تجهيل مقصود
ومنذ العام 2012 لم تسأل المؤسسة وزارة الطاقة الوصيّة عليها، عن الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، وتحديداً عن الشقّ المتعلّق باستبدال أنظمة النقل والتوزيع. علماً أن الخطة تقرّ بانتهاء العمر الافتراضي للشبكة، ما يخلّف هدراً للمياه يصل إلى 40 بالمئة. وبغياب الإصلاحات الجذرية، فإن “الترقيع” يستهلك وقتاً أطول وجهداً أكبر وتكلفة أعلى. والتكلفة هي العنصر الأساسي غير المضمون ولا يمكن التحكّم به واتخاذ قرار بشأنه ساعة تشاء المؤسسة، إذ أنه مرتبط بما يمكن تأمينه من مساعدات دولية. وبالتالي، فإن الأعطال المستجدّة ستواجه المجهول.
والحقيقة وإن كانت صعبة، إلاّ أنها خطوة أساسية نحو الإصلاح، إذ تبدأ بتحديد جوهر المشكلة وتسأل عن الحلول المعقولة ضمن الإمكانيات المتاحة دون مواربة. وهو ما لم تبحثه المؤسسة ولا وزارة الطاقة، ذلك أن معالجة الأزمة من زاوية الحقيقة، يعني إحالة الأمر إلى العِلم والخبراء، لا إلى موظفين إداريين ونواب ووزراء.
الحلول ممنوعة
لو تُرِكَت المسألة لخبراء علوم المياه الجوفية والسطحية، لشرب لبنان كلّه مياهاً نظيفة بأقل كلفة وبأكبر كمية متجدّدة على مدار العام. ولوفّرت الخزينة مئات ملايين الدولارات، وارتاح اللبنانيون من فاتورة إضافية هي فاتورة مياه الصهاريج.
الحل بسيط جداً، وهو “استثمار المخازن الجوفية بحفر الآبار”، بحسب الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعاطيطي، الذي يرى في حديث لـ”المدن”، أن مشكلة المياه لا يحلّها “بعض الموظفين الجَهَلة أو مراجعة نواب لتصليح قسطل”.
وبرأيه، لن تُحَل مشكلة المياه في بيروت، وكذلك في كل لبنان، إلاّ بحفر الآبار. وبيروت “ستشرب عاجلاً أم آجلاً مياهاً جوفية متجددة موجودة في الصخور شرق العاصمة”. والاعتماد على المياه الجوفية أثبت نجاحه في الجنوب الذي يشرب مياهاً جوفية منذ العام 1985.
ويشير زعاطيطي إلى أن “منشورات العام 1955 العائدة للبعثة الجيولوجية الفرنسية في بيروت، تبيّن المسطّح الجيولوجي لهضبة بيروت المثلّثة الأضلاع، والتي تشكّل وحدة جيولوجية متميزة عن جبل لبنان وجوارها المباشر من مرتفعات صخرية”.
شُرب بيروت من مياه المرتفعات الصخرية الشرقية، هو بديهة علمية لا تستطيع مشاريع السدود إنكارها. بل العكس هو الصحيح. فالتجارب الفاشلة للسدود، ومنها سد جنة والمسيلحة وبسري الذي لم يُنجَز، أثبتت ان لا بديل عن المياه الجوفية، أي عن مشاريع حفر الآبار. أما الحديث عن نضوب المياه الجوفية والتحذير من الجفاف في لبنان، فهو “كلام غير علمي”، ومشبوه، يدعم مشاريع السدود من جهة، ويساعد في إهمال استغلال مياه المتساقطات، وخصوصاً في الجنوب، والتي تذهب هدراً نحو فلسطين، ليستغلّها الاحتلال الاسرائيلي. فمسار المياه وفق زعاطيطي، “ينحدر من منطقة الجليل الأعلى في لبنان، نحو الجليل الأدنى في فلسطين”.
بيروت تتحوّل بفعل فاعل إلى صحراء. فالمياه مقطوعة والحلول ممنوعة وتمويل الجهات الدولية لا يظهر إلاّ لمشاريع يُدرك مموِّلوها عقمها.