تحدٍّ جديد أمام منصوري: الادعاء على رياض سلامة

في اجتماعه الأخير مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، قدّم النائب مارك ضو طرحًا جديدًا بخصوص نتائج التدقيق الجنائي. إذ طالب منصوري بتعيين محامين لتقديم ادعاء -بإسم المصرف- بخصوص شركة فوري. بمعنى آخر، بات منصوري مُطَالَبًا برفع السقف والدفاع عن مصالح المصرف، عبر الادعاء على سلامة وشركائه وملاحقة الأموال المنهوبة، بدل الاكتفاء بوعود متواضعة، مثل الإعلان عن استعداده لتقديم المعلومات المطلوبة من مصرف لبنان. هذا المطلب، سيمثّل تحديًا كبيرًا بالنسبة لمنصوري. إذ سيكشف مدى استعداده لاتخاذ خطوات مؤثّرة في هذا الملف، وتحمّل مسؤوليّة هذه الخطوات، بدل الاكتفاء بتذكير الأطراف الأخرى بمسؤوليّاتها في سائر الملفّات.

من الأكيد أنّ المصرف المركزي يملك اليوم الصلاحيّة والأهليّة الكاملة لتقديم ادعاء من هذا النوع على سلامة، بل ويملك منصوري موجب تحريك الدعوى بصفته القائم بأعمال الحاكم حاليًا. ومن الأكيد أيضًا أن تدخّل المصرف في ملف التحقيق، بوصفه مدّعيًا على سلامة، يمكن أن يغيّر الكثير من مجريات هذا الملف، لكون هذه الخطوة ستعطي الجهة التي تملك المعلومات (أي المصرف) القدرة على التدخّل وطلب التوسّع في التحقيقات باتجاهات معيّنة. مع الإشارة إلى أنّ تقرير التدقيق الجنائي كشف العديد من الارتكابات المرتبطة بملف شركة فوري أو المشابهة لها، والتي لم تشملها التحقيقات حتّى اللحظة، ما يفرض وجود تدخّل من هذا النوع من جانب مصرف لبنان.

صلاحيّة مصرف لبنان وموجب الحاكم بالإنابة

يعتبر قانون النقد والتسليف –في المادّة 13- المصرف المركزي “شخصاً معنوياً من القانون العام”، ويعطيه الاستقلال المالي والإداري المطلوب للتصرّف بوصفه “تاجرًا في علاقته مع الغير”. وفي المادّة 26 من القانون نفسه، يمتلك الحاكم وحده صلاحيّة تمثيل المصرف في جميع هذه الأدوار، ومنها إجازة “تقديم الدعاوى القضائيّة ضد الغير”، و”اتخاذ الإجراءات التنفيذيّة والاحتياطيّة”.

أمّا النقطة الأهم، فهي أنّ القانون ربط تحريك الدعاوى المرتبطة بالمخالفات المحتملة بإجراءات النيابة العامّة، إنما بطلب من المصرف المركزي، الذي يمثّله حاكم مصرف لبنان. في النتيجة، ما يفترضه القانون، كمسار منطقي للأمور، هو تحريك الحاكم للدعاوى المرتبطة بحقوق المصرف المعنويّة والماليّة، وبإسم المصرف ككيان قانوني مستقل، بدل أن يكون المصرف والحاكم في موقع المراقب فقط كما هو الحال اليوم.

ومن الناحية العمليّة، يمتلك المصرف اليوم جميع الموجبات التي تفرض على الحاكم التصدّي لهذا الدور. فالأموال العموميّة المشتبه باختلاسها هي أموال مصرف لبنان بالتحديد، بعد أن تمت جبايتها من المصارف على أساس كونها عمولات مرتبطة بعمليّات بيع سندات اليوروبوند. والحساب الوسيط الذي تم استخدامه لإجراء العمليّات هو حساب تقاص من ضمن موجودات المصرف المركزي، كما أكّد تقرير التدقيق الجنائي الأخير. أمّا أهم ما في الموضوع، فهو أنّ سلامة أساء موقعه كحاكم للمصرف، من أجل إجراء كل العمليّات المشتبه بها بين عامي 2001 و2015، ما يعطي نزاع المصرف مع سلامة أبعادًا أوسع.

بل في واقع الأمر، لا تقتصر المسائل التي يمكن أن يدّعي بها المصرف المركزي على مسألة شركة فوري، بل يفترض أن تطال مسألة تزوير الميزانيّات، التي أصابت المصرف المركزي بالضرر قبل غيره. كما يمكن أن تطال مسألة عمولات الـ111 مليون دولار، التي جرى تحويلها بشكل غامض إلى أطراف مجهولة، بنمط يشبه نمط عمليّات شركة فوري.

