تراجع احتياطات الذهب اللبنانيّة: 1.8 مليار في 15 يوماً

نشر مصرف لبنان هذا الأسبوع بيان الوضع المالي الخاص به، للفترة المنتهية في أواخر الشهر الماضي. وكما هي العادة، تأثّرت بنود الموجودات بالتغيّرات التي طرأت على أسعار الذهب العالميّة، والتي أدّت إلى هبوط كبير في قيمة احتياطات المصرف من الذهب. في المقابل، ومن جهة الالتزامات، استمرّ بند ودائع القطاع العام لدى المصرف المركزي بتسجيل زيادات كبيرة، ما عكس حجم الفوائض المُحقّقة في الميزانيّة العامّة للدولة، والمتراكمة في حسابات الحكومة لدى مصرف لبنان. أمّا السيولة المتداولة بالليرة في السوق، فلم تشهد تغييراً يُذكر، في ظلّ سياسة ضبط الكتلة النقديّة المتبّعة من قبل المصرف المركزي حالياً.

التغيّر في احتياطات الذهب

خلال شهر تشرين الأوّل، هبطت قيمة احتياطات الذهب لدى مصرف لبنان من قرابة 38.74 مليار دولار أميركي في منتصف الشهر، إلى مستوى يلامس 36.94 مليار دولار أميركي أواخر الشهر، ما يدل على انخفاض بنحو 1.8 مليار دولار أميركي. أي بمعنى آخر، وخلال فترة نصف شهر فقط، سجّلت احتياطات الذهب انخفاضاً بنسبة 5% من قيمتها، نتيجة إعادة تقييم هذه الاحتياطات بحسب أسعار السوق الرائجة.

ومن المعلوم أن أسعار الذهب العالميّة سجّلت خلال الفترة انخفاضات متتالية، وإن بمستويات محدودة في كل مرّة، جرّاء انخفاض التوتّر الصيني الأميركي، بعد الاتفاق الأخير بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني تشي جين بينغ. وهذا ما أشار إلى تراجع مستويات المخاطر، الناتجة عن الاضطرابات الجيوسياسيّة، والتي أسهمت سابقاً في زيادة جاذبيّة الذهب كملاذ آمن. وتشير تحليلات المؤسّسات الماليّة العالميّة إلى أنّ هبوط الأسعار يرتبط أيضاً بتصحيح جزئي للأسعار، بعدما بدأ جزء من المستثمرين بالبيع لجني الأرباح، أو بتقييم مستويات الأسعار الحاليّة المرتفعة.

في جميع الحالات، من المهم الإشارة إلى أنّ قيمة احتياطات الذهب اللبنانيّة الحاليّة لا تزال مرتفعة، قياساً بقيمتها قبل موجة الارتفاعات السابقة خلال الأشهر الماضية. فالقيمة الحاليّة للاحتياطات، لا تزال أعلى بحدود 5.47 مليار دولار أميركي، مقارنة بقيمتها في بداية شهر أيلول، والتي لم تتجاوز 31.47 مليار دولار أميركي.

ولهذا السبب، من المهم الإشارة إلى أنّ التراجع الأخير في أسعار الذهب، خلال النصف الثاني من تشرين الأوّل، لم يؤدّ إلى محو المكاسب التي حققها مصرف لبنان من ارتفاعات الأسعار السابقة التي حصلت خلال شهر أيلول. كما يُشار إلى أنّ كبرى المؤسّسات الماليّة لا تزال تتوقّع منحنىً تصاعدياً لأسعار الذهب، حتّى منتصف العام المقبل على أقل تقدير، في ظل المخاوف المتعلّقة باستقلاليّة الاحتياطي الفيدرالي، واحتمالات اتخاذ المزيد من قرارات خفض الفوائد خلال الربع الأخير من السنة الحاليّة، ثم خلال النصف الأوّل من عام 2026.

وفي خلال الفترة السابقة، كانت النقاشات المرتبطة بقانون الفجوة الماليّة قد تطرّقت لاحتمالات استعمال جزء من احتياطات الذهب، بما في ذلك إمكانيّة بيع جزء منه. غير أنّ ارتفاعات الأسعار التي حصلت خلال شهر أيلول، والتوقّع باستمرار هذه الارتفاعات مستقبلاً، أفضت إلى إقصاء احتمال البيع في الوقت الراهن. أمّا احتمال استثمار جزء من هذه الاحتياطات، عبر تأجيرها أو إيداعها لدى مؤسّسات أجنبيّة، فظلّ قائماً بتشجيع من حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، وإن انخفضت حظوظه بفعل حذر سائر الأطراف من هذه الفكرة.

من جهة الموجودات أيضاً، سجّلت ميزانيّة مصرف لبنان ارتفاعاً بقيمة احتياطات العملات الأجنبيّة، من 11.78 مليار دولار أميركي في منتصف شهر تشرين الأوّل، إلى 11.87 مليار دولار أميركي في نهاية الشهر، ما أشار إلى استمرار قدرة المصرف على امتصاص الدولارات من السوق.

تراكم أموال الدولة

من جهة المطلوبات، ارتفعت ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان إلى مستويات غير مسبوقة: من 8.19 مليار دولار أميركي في منتصف الشهر، إلى أكثر من 8.47 مليار دولار أميركي في نهايته، ما عكس زيادة بقيمة 282.57 مليون دولار أميركي خلال هذه الفترة. وبهذا، يمكن القول أنّ وزارة الماليّة ومصرف لبنان يواظبان على اتباع السياسة التقشفية الحادّة، التي تضع مستويات الإنفاق عند حدود منخفضة، مقارنة بحجم الإيرادات العامّة التي يجري تحصيلها.

وهذه السياسة تخدم مصرف لبنان من خلال تمكينه من امتصاص السيولة المتداولة بالليرة من السوق، للتمكن من شراء كمية موازية من العملة الصعبة وزيادة الاحتياطات، من دون الاضطرار لخلق المزيد من النقد بالليرة. ولهذا السبب، وفي مقابل الزيادة التي أشرنا إليها في احتياطات العملات الأجنبيّة، ظلّ حجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة مستقراً عند مستوى 814.34 ألف مليار ليرة لبنانيّة. أي أنّ مصرف لبنان اشترى الدولارات لزيادة احتياطاته، من دون ضخ أي كميات جديدة من النقد بالعملة المحليّة في السوق.

أخيراً، تقتضي الإشارة إلى أنّ الميزانيّة لا تزال مُثقلة بالتزامات ضخمة يقارب حجمها 83.9 مليار دولار أميركي، لمصلحة القطاع المالي، ومنها تلك المستحقة لحساب المصارف اللبنانيّة. هذا الرقم، لا يزال يشكّل مركز زلزال الأزمة الماليّة، التي يفترض أن يتعامل معها قانون الفجوة الماليّة. ومن دون استعادة التوازن بين المطلوبات والموجودات، لن يتمكّن المصرف المركزي من العودة للممارسة مهامه التقليديّة، ومنها تلك المرتبطة بالسياسات النقديّة والمصرفيّة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقة«معرض التحول الصناعي» يعبر القارات نحو السعودية
المقالة القادمةالغلاء يقلص السلّة الغذائية للعائلات في لبنان