إعادة النهوض”.
عبء القطاع العام
وبالنسبة الى العبء الذي يشكّله القطاع العام على مالية الدولة، قال بوخاطر “لا يمكن لأي بلد في العالم أن يطلق العنان لاقتصاد صحيح اذا كان حجم القطاع العام يشكّل نسبة 35% أو 40% من عدد العمالة في البلاد كما هو الوضع عليه في لبنان، اذ أن النسبة المفروضة تتراوح عادة بين 10 و 15% من إجمالي المستخدمين في البلاد. مع الإشارة الى أن الكفاءات المتواجدة في القطاع العام تتناقص، من هنا ضرورة إعادة هيكلة القطاع العام للمحافظة على الكفاءات الموجودة في الإدارات العامة وخفض أعداد العاملين فيه واعتماد الحوكمة السليمة”.
تداعيات الفراغ
تبقى الخشية من حصول فراغ رئاسي، وعدم انتخاب رئيس جمهورية جديد يوقّع على المراسيم، وعدم تشكيل حكومة فاعلة تصدّق على مشاريع قوانين المجلس النيابي وتطبقها وتتخذ تدابير إصلاحية تنموية، لأن من شأن ذلك استمرار مسلسل انهيار الليرة تزامناً مع تهاوي الاحتياطي الإلزامي وانعدام القدرة الشرائية وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي لا سقف له. والخسارة اليومية عند طلوع كل شمس مقدرة بين 20 و 25 مليون دولار يومياً من احتياطي مصرف لبنان أي من أموال المودعين”.
واعتبر أن “إعادة الهيكلة الشاملة لكل المشكلات أساسية وضرورية وتتطلب فريق عمل يحظى بثقة كل اللبنانيين”، مشيراً الى أن “عدم التوقيع مع صندوق النقد على اتفاقية تعاون والإستمرار في دوامة التعطيل والفراغ كارثة، وسيعيش القطاع الخاص الشرعي نتيجة لذلك ظروفاً أصعب بكثير من تلك التي نتخبّط فيها اليوم” .
مواصفات الرئيس الإقتصادية
وعدّد بوخاطر مواصفات رئيس الجمهورية المقبل للتمكن من الخروج من الأزمة الإقتصادية كالتالي:
– رئيسٌ يستطيع أن يبثّ الطمأنينة ويحاور ويجمع مختلف مكوّنات الشعب اللبناني، حول أولويّة العمل لوقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحاصل وطرح خطة واضحة لاعادة الثّقة، وخلق النموّ، وجلب المستثمرين، كما والعمل على وضع الاقتصاد كأولوية في السياسة الخارجية، للخروج من الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية.
– ان يكون على تواصل واقتناع تام بأهمية البرنامج مع صندوق النقد الدولي، ومؤمناً بدور القطاع الخاصّ، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، يتمتّع بسمعةٍ جيّدةٍ وبالمصداقية والنزاهة ولديه خبرة في تشكيل وقيادة فريق عمل مُكوّن من الاختصاصيين المتفوّقين في كافة المجالات وتقديمهم للمجتمع مسبقاً وإطلاعهم على برنامجه لإعادة بناء الثقة.
– ملتزم بتقليص حجم القطاع العام، يسعى لتثبيت استقلالية القضاء عن السلطة السياسية، يعمل لتحقيق اللامركزيّة الإدارية والمالية الموسعة، والعمل على تطبيق إتفاق الطائف والخروج من الطائفية السياسية، ملتزم بعدم التوظيف السياسي، وأهمية الجدارة في التوظيف، ومحاربة الحدود السائبة، رئيسٌ قادرٌ على التواصل مع المجتمع الدولي، ويمتلك خبرةً في هذا المجال تمكّنه من بناء جسور تواصل متينة مع دول الجوار وبالأخصّ مع دول العالم العربي وتحقيق السيادة على كل الأراضي اللبنانية.
كما يجب أن يكون قادراً على التواصل مع الجميع من أجل إعادة الرونق الثقافي والحضاري للبنان على المستوى العالمي، وحرية الإعلام، كما وجعل البلد مركزاً لحوار الثقافات عوضاً عن أن يكون حلبةً للصراعات والحروب. وهذه الصفات المذكورة كما ختم بو خاطر يجب أن “تنطبق ليس على الرئيس فحسب بل على كل من يعمل في الشأن العام!”.