بعيداً من المساعدة المشروطة باصلاح القطاع العام والكهرباء بشكل خاص وبقية المؤسسات العامة، فان تحديد الخسائر والاتفاق عليها يعتبر من الأساسيات لانطلاق المفاوضات مع الصندوق. إلا أن مشكلة الخسائر الكبيرة تتمثل في كيفية احتسابها.
أسئلة كثيرة يرى الباحث الاقتصادي وخبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي أنها “تُدخل المفاوضات في متاهة لا مخرج منها لاستحالة تحديدها وتوحيد وجهات النظر عليها. والغوص بها سيفشل المفاوضات. فالقطاع المصرفي اللبناني هو حامل سندات دين بالدولار باستحقاقات تنتهي في العام 2037، وموظف لدى المركزي أموالاً باستحقاقات لفترة تتراوح بين 7 و10 سنوات إلى الأمام. فكيف يمكن المحاسبة على الخسارة اليوم؟ وكيف للمصارف أن تؤمن مؤونة لدين سيحصل في العام 2037؟ من هنا لا رقم أبيض أو أسود يمكن تحديده وبدء المفاوضات على أساسه”. إلا أنه في المقابل يرى فحيلي أن ما يهم “صندوق النقد الدولي في المفاوضات مع أي دولة مأزومة هو تحقيق شرطين أساسيين: إبعاد “شبح” الوقوع في أزمة اقتصادية نقدية مشابهة بعد فترة وجيزة، وضمان تحسين قدرة الدولة على سداد إلتزاماتها”.
“التسليم بوقوع الخسائر من دون تحديدها وكيفية احتسابها وتوزيعها أمر لا يمكن لـ”صندوق النقد الدولي” القبول به”، بحسب رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية، والمدير السابق في الصندوق د. منير راشد. خصوصا أن “الصندوق كان متشدداً خلال المفاوضات الماضية على هذه النقطة بالتحديد. ومن غير الممكن أن يكون موقفه قد تغير. فجدول الخسائر محدد وواضح وهو يضم الكثير من المكونات، منها بشكل أساسي ما يعرف over draft أو تحويل الدولة الليرة إلى دولار بما لا يقل عن 35 ملياراً. وهنا يواجه الفريق المفاوض اللبناني حلاً من اثنين:
– إما القبول بأرقام الصندوق بعد إعطاء الأخير الجانب اللبناني مهلة لدراسة الأرقام، “في حال لم يكن الفريق اللبناني قد حدد الخسائر”. وعلى سبيل الذكر لا الحصر فان تقديرات الصندوق حول خسائر المركزي كانت في المفاوضات السابقة 171 ألف مليار ليرة أو ما يعادل 120 مليار دولار.
– إما إدخال تعديلات على الأرقام، في حال كانت الارقام المقدمة من الجانب اللبناني فرضية اكثر مما هي حقيقية.
فشل الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بسبب العجز عن الاتفاق على تحديد وتوزيع الخسائر، “لا يجب أن يحول دون إمكانية حصول لبنان على تمويل من الجهات والصناديق الدولية”، من وجهة نظر الرئيس التنفيذي لشركة “Advisory and Business Company” علاء غانم. “حيث من الممكن وضع الخسائر المحققة جانباً وأخذ تمويل أو قرض بناء على مشاريع منتجة. على أن تكون الأرض وأصول المشاريع هي الكفالة أو الضمانة على القروض. فلا يعود التمويل المطلوب على صعيد بلد إنما لمشاريع تؤمن عوائد سنوية مرتفعة تغطي ثمن المشروع بعد عدد محدد من السنوات. وبهذه الطريقة يكون لبنان يتخلص تدريجياً من السبب الاول للأزمة المتمثل بالعجز التراكمي في الميزان التجاري. حيث إن المشاريع الانتاجية تعزز الصادارت وتخفف من الواردات.
ظاهرتان إيجابيتان تشهدهما الأسواق المالية العالمية من المنتظر أن ينعكسا إيجاباً على لبنان، بحسب غانم، وهما:
– تطلع المصارف الأجنبية للعودة إلى الأسواق اللبنانية. فبعدما سجل خلال السنوات الست الأخيرة خروج كل المصارف الأجنبية وكان آخرها مصرف HSBC، يلاحظ ميل جدي عند المصارف لشراء مصارف لبنانية.
– تحقيق سندات “اليوروبوندز” اللبنانية أعلى مستوى من الربحية بالمقارنة مع بقية السندات خلال الشهر الماضي بحسب وكالة بلومبيرغ.