عاد الدولار أمس إلى ارتفاع بعد هبوط متواصل استمر حوالى أسبوع، وبعد مساعي السلطة النقدية الي تعزيز الليرة عبر القيود على سحوباتها من المصارف من ودائع الدولار، وعملاً بالمبدأ الاقتصادي العام «اعادة القوة للنقد الوطني عمل وطني».. ولكن شروط اقتصادية تتوقف على الهدف والكيفية وعلى العوارض الجانبية. منها أنه بين أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق المصارف المركزية في العالم ليس فقط «الاستقرار النقدي» وانما أيضا «تحقيق معدلات كافية للنمو» و«توفير الفرص الكافية للعمل».
يأتي ارتفاع سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار بمنافع محدودة لصادرات الصناعة للوصول إلى السياحة بالنظر الى مساهمة هذين القطاعين في الناتج الوطني قد تراجعت بسبب الأزمة المصرفية والعدوى الوبائية، لكن كون ارتفاع السعر (أو رفعه) يحصل عن طريق تقييد شديد للسحوبات أو التسليفات بالليرة اللبنانية بدلا من طريق زيادة القوة الانتاجية، بما أدى الى استمرار صعوبات الحصول على المواد المعيشية والطبية والضرورية الأساسية عبر الانتقال من «الاختناق» بالدولارات الى «اختناق» بالليرات التي قيدت بسلاسل نقدية انكماشية لا يمكن كسرها الا بمطرقة السوق السوداء التي لا ترحم – في مختلف الحالات – لا المصدر ولا المستورد ولا المستثمر ولا المواطن.
والحل؟
للوصول إلى البدائل المتوافرة بأقل الأضرار وأكثر المنافع، لا بد من تجنب الشعارات «الشعبوية» التي قد تخدم قطاعا اقتصاديا معينا على حساب قطاعات أخرى، أو شريحة أو فئة اجتماعية معينة عل حساب شرائح وفئات اجتماعية أخرى، كما حصل عندما أقرت سلسلة الرتب والرواتب وصرفت دفعة واحدة انهكت الموازنة العامة للدولة والحقت الأضرار حتى بموظفي واجراء الدولة أنفسهم بالتضخم الذي أفقدهم كل ما حصلوا عليه من «مكتسبات» ومعها جزءا كبيرا من ادخارات الشعب من مختلف الشرائح والفئات!
صحيح ان ارتفاع سعر الليرة يريح كل ذوي الدخل المحدود بالليرات وهو أمر حيوي في الأزمة الحالية المستعصية، ولكن ترك السعر في مهب العوامل النفسية أو حتى السياسية، دون تحديد معادلة الصرف السليمة والصحية وتركها تحت رحمة التقلبات والتغيرات والمخططات الخفية في السوق السوداء بدلا من الوصول الى «سعر واقعي للصرف الاقتصادي»، سيؤدي الى المزيد من الفوضى ويطلق حبل الغارب في المزيد من المضاربات بما يفقد قرار التشدد في السحوبات والتسليفات بالعملة الوطنية أي ايجابيات محتملة قد تعيد الدولار بعدها الى عرش أمتن وأعلى، وهو الأمر الذي حاول «الحكماء» من أهل الاقتصاد تجنبه بالدعوة الى توحيد سعر الصرف الذي بات يتشرذم ويتقسم حتى بلغ أكثر من ٤ أو ٥ معدلات مختلفة تشد أطراف الاقتصاد الى جهات متعددة تلتقي في النهاية عند شفير الهاوية.