يجب التفكير بمسألة رفع الدعم من زاوية عملية، لتقدير هَول الأزمة. فالمسألة تتعلّق بتأثير رفع أسعار الطاقة على الاقتصاد ومستوى معيشة السكان. حياة الناس لا تقتصر على تأمين المشرب والمأكل. بل واجب الدولة أن تعمل على تعزيز رفاهية الإنسان. أما حصر مسألة رفع الدعم عن استيراد الوقود، بارتفاع سعر صفيحة البنزين أو المازوت والتعامل معها على اعتبار أنّها مشكلة تُحلّ بتخفيف التنقلات أو بتوزيع «كوبونات» شهرية، فهذا تضليل واحتيال
في ورقة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) عام 2017، يُذكر بأنّه «من السهل التنبؤ بالآثار الاجتماعية المباشرة لارتفاع تكاليف الطاقة. مثلاً، إذا ارتفع سعر صفيحة البنزين، فالمستهلكون سيكونون أكثر عرضة للفقر». صحيح أنّ الأغنياء يستفيدون من دعم الطاقة أكثر من بقية الطبقات الاجتماعية لاستهلاكهم كميات أكبر، «لكنهم سيبقون قادرين على الدفع للحصول على الطاقة مهما بلغ ثمنها، في حين أنّ الأسر البسيطة التي تعيش أصلاً بمدخول هامشي، فأي زيادة ولو طفيفة في الأسعار ستدفعها أكثر وأكثر تحت خط الفقر. ما يعني أنّ تضخّم الأسعار لديه القدرة على تدمير الخراب».
ويُشير تقرير الـ«إسكوا» إلى أنّ إلغاء الدعم على الطاقة قبل دعم وسائل طاقة بديلة ورفع مستويات المعيشة وتحفيز خلق فرص عمل، «سيُقلّل من الوصول إلى الطاقة ويحدّ من فرص العمل ويُفاقم الفقر». انطلاقاً من هنا، «من الحكمة اختيار الحدّ التدريجي للدعم، بحيث يتمكّن الأفراد والسلطات من التكيّف ببطء»، في حين أنّ الإلغاء المفاجئ للدعم «يكون محفوفاً بالمخاطر القصوى». ينطبق هذا التوصيف على الواقع اللبناني، بحسب عدد من الاقتصاديين.
يبدأ هؤلاء بالحديث عن النظرية الاقتصادية التي تُدرّس بأنّ «الاقتصاد، بمعنى التداول بالأسواق، يُحرّكه الاستهلاك»، يعني ضرورة امتلاك الفرد مبلغاً من المال لشراء السلع والخدمات. بعد سنتين من الانهيار، وقرار التوقّف عن دعم استيراد المحروقات، «النسبة الأكبر من الأسر اللبنانية، ويُمكن تقديرها بـ75 في المئة، فقدت القدرة الشرائية لمداخيلها». بشكل عام، مع استثناء الميسورين ومن يتلقون رواتب بالدولار، حصل تراجع حادّ في الاستهلاك، وهذه كانت خطة سلامة عبر ترك الليرة تنهار وخلق أسعار صرف متعددة لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات، الذين انهار دخلهم وقدراتهم المعيشية يُعدّون إجمالاً من زبائن وعمّال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، «ما يوصلنا إلى نتيجة أنّ ما لا يقلّ عن 60 في المئة من الناس سيُهدّدون بخسارة العمل والدخل. ارتفاع أسعار الطاقة، يرفع كلفة عمل المؤسسات، ويوصل إلى تعثّر وإفلاس قسمٍ منها». يُشكّل ذلك طبقة جديدة من الأزمة بعد انهيار مداخيل العمّال ومصادرة ودائعهم في المصارف، وإجبارهم على تغيير عاداتهم الاستهلاكية من دون خطة خروج من الانهيار.
ارتفاع الأسعار، وهو الأثر المباشر لتحرير أسعار الطاقة يعني «التضخّم المفرط، وسيتسبّب بانكماش كبير، ويكبح النمو في البلد». اليوم انتقلنا إلى مرحلة جديدة يُصبح فيها الاستهلاك مُرتبطاً بالمدخول المتاح». ارتفاع أسعار الطاقة سيؤثّر أيضاً في الصناعات الموجّهة للتصدير. فبعد أن «تفاءل» البعض بانهيار العملة المحلية، وتحوّلها إلى «تنافسية» نسبة إلى الأسواق الخارجية، «سترتفع كلفة الإنتاج وأسعار المواد الأولية، بمستوى يمنع العديد من الصناعات من التصدير إلى الخارج».