وفي جميع صفحات تقرير التدقيق الجنائي، تمتلئ خلاصات المدققين بما يكشف القصور المتعمّد في إدارة أموال المصرف العموميّة، بل وفي كثير من الأحيان الهدر الذي طال هذه الأموال، كما جرى في عمليّات شراء العقارات غير المبرّرة، أو في “الدعم المالي” الذي قدّمه الحاكم مجّانًا ومن دون مبرّر لإعلاميين وجمعيّات ومؤسسات بحثيّة.

باختصار، وبناءً على كل ما ورد في التقرير، يصبح من واجب الحاكم بالإنابة تقديم ادعاء من هذا النوع، حرصًا على حق المصرف بالأموال المشتبه باختلاسها، والتي يفترض أن تتم ملاحقتها في المصارف والأسواق الماليّة والعقاريّة الأجنبيّة، بعدما تم إلقاء الحجز عليها بالفعل.

أهميّة ادعاء مصرف لبنان على سلامة

لا يمكن التقليل من أهميّة ادعاء المصرف المركزي مباشرة على حاكم المصرف السابق رياض سلامة. إذ ستسمح هذه الخطوة للمصرف بالتدخّل في الدعوى، وطلب التوسّع في التحقيق في العديد من الارتكابات التي لم يطلها التحقيق السابق، في ضوء المعلومات والمعطيات الموجودة بحوزة المصرف، ومنها على سبيل المثال تلك المتعلّقة بعمولات الـ111 مليون دولار. كما سيسمح هذا الادعاء بتحصين الملاحقات الجارية بحق الحاكم محليًا وفي الخارج، بمجرّد اعتبار المصرف المركزي أنّ ثمّة حقوقاً مهدورة ينبغي تحصيلها من الحاكم السابق شخصيًا.

خلال الفترة الماضية، حاول فريق الدفاع عن الحاكم الطعن بمشروعيّة عمل هيئة القضايا، من خلال التصويب على سعيها تمثيل الدولة اللبنانيّة في محاكم فرنسا ولبنان، من دون الاستحصال على تكليف مباشر من وزارة الماليّة. ورغم فشل هذه المحاولات حتّى اللحظة، سيسهم ادعاء مصرف لبنان مباشرة بالحؤول دون تكرار كل هذه المحاولات، بمجرّد توفّر ادعاء آخر يمثّل حقوق مؤسسة عامّة هي المصرف المركزي. كما سيسهم هذا الادعاء بإبطال حجّة فريق الدفاع عن سلامة في فرنسا، الذي يحاول المحاججة بأنّ الدولة اللبنانيّة لم تقرّ بعد –بموجب حكم قضائي- بأنّ الأموال المشتبه باختلاسها هي أموال عامّة فعلًا.

أمّا أهم ما في الموضوع، فهو أنّ المصرف المركزي هو أكثر من يملك جميع التفاصيل المتعلّقة بالعمليّات المشتبه بها، وخصوصًا تلك المرّتبطة بحساب العمولات داخل المصرف. ولهذا السبب بالتحديد، وبمجرّد اتخاذ المصرف موقع الادعاء في هذه القضيّة، سيكون بالإمكان تقديم جميع الحجج والإثباتات التي تمكّن القضاء المحلّي والأجنبي من تتبع مسار التحويلات بدقّة، بمعزل عن جميع العوائق التي تمكن سلامة وحماته من فرضها. وفي هذه الحالة، لن ينتظر المصرف تلقي طلبات المعلومات من القضاء، حتّى يتعاون معها كما يعد منصوري، بل سيكون المصرف في موقع المبادر في حال تقاعس القضاء عن أداء دوره.

في النتيجة، لم يصدر عن منصوري حتّى هذه اللحظة أي تعليق، على الطلب التي تقدّم به النائب مارك ضو في الاجتماع الأخير، كما لم يشر منصوري أساسًا إلى وجهة الحاكميّة بخصوص الملف القضائي برمّته. بل وأكثر من ذلك، لم يعلن منصوري عن وجهة المصرف المركزي بخصوص ما كشفه تقرير التدقيق الجنائي، رغم أن التوسّع في ملاحظات شركة التدقيق هو مسؤوليّة وصلاحيّة ودور مصرف لبنان، قبل أي طرف آخر. لكل هذه الأسباب، قد يكون من المناسب التوجّه بالسؤال لمنصوري ونوّابه، بخصوص مسؤوليّاتهم في هذا الملف، خصوصًا بعدما أوحى منصوري بتحفّظاته على أسلوب إدارة رياض سلامة للمصرف لبنان طوال العقود الماضية.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةبـ”علامة رضى”: باخرة فيول تأتي وتذهب بلا مقابل؟
المقالة القادمةوزارة الطاقة تحدّد “السعر العادل” لفاتورة المولّدات لشهر آب