تداعيات تغيّر المناخ: خسائر عالمية بمئات مليارات الدولارات

لم يعد تأثير التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض مقتصرة على المشاهد التي تظهرها الفيضانات وحرائق الغابات والانهيارات في هذه الدولة وتلك. ففي أحدث الدراسات الاقتصادية لكلية لندن للاقتصاد وجامعتي نيويورك ودالاوير الأميركيتين، خرجت تحذيرات من أن التغيّر المناخي سيلقي بتبعات سلبية على الاقتصاد العالمي. ولعلها المرة الأولى التي يذهب فيها باحثون في الاقتصاد لتقديم نظرة غير مبشّرة إذا استمر التغيّر المناخي دون تدخل البشر لإيقاف تسارعه.

وفي السنوات الأخيرة بات العالم يشهد حقائق على الأرض، ليس الفيضانات وحدها ما يشير إلى أن الأمطار الغزيرة التي أغرقت قرى وبلدات ألمانية، بخسائر إعادة بناء تصل إلى نحو 30 مليار يورو بحسب تقديرات مختصين ألمان، بل مجمل الاقتصاد العالمي يتأثر بانحسار الرقعة الجليدية في القطب المتجمد الشمالي وارتفاع منسوب المياه وارتفاع درجات الحرارة وزيادة انبعاثات الغازات، بما فيها الميثان وثاني أوكسيد الكربون.

وتلك الانبعاثات سببت رفع درجة مياه المحيطات ونفوق الحيوانات البحرية أكثر في المنطقتين القطبيتين خلال الأعوام القليلة الماضية. وتؤدي الانهيارات الجليدية القطبية وبشكل غير مسبوق إلى رفع منسوب المياه إلى نحو أربعة أمتار، وتتأثر جزيرة غرينلاند الجليدية في أقصى الشمال الأطلسي بتلك الزيادة في درجات الحرارة، حيث يحذّر الخبراء من ارتفاع منسوب المياه إلى 7 أمتار، وهو ما سيؤثر أيضاً على الدول الإسكندنافية.

الربط بين تلك المتغيرات، وغيرها من حرائق حول العالم، بما فيها تلك التي تضرب غابات الأمازون وتجريد الأرض من الأشجار بشكل متزايد، والتأثيرات الاقتصادية لم تعد مجرد تخمينات للضغط على أصحاب القرار حول العالم للتدخل السريع من أجل وقف التدهور الحاصل بفضل تشكل الاحتباس الحراري وأضرار التغيرات المناخية على حياة البشر والحيوانات فوق الكوكب.

وبحسب دراسة علمية شارك فيها باحثون اقتصاديون في كلية لندن للاقتصاد وجامعتي نيويورك ودالاوير والمستندة إلى نظرية “نقاط التحول في النظام المناخي”، فإن التغيرات المناخية باتت تؤثر بمجموع الاقتصاد العالمي. واستند الباحثون الاقتصاديون إلى فرضيات أنّ الأرض في سيبيريا وكندا وأميركا وغرينلاند تتحول إلى ارتفاع في درجات الحرارة، بحيث يؤدي في بعض مراحله إلى جفاف وإلى تأثير متتالٍ ينتج ظاهرة الدفيئة وارتفاعاً في الحرارة يؤدي إلى احتراق أجزاء هائلة من رئة العالم في الأمازون، بحيث لا يمكن إعادتها إلى وضعها السابق.

وذهب الاقتصاديون إلى احتساب مخاطر لثمانية متغيرات تتعلق بالأساس بالتكاليف الاقتصادية لها، وفي المجموع الكلي لتكاليف المخاطر المتوالية (بتأثير الدومينو)، فإن الاقتصاد العالمي سيتكلف نحو 25% من التكلفة التي يسببها الإنسان. وفي التقديرات التي وصفها الباحثون بـ”المتحفظة للغاية”، يتوقعون أن يزداد الأمر سوءاً عدة مرات، باعتبار أن هناك خطراً بنسبة 10% في أن تتضاعف النفقات العالمية عن نسبة الـ25%.

وكان الخبير الاقتصادي، البروفسور في كلية لندن للاقتصاد، سيمون دايتز، قد أشار في ندوة بمناسبة صدور تقرير الأمم المتحدة للمناخ أخيراً، إلى مخاطر وصول التحول المناخي إلى نقطة اللاعودة ومن “عدم النظر إلى التكلفة الاقتصادية الشاملة للعالم (وليس فقط الوطنية) للمتغيرات تلك”. واعتبر الخبير في تأثير المناخ بالاقتصاد، دايتز، أن ما تقدمه الدراسة الحديثة عن التكاليف الاقتصادية “أمر غير مسبوق في المراجع الاقتصادية العالمية”.

الدراسة تشير إلى أن كل طن من غازات ثاني أوكسيد الكربون يكلف الاقتصاد الدولي نحو 65 دولاراً. وقدرت الشركة “السويسرية للتأمين” أنه فقط في النصف الأول للعام الحالي 2021، كان على شركات التأمين دفع ما يقرب من 40 مليار يورو كتعويض في أوروبا، عن خسائر الحالات المتطرفة للجو، كالأعاصير والفيضانات والحرائق.

واعتبرت الشركة المتخصصة بالتأمين حول العالم أن هذا الرقم ثاني أعلى رقم في التاريخ. وشهدت الولايات المتحدة الأميركية إطلاق 95 مليار دولار لمواجهة موجة البرودة الشديدة في فبراير/شباط الماضي، ثم تلتها عشرات مليارات الدولارات كتعويض وتكلفة أخرى بسبب الفيضانات في ألمانيا والصين وحرائق الغابات في أميركا وكندا ودول أخرى عانت الظاهرة أخيراً.

وأُطلِق 95 مليار دولار بسبب موجة البرودة الشديدة في فبراير/ شباط الماضي في الولايات المتحدة، ومن بينها تكساس التي لم تشهد ما شهدته من عواصف ثلجية مكلفة للمواطنين وللبنى التحتية في الولاية الجافة في العادة. وكانت النفقات الكبيرة الأخرى بسبب الفيضانات في ألمانيا والصين وكذلك الجفاف وحرائق الغابات في كندا والولايات المتحدة.

مصدرالعربي الجديد
المادة السابقةنمو منطقة اليورو على مسار قوي
المقالة القادمةأزمة الوقود تقتل اللبنانيين: لا استشفاء ولا طعام