بيروت نموذج لمعاناة اللبنانيين مع الإجهاد المائي الحاد

تواجه مدينة بيروت، كغيرها من المناطق، أزمة متفاقمة في الموارد المائية، جعلتها نموذجا لمعاناة اللبنانيين مع الإجهاد المائي الحاد، حيث تعاني العاصمة من شحّ مزمن في الموارد، نتيجة سوء الإدارة وتهالك البنى التحتية وتغير المناخ، ما انعكس سلبا على الحياة اليومية للسكان.

تكتظ شوارع بيروت بصهاريج المياه التي يشتريها السكان لمواجهة نقص حادّ لم يعهده اللبنانيون منذ سنوات، يعود لانخفاض معدلات الأمطار إلى مستويات قياسية وجفاف الآبار، واهتراء شبكات الإمداد والتوزيع.

وتقول ريما السبع (50 عاما) وهي تغسل بتأنٍّ أواني مطبخية في منزلها في برج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية، “كانت المياه تأتي بين يوم وآخر، لكنها باتت حاليا تأتي مرة كلّ ثلاثة أيام”.

وعند انقطاع الإمدادات من قبل المؤسسة الرسمية، تلجأ عائلة السبع الى الصهاريج الخاصة التي تضخّ المياه في خزانات المبنى حيث تقيم.

وتوضح أنها تدفع 5 دولارات لقاء ملء الخزان بمياه مالحة تسبّب الصدأ لأواني المطبخ. أما مياه الشرب، فتشتريها في عبوات جاهزة، على غرار كثر في لبنان.

لكن وطأة هذه التكاليف قاسية على العائلة ذات الدخل المحدود، بحسب ما تؤكد السبع التي تعمل في مجال إعانة كبار السن.

وتتساءل “من أين يفترض بي أن آتي بالأموال؟”، في بلد لا يزال يعاني أزمة اقتصادية خانقة أفقرت العديد من سكانه، إضافة إلى تداعيات الحرب بين حزب الله وإسرائيل.

واعتاد اللبنانيون على نقص المياه على مدى أعوام طويلة. وبحسب ما تورد وزارة الطاقة في نصّ الإستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، “لا يحصل أكثر من 50 في المئة من السكان على خدمات المياه العامة بشكل منتظم”.

وتشير الوزارة إلى أن التخزين السطحي على غرار السدود ليس كافيا لسدّ الفجوة، بينما تعتبر نصف الإمدادات الحكومية “مهدورة” بسبب التسرّبات من الشبكات أو السرقة. وفاقم تدني نسبة الأمطار الأزمة سوءا.

ويشير رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية محمّد كنج إلى أن كمية الأمطار في الشتاء الماضي “كانت قليلة جدا”، مشيرا إلى أنها “الأدنى منذ 80 عاما” منذ بدء عمليات الرصد.

ومن شأن التغير المناخي أن يزيد من شحّ المياه، بحسب الإستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، بينما رجّح البنك الدولي مطلع العام أن “يؤدي تغير المناخ إلى خفض المياه في موسم الجفاف إلى النصف بحلول عام 2040”.

وقال وزير الطاقة والمياه جوزيف صدي الأسبوع الماضي إن “الحال صعبة جدا”.

ويتفاوت نقص المياه بين منطقة وأخرى في بيروت الكبرى، حيث تعج الطرق بصهاريج تغذّي الخزانات المنتشرة بكثافة على أسطح الأبنية.

وأطلقت الحكومة الشهر الماضي حملة للتشجيع على ترشيد استهلاك المياه، عرضت خلالها صور ينابيع وبحيرات جافة في مختلف أنحاء البلاد.

وفي محطة الضبية لضخّ وتكرير المياه شمال العاصمة، ركدت المياه في قعر الأحواض المخصصة للضخّ.

ويقول رئيس دائرة محطات بيروت الشمالية زهير قزي “أنا هنا منذ 33 عاما، وهذه أسوأ سنة تمرّ علينا، من حيث كميات المياه التي تصلنا لنضخها إلى بيروت”.

وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس في يوليو، أوضح الخبير التقني لدى مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أنطوان الزغبي أن تقنين المياه في العاصمة عادة ما كان يبدأ في أكتوبر ونوفمبر، أي بعد فصل الصيف وقبل بدء الشتاء.

لكن هذا العام بدأ الضخ، وفق الزغبي، “مبكرا لأننا فقدنا 50 في المئة من كمية المياه” في بعض الينابيع بسبب تراجع تساقط الأمطار.

وأشار إلى أن التقنين بدأ في يونيو من بعض الآبار لتقليل خطر الإفراط في الاستهلاك وتسرب مياه البحر. وشدد على الحاجة إلى المزيد من مرافق التخزين، بما في ذلك السدود.

ووافق البنك الدولي في يناير الماضي على قرض بأكثر من 250 مليون دولار لتحسين خدمات المياه في بيروت الكبرى والمناطق المجاورة.

وفي عام 2020، ألغى البنك قرضا لإنشاء سد جنوب العاصمة بعد احتجاج ناشطين في مجال البيئة على أنه قد يدمر واديا غنيا بالتنوع البيولوجي.

ويقول الموظف المتقاعد أبوعلي نصرالدين (66 عاما) الذي يقطن في ضاحية بيروت الجنوبية إنه محروم من مياه الشبكة الحكومية منذ أشهر عديدة.

ويسأل “أين مياه الدولة؟ إلى أين يقومون بتحويلها؟ لا أحد يعرف”، مشيرا كذلك إلى ارتفاع ثمن المياه التي توفرها الصهاريج بينما شحّت بئر كانت تغذي المبنى حيث يسكن.

ويصل سعر صهريج المياه سعة ألفي ليتر في بعض المناطق إلى عشرين دولار، وهو بالكاد يكفي أسرة من خمسة أفراد لأسبوع مع ترشيد الاستهلاك.

وارتفع الطلب بشكل كبير على المياه، كما يشرح بلال سلهب (45 عاما) الذي ينقل المياه عبر شاحنته الصغيرة. ويقول لفرانس برس “وضع المياه متأزم جدا”، مؤكدا أنه يواجه صعوبة في توفير المياه لأن الآبار جفّت أو باتت مالحة.

وفي بعض مناطق بيروت الكبرى، شكّلت الآبار منذ زمن طويل بديلا أو مكملا لشبكة الدولة، لكن العديد منها أصبح متهالكا، ما تسبب في تلف الأنابيب وزاد من ملوحة المياه.

ويشرح مسؤول الاستدامة الرئيسي في الجامعة اللبنانية الأميركية نديم فرج الله أن بيروت توسعت كثيرا من حيث المساحة وعدد السكان منذ مطلع الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لكن البنى التحتية الخاصة بالمياه لم تواكب هذا النمو.

ويضيف أن العديد من السكان حفروا الآبار بشكل غير قانوني، بما في ذلك آبار تصل إلى الاحتياط الإستراتيجي للمياه الجوفية، مشيرا إلى أن “أحدا لا يعلم عدد الآبار الموجودة”.

ومع الأزمة الحالية، يعتبر فرج الله أن حملات الترشيد والتوعية كان ينبغي أن تبدأ أبكر لأن “الجميع كان يعلم أن الثلوج وكميات الأمطار كانت فعلا أقل من المعدل”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالاستثمارات الإستراتيجية تقوي قدرات صناعة التكرير
المقالة القادمةماذا في خلفيات قرار القاضي شعيتو حول التحويلات المالية…