تخصيص المودعين بإيرادات ضريبية

في 12 آب الجاري أصدرت الحكومة مرسوماً يقضي بإحالة مشروع قانون إلى مجلس النواب يرمي إلى «تخصيص بعض الإيرادات الضريبية لتمويل صندوق استرجاع الودائع». قد يشكّل هذا المشروع سابقة تشريعية، إذ يطلب «تخصيص ضريبة» لنفقة محدّدة، ضارباً «مبدأ الشيوع والشمول» الذي يوصي بعدم التخصيص في استعمال الواردات، ويلجأ إلى فرض الضريبة بمفعول رجعي.المسألة كلّها تدور حول توزيع خسائر القطاع المالي التي ترفض المصارف تحمّلها، فيما تعمل أكثر من جهة رسمية على تحميل الدولة القسم الأكبر منها عبر إنشاء صندوق استرجاع الودائع الذي سيتم تضمينه أصولاً عائدة إلى الدولة من مؤسسات وصناديق وتخصيص الإيرادات الناتجة من إدارة هذه الأصول لتسديد جزء من الخسائر. لذا، يتضمن المشروع المكوّن من مادة واحدة و5 فقرات، مسألتين أساسيتين:

– الطلب من الإدارة الضريبية مراجعة وتدقيق تصاريح المكلّفين، من أشخاص طبيعيين ومعنويين (شركات)، المقترضين لدى المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان، الذين أعادوا تسديد موجباتهم وديونهم بسعر صرف وبقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية لدينهم وحققوا عبر فروقات سعر الصرف والتسديد أرباحاً…
– تخصيص الإيرادات التي سوف تحصّلها الدولة من الأرباح غير المصرّح عنها وغير المسدّدة لتمويل صندوق استرجاع الودائع المنوي إنشاؤه من السلطة التنفيذية في سياق اقتراح قانون إطار لإعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان أو أي صندوق آخر مخصّص لذات الغاية. عملياً، يحاول معدّو المشروع، فرض ضرائب على الأرباح التي تحققت من فروقات سعر الصرف التي سادت بعد عام 2019، لجهة تسديد القروض أو لجهة الأرباح الناتجة من عمليات «صيرفة». وقد استثنى المشروع كل القروض الاستهلاكية وقروض التجزئة للأفراد التي لا تزيد قيمتها عن 100 ألف دولار.

برأي المحامي كريم ضاهر، فإن الهدف من المشروع «إراحة المودعين، وزيادة الكتلة النقدية من السحوبات الشهرية». ويعدّه «تضامناً بين المكلّفين»، مؤكّداً «ترحيب حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بالفكرة». ويرى في إنشاء الصندوق واستحداث الضريبة وتخصيصها «تتبعاً للأموال الواردة، لا دفعاً لمبالغ تذهب إلى المجهول، من دون معرفة أين تم صرفها». ولكنه أشار إلى «أنّ هذه الحلول آنية، ومستعجلة قبل الوصول إلى الحل الشامل، وهي بعيدة عن العدالة والشفافية». لكنه لا يعتقد أن هذا المشروع يخرق مبدأ «المفعول الرجعي»، بل إن «المجلس الدستوري كرّس بصورة نهائية، غير قابلة للطعن، هذا المبدأ، بعد ردّه طعناً في موازنة عام 2024» حين فرض المجلس ضريبة على أرباح صيرفة وعلى المستفيدين من الدعم. كما أنّ «الفقرة الأولى من المادة 43 من قانون الإجراءات الضريبية، أتاحت للإدارة الضريبية تدارك حقوق الخزينة بالضريبة خلال 5 سنوات للمكلفين المعروفين، و6 سنوات لغير المسجلين لدى المالية».

لكن الوزير السابق زياد بارود لديه مقاربة مختلفة، مشيراً إلى أن ما يؤكد أن المشروع يتضمن «ضريبة بمفعول رجعي» ما يرد فيه: «في حال تبيّن ما يوجب تعديل التصريح الضريبي للشخص أو الشركة، فعلى الإدارة الضريبية في وزارة المالية إبلاغ المكلّف بالأمر، ومطالبته بتسديد ما عليه». ويرى أن «من قام بهذه الأعمال لم يعلم بإمكانية فرض ضريبة عليه» لذا يُحتمل أن يقول «لم أكن سأقدم على فعلتي لو عرفت بالضريبة».

ويشير بارود إلى الملاحظة الثانية المتعلقة بالمشروع، ولا سيما المادة الثالثة التي تخصص الإيرادات، أي إن الأموال المتوقع جبايتها من المشروع، ستوضع في «صندوق استرجاع الودائع DRF الذي ستنشئه السلطة التنفيذية»، إذ إن وضع الأموال في هذا الصندوق يعدّ «تخصيصاً» ويثير إشكالية دستورية كبرى، يقول بارود. «صندوق استرجاع الودائع DRF الذي يقترح المشروع أن تخصص الإيرادات لتمويله، إنما هو صندوق منوي إنشاء الله من السلطة التنفيذية على ما جاء في نص مشروع القانون»، بحسب بارود. بمعنى آخر، «الصندوق غير قائم قانوناً بتاريخ إعداد هذا المشروع، فكيف تخصّص إيرادات لصندوق مزمع إنشاؤه؟» وإنشاء الصندوق يحتاج على أيّ حال قانوناً يصدر عن مجلس النواب، ولا يمكن إنشاؤه من السلطة التنفيذية في سياق اقتراح قانون إطار لإعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان، كما ورد في البند ثالثاً من المشروع»، يقول بارود الذي علّق على الصياغة أيضاً، إذ رأى فيها «خلطاً ومزجاً وعدم دقة». ونصح بـ«الذهاب إلى إعادة الهيكلة، وما هكذا تعالج استعادة الودائع. النص أشبع درساً ولكن القرار السياسي غائب».

موجبات المشروع، برأي ضاهر، أن هناك «ضرورة لمحاسبة كلّ من استفاد من الألاعيب المحاسبية القائمة على الفروقات في أسعار الصرف لتسديد ديون بملايين الدولارات، وهم حققوا أرباحاً كبيرة مقابل خسارة المودعين لأموالهم، إنّما هذا لا يشمل الأشخاص الذين سددوا ديونهم من ودائعهم المحتجزة في المصارف، بل من اشترى الشيكات المصرفية لهذا الهدف».

أما لجهة الاعتراضات على المشروع، فتوقع ضاهر وجود معارضة من المستفيدين من الفوضى المالية التي سادت بعد عام 2019، ولا سيّما المصارف. ووصف المعارضين بـ«المذعورين من المشروع، واللوبي القادر على وضع الأشخاص على لوائح سوداء تمنعهم حتى من الظهور الإعلامي». ورفض ضاهر «تحميل الدولة كامل المسؤولية عن الانهيار»، والقول بـ«نظامية الأزمة لا يعفي المصارف من مسؤوليتها عن الإيداعات، وهناك علاقة تعاقدية بين المصرف، وبين المودع، ولا يمكن إبراء ذمة المصرفيين من كلّ الأموال»، مذكراً بالأموال المجمعة من الهندسات المالية والفوائد العالية. وطلب ضاهر في المقابل بـ«تنقية القطاع المصرفي، إذ لا إبراء ذمة للمصرفيين، وعليهم أن يكونوا مسؤولين عن أموالهم الخاصة».

زياد بارود: المفعول الرجعي غير جائز دستورياً

يقول زياد بارود إنّ «أثر المفعول الرجعي لا يجوز دستورياً في معرض الضرائب والرسوم، تماماً كما في حال الجرائم والعقوبات، ما لم تكن لمصلحة المدعى عليه». ورأى في «استناد مشروع القانون، في أسبابه الموجبة، إلى قانون الإجراءات الضريبية هي محاولة من واضعيه لتجنب المفعول الرجعي المباشر للقانون». كما أشار إلى «عدم استحداث المشروع لضريبة جديدة بالمعنى الدقيق، من جهة أخرى، بل اعتبر، وكأنه يفسر ويستفيض، أنّ ثمة أرباحاً حققها عدد من المقترضين بحكم الفارق في سعر الصرف، وبالتالي، فإنّ هذه الأرباح تخضع لضريبة الدخل». لكن، «المسألة ليست بهذا الوضوح»، يضيف بارود. «رغم أنّ البعض جنى أرباحاً، فبات مليئاً جداً بعدما كان مقترضاً وربما متعثراً، إلا أنّ غياب القوانين الناظمة في بدايات الأزمة كالكابيتال كونترول وعدم تدخل المشترع لحسم مسألة الإيداعات الفعلية التي تمت لدى الكاتب بالعدل على سعر الصرف القديم، 1507 ليرات لكل دولار، أو بموجب شيكات، كما وفوضى التسديد لدى المصارف، كل ذلك يطرح سؤالاً مشروعاً حول المسؤولية، وضمن أيّ حد يمكن الرجوع إلى الوراء، ولو بقانون، وتحميل المقترض نتائج غياب الإطار الناظم يوم سدّد دينه، ومن يحسم ويميز بين حسن النية وسيئها، وخصوصاً في ظل تعميم مصرف لبنان الرقم 168 وما أجازه». إذاً، «لماذا وُضع مشروع القانون ما دام قانون الإجراءات الضريبية يسمح بالإجراءات المنوي اتخاذها بحسب الأسباب الموجبة والمهلة لا تزال تسمح بذلك؟»، يسأل بارود. «هل لأنّ ثمة تفسير معاكس؟ لماذا لا تذهب الإدارة الضريبية إلى تطبيق القوانين النافذة بما يشمل التجار والمستفيدين من منصة صيرفة؟».

أزمة اقتصادية أم كارثة طبيعية؟

يدافع معدو مشروع القانون عن إشكالية «تخصيص الضريبة» في الأسباب الموجبة للمشروع بالتذكير بما جرى بعد زلزال عام 1956 في لبنان. حينها، خصصت الحكومة ما عرف بـ«رسم التعمير» لإعادة إعمار المدن والقرى المنكوبة. وبحسب نص المشروع، «استمر فرض هذه الضريبة عدة سنوات». وفي الوقت الحالي، وفي مفارقة غريبة، ربطت الحكومة بين الانهيار المالي والنقدي، وما رافقه من تذويب للودائع المصرفية، وبين فاجعة إنسانية مماثلة لزلزال عام 1956، وكأنّ الودائع تبخرت بسبب كارثة طبيعية كزلزال أو بركان، لا يمكن مساءلة أحد عن أسبابها. في حين، أنّ المصارف مسؤولة مباشرةً عن استثماراتها، والتشبيه المعتمد من الحكومة هنا إنّما هدفه التعمية على دور المصارف المحوري في السياسة المالية والنقدية من تثبيت سعر الصرف، وتشجيع الاستهلاك، وضرب الإنتاج المحلي، ما أدّى إلى تراكم أسباب الانهيار. ولكن، حيّدت الحكومة من جهتها المصارف، ورأت أنّه «من المجدي والمفيد والضروري تخصيص ضرائب استثنائية للتعويض على المودعين المحجوزة ودائعهم»، بحسب ما جاء في نص المشروع.