تستمر تحركات المودعين بالمصارف اللبنانية على عدة مستويات، إن بالشارع أو أمام القضاء او من خلال بيانات مطلبية ومتابعات مع مسؤولين وأصحاب القرار. لكن قلّما شهدنا مطالبات ومحاولات لتصويب بوصلة استعادة الحقوق من داخل الحكومة أو مجلس النواب، المؤسستان اللتان شهدتا محاولات حثيثة للإنقضاض على حقوق المودعين، ولحماية المصارف على حساب أموال الناس ومدخراتهم.
اليوم حين ارتفع صوت من داخل الحكومة للمطالبة بحقوق المودعين، وصل منقوصاً تشوبه عيوب التمييز بين المودعين وتنقصه الرؤية العلمية الواضحة لعملية استعادة الحقوق. والأهم من ذلك، يفتقد الصوت اليتيم من داخل الحكومة إلى جرأة المصارحة بكيفية تحميل المسؤوليات.
مطالب لفئة محدّدة من المودعين!
رفع وزير المهجرين في حكومة تصريف الاعمال عصام شرف الدين، اليوم، الصوت باسم المودعين معلناً سلّة مطالب في مؤتمر صحافي عقده بحضور “مجموعة العسكريين لاستعادة الودائع” وبعض ممثلي المودعين. وتمحورت المطالب حول إحقاق الحق لفئة معيّنة من المودعين دون سواهم.
وصف شرف الدين المطالب بالعاجلة والملحّة ولخّصها بالتالي:
1- رفع سقف السحوبات الشهرية إلى 1000 دولار كحد أدنى.
2- قبول شيك المودع المريض بداعي الطبابة والاستشفاء.
3- قبول شيك الطالب.
4- قبول شيك التأمينات الصحية.
5- تسديد الرسوم والضرائب من حساب المودع بشيك أو حوالة من رصيده في البنك.
وفي حديث لـ”المدن”، لفت الوزير شرف الدين إلى أن المطالب المذكورة تم طرحها على وزير المال يوسف الخليل، الذي طلب بدوره عرض الموضوع على مجلس الوزراء، وعلى حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، الذي طالب بدوره بتأمين التغطية السياسية.
وإذ شدّد شرف الدين على ضرورة رفع سقف السحوبات إلى 1000 دولار وإلغاء التعاميم 158 و166، برّر المطالبة بقبول شيكات المرضى والطلاب بحاجات المودعين الملحّة. وقال: هناك مودعون مرضى وجياع ومدينون وطلاب لا بد من تلبية حاجاتهم ودعمهم.
أما الفارق بين ما يتم سداده بموجب التعاميم اليوم وبين ما هو مطلوب أي 1000 دولار، فمن المطلوب تأمينها، حسب شرف الدين، من خلال اقتطاع مليار دولار من الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان، ومن خلال الفائض لدى وزارة المال البالغ أكثر من 300 مليون دولار. ويرى شرف الدين أنه طالما خصّص الاحتياطي الإلزامي للحالات الصعبة والطارئة، فهل من حالة طارئة أكثر من تلك التي نشهدها اليوم؟
ويؤكد شرف الدين نيّته التقدّم إلى مجلس الوزراء للموافقة على الاقتطاع من الاحتياطي الإلزامي، “وهذا أمر لا يستلزم تشريعاً. فالحاكم هو صاحب القرار بهذا الأمر، لكنه يحتاج إلى غطاء سياسي”، يقول شرف الدين، وبالتالي سنتقدم بطلب باسم وزارة المهجرين وباسم جمعيات المودعين للموافقة على هذا المشروع الحيوي الضروري، على حد تعبيره.
مطالب “المجزأة”
مطالب مجموعات المودعين التي تحدث باسمها الوزير شرف الدين، وصفها مصدر من إحدى المجموعات الفاعلة منذ عام 2019 على مستوى أزمة المصارف، بـ”المطالب المجزأة”. وقال في حديث إلى “المدن”: كيف يمكن العمل على التفصيل وتجاهل الجوهر؟ فالحديث عن قبول شيكات الطبابة والاستشفاء، رسوم التأمين، الأقساط المدرسية والجامعية، ومختلف الضرائب والرسوم، يشكّل تفصيلاً بالنسبة إلى المطلب الاساسي، وهو توحيد سعر الصرف وقوننة عملية السحوبات المصرفية بالسعر الرسمي. بمعنى آخر: “لا بد من السعي باتجاه فرض سعر الصرف الرسمي على المصارف، وإلزامها بالتعامل به بكافة تعاملاتها، بما فيها السحوبات من الودائع”.
ويسأل المصدر “ألا تُعتبر عملية شمول المطالب المرضى والطلاب والمديونين وبعض الفئات الأخرى فقط دون سواهم، تمييزاً بين المودعين؟ ألا تعتبر عملية الحصول على الودائع بقيمتها الحقيقية حقاً مكتسباً لكافة المودعين من دون تمييز؟
ثم كيف يمكن اقتطاع مليار دولار من الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان و300 مليون دولار من الدولة، فيما لو سلّمنا جدلاً بذلك، بمعزل عن أي دراسة واقعية تبيّن حجم المسؤوليات للأزمة الراهنة، وكيفية توزيع الخسائر البالغة عشرات مليارات الدولارات.
وشدّد المصدر على أولوية إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتحديد حجم ملاءة كل مصرف، وماهية المصارف المؤهلة للاستمرار في السوق اللبنانية، بموازاة وضع خطة لاستعادة الودائع بشكل عادل، قبل المس بالاحتياطات الإلزامية التي ترتبط بشكل مباشر بالمحافظة على سلامة النقد والاستقرار الاقتصادي.