بعيداً عن “الحراك العوني” الشعبوي اليوم أمام المصرف المركزي حيث سيكون “تيار السلطة” في مواجهة مباشرة مع مرآة السلطة التي تعكس صورته في كل ركن من أركان الدولة ومؤسساتها وإداراتها وقطاعاتها بمختلف أبعادها الرئاسية والحكومية والنيابية والمالية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وحتى المصرفية، يواصل رئيس الحكومة حسان دياب “الحفر بالإبرة” في جبل الأزمة الاقتصادية والمالية مستعيناً بجيش من الاستشاريين والمستشارين لفك طلاسم “خزنة” الحلول المتاحة لتفليسة الدولة التي لا تزال تدور في فلك “اللجان ومجموعات العمل” من دون أن يرسو المركب الرسمي بعد على قرار بسلوك هذا الاتجاه أو ذلك بانتظار مشورة صندوق النقد الدولي الذي يعوّل عليه بوصفه “قارب النجاة” الوحيد القادر على رمي حبال الإنقاذ من بحر الديون السيادية غير القابلة للتحصيل في مواعيد استحقاقاتها المقبلة…
وبالانتظار، لا تملك دوائر السراي الحكومي رداً على سؤال “نداء الوطن” عن مصير استحقاق “اليوروبوندز” سوى جواب وحيد مفاده أنّ “القرار لم يُتخذ بعد وقد يحتاج لبلورة صيغته النهائية إلى ما بين 10 أيام وأسبوعين”.
وبينما تتكثف الاجتماعات والحلقات الاستشارية التي يعقدها رئيس الحكومة وخلية أزمته الوزارية مع ممثلي كبريات الشركات المتخصصة بالشأنين المالي والقانوني، أفادت مصادر مطلعة على مجريات النقاش “نداء الوطن” بأنّ أكثر من طرح بات موضوعاً جدياً على الطاولة بين الجانب اللبناني وهذه الشركات، كاشفةً أنّ أحد أبرز هذه الطروحات يتمحور حول “تجميد الودائع” في المصارف باعتباره “الأكثر فعالية في الحالة اللبنانية الراهنة”، وأوضحت أنّ هذا الطرح يقضي بتجميد أموال المودعين لمدة تراوح بين ثلاث وخمس سنوات، على أن تُمنح فوائد على التجميد بمعدل 4% مقابل فرض ضريبة على هذه الفائدة من شأنها أن تؤمن للخزينة العامة ما يقارب 4 مليارات دولار سنوياً، مشيرةً إلى أنّ اعتماد أي خيار من هذا النوع لا بد وأن يكون مقروناً بإصدار قرارات حكومية وقانون يُشرّع ذلك من مجلس النواب.
إذاً، لبنان الواقف على رصيف “صندوق النقد” الذي سيبدأ وفده اليوم جولة محادثاته الرسمية في بيروت، جهّز ملفاته ومستنداته المالية والاقتصادية والنقدية المطلوبة لعرض وقائعها على طاولة النقاش مع وفد الصندوق لكي يساعده على تحديد بوصلة القرارات المناسبة، في حين تؤكد مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” أنّ كل المعطيات تشير إلى اتجاه الدولة اللبنانية نحو عدم سداد استحقاق آذار، ناقلةً عن رئيس الحكومة أنه “يفضّل من الأساس إعادة الجدولة ضمن إطار خطة مفصلة، وما التسريب الذي حصل سابقاً لناحية القول بأنّ دياب مصمّم على ألا يتخلّف لبنان عن سداد استحقاقاته المالية سوى تحريف مقصود من أطراف محدّدة لموقف رئيس الحكومة بغية استغلال هذا التحريف لرفع قيمة السندات عشية إقدام بعض المصارف على بيعها للخارج”.
وفي هذا المجال، كشفت أوساط واسعة الاطلاع على هذا الملف لـ”نداء الوطن” عن معلومات موثوق بها تؤكد ضلوع 4 مصارف لبنانية في عملية بيع سندات اليوروبوند إلى مؤسسات وصناديق خارجية، سواءً بغرض التخلص من عبئها وتسييل قيمتها أو عبر إيداعها باسم هذه المؤسسات في سبيل الضغط على الدولة في عملية التفاوض مع الجهات الدولية لضمان تحصيل قيمة هذه السندات، لافتةً الانتباه في الوقت عينه إلى أنّ المسألة ليست موضع شك بمدى قانونيتها بل هي مسألة تتعلق بالتشكيك بمدى أخلاقية اعتماد هكذا خطوة في ظل الأزمة المستحكمة بالاقتصاد الوطني.