حث وزير المالية التركي محمد شيمشك البنوك التجارية على إعطاء الأولوية للنمو في قروض الشركات، مشددا على الحاجة إلى خفض الإنفاق الاستهلاكي لإعادة التوازن إلى أكبر اقتصاد غير نفطي في الشرق الأوسط.
وقال في كلمة ألقاها الخميس خلال اجتماع الجمعية العامة لاتحاد المصارف التركية إن “من الأهمية بمكان دعم الصادرات وإن عصر المقرضين الخاصين الذين يركزون فقط على القروض الاستهلاكية يجب أن يكون شيئا من الماضي”. وأضاف “نود في الفترة المقبلة أن تواصل البنوك نموها بشكل أكثر انتقائية بتقليص عجز ميزان المعاملات الجارية وخفض التضخم”.
وتتفاقم الضغوط التضخمية مجددا مدفوعة بانخفاض الليرة وزيادة الضرائب، في الوقت الذي يقوم فيه الفريق الاقتصادي الجديد، الذي يضم شيمشك، بتنسيق تحول جذري في السياسة النقدية يشمل رفع الفائدة الذي يُتوقع أن يبطئ الطلب المحلي.
وتبدو خطوة كهذه متوقعة لدى طيف واسع من المراقبين والأوساط الاقتصادية منذ أن غير الرئيس رجب طيب أردوغان طاقمه في الحكومة والبنك المركزي عقب فوزه بالانتخابات في مايو الماضي.
وسبق أن أشار العديد من المحللين إلى أنه يتم تشجيع البنوك المحلية البالغ عددها 47 وفق اتحاد البنوك التركية، من خلال البعض من قيود الميزانية العامة الإضافية لتقريب معدلات قروضها من معدلات الودائع.
وأكد هاكان كارا، كبير الاقتصاديين السابق في البنك المركزي، قبل فترة أن تعزيز الاقتصاد من خلال الائتمان هو السياسة التي طالما فضلتها حكومات أردوغان المتعاقبة.
وفي أواخر عام 2016، أطلقت الحكومة صندوق ضمان الائتمان، الذي يُمكن للشركات من خلاله الوصول إلى الاقتراض المدعوم من الحكومة.
وأدى هذا النهج في النهاية إلى نتائج عكسية، حيث تسبب الائتمان الجديد في “ارتفاع درجة حرارة” الاقتصاد التركي وساهم في انهيار الليرة في أغسطس 2018.
ويتعهد شيمشك، وهو إستراتيجي سابق في ميريل لينش، بالعودة إلى السياسة النقدية التقليدية بعد سنوات من سياسات مثيرة للجدل مهما كان الثمن، والتي أقرها أردوغان في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية.
وفي الوقت الذي تتوقع فيه أنقرة تحقيق نمو اقتصادي خلال هذا العام بنحو 4.5 في المئة رغم الظروف العالمية الصعبة، أكد شيمشك مجددا أن التشديد النقدي سيستمر