“منذ العام 2019 لم استسلم أمام أي من التعاميم المُجحفة بحقي كمودعة، فكيف بي أن استسلم اليوم، وربما شارفت الأزمة على نهايتها؟” هذا السؤال طرحته مودعة في أحد المصارف اللبنانية، “علِقت” وديعتها عام 2019 في بنك البحر المتوسط Bank Med وبدأت معها رحلة البحث عن أمل باستردادها كاملة. وكما الكثير من المودعين تتعرّض وديعة م. غ. إلى عملية “تذويب” متعمّدة وبشكل غير مُعلن.
ينطوي سؤال م. غ. وهي موظفة سابقة في إحدى الشركات العاملة بمجال البث والساتلايت، على الكثير من الآمال باسترجاع وديعتها البالغة قيمتها مع بداية الأزمة المالية عام 2019 نحو 25 ألف دولار، وهي مجموع ما أدخرته من عملها وما حصّلته لاحقاً كتعويض لصرفها تعسّفاً من الشركة إلى جانب العشرات من الموظفين.
لا تعاميم
ترفض م. غ. الاستفادة من التعميم رقم 151 الذي يتيح للمودعين سحب “المبلغ المسموح لهم بسحبه شهرياً من المصرف فقط بالليرة اللبنانية حسب سعر السوق المحدد من قبل مصرف لبنان”، والسبب أن في هذا التعميم إجحاف كبير، باعتبار أن سعر الصرف المحدّد للسحب من الوديعة هو 15000 ليرة، في حين أن السعر الحقيقي للدولار يفوق 93000 ليرة. وتسأل م. غ. كيف لي أن أسحب من أموال حصّلتها بتعبي وسنوات عملي 100 دولار مقابل مليون و500 ألف ليرة فقط من قيمتها الحقيقية؟ مشدّدة على رفضها تحويل وديعتها إلى فُتات لشراء بعض المواد الإستهلاكية اليومية “فالمئة دولار حسب دولار المصرف لن تشتري لي أكثر من عبوة مواد تنظيف”، تقول م. غ.
أما التعميم 158 الذي يتيح للمودع سحب 800 دولار شهرياً منها 400 دولار نقداً و400 بالليرة وفق سعر 15 الف ليرة للدولار، نصفها نقداً ونصفها الآخر عبر بطاقة مصرفية للشراء من نقاط البيع، فترفض م. غ. الاستفادة منه، انطلاقاً من إصرارها على أن “الـ25 ألف دولار التي أودعتها في Bank Med لم تأت بسهولة ولا ناتجة عن فوائد أو أعمال غير مشروعة. بل هي جنى عمري وتعبي ولن أسمح بسداد جزء منها وفق سعر صرف 15 الف ليرة في حين يقارب سعر الدولار الحقيقي في السوق الـ100 الف ليرة”.
اقتطاع 20 في المئة
موقف م. غ. وإصرارها على الحفاظ على وديعتها لم يحم أموالها من تطاول المصرف. فقد عمد الأخير إلى الاقتطاع من وديعتها على مدار السنوات الأربع الماضية عمولات ورسوماً مخالفة وغير مُستحقة كما باقي المصارف، مع فارق أساسي أن المصرف المذكور Bank Med كان يقتطع نحو 25 دولاراً من وديعة م. غ. تحت ذريعة عدم تحريك حسابها، وذلك من دون علمها، في حين كانت المودعة تعتقد أن الحسومات الشهرية قد لا تتجاوز الدولارين كما كان الوضع سابقاً. استمرت عملية الاقتطاعات تلك من دون إبلاغ المودعة إلى حين علمها بالصدفة من إحدى العاملات في المصرف خارج نطاق عملها.
راجعت م. غ. المصرف ليتبيّن أن قيمة وديعتها تقلّصت من 25 ألف دولار إلى 20 ألفاً، ما يعني أن المصرف اقتطع منها بشكل تراكمي ما يوازي 20 في المئة من قيمتها على الرغم من عدم استفادة العميلة من أي تعميم.
وبطبيعة الحال التي وصلته المصارف من وقاحة وابتزاز علني للمودعين، جاء الجواب على مطالبة المودعة م. غ. بتوضيح سبب تقلّص وديعتها من 25 إلى 20 ألفاً بأن الاقتطاعات ستستمر ما لم يتحرّك الحساب ويتحوّل من حساب توفير إلى حساب جارٍ وهو ما أرغمت العميلة على فعله.
ممارسات بنك البحر المتوسط وتعمّده الاقتطاع من الحسابات من دون علم أصحابها ليست بالممارسات الغريبة على باقي المصارف، ومنها سوسيتيه جنرال SGBL الذي عمد إلى اقتطاع نحو 200 دولار من حسابات التوفير بصرف النظر عن حجم الحساب.
ومن الحالات، عنصر في السلك العسكري تعرّض لتذويب شبه تام لوديعته البالغة قيمتها قرابة 5000 دولار. فالمصرف قام باقتطاع 200 دولار من حسابه على مدار أشهر سبقها اقتطاعات أخرى كرسوم وعمولات انتهت بتذويب ما يفوق 50 في المئة من قيمة الوديعة التي كان يأمل صاحبها أن يسحبها بعد انفراج الأزمة.
بعد قرابة أربع سنوات على وقوع الأزمة المالية والمصرفية في لبنان، لم تقم السلطات الرسمية بأي إجراء لحماية المودعين. لا بل يستمر الخلاف منذ سنوات حول تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر وفرز المودعين بحسب أولويات الحماية. أما النتيجة، فمزيد من المماطلة والمراوحة على حساب صغار المودعين فقط دون سواهم. يتحمّل صغار المودعين وحدهم دون سواهم اليوم الخسارة الأكبر، وليست الخسارة بالأرقام إن 5000 دولار أو 10 آلاف أو 50 ألف دولار.. إنما بقيمة تلك المبالغ كمدخرات تقاعدية وجنى عمر أصحابها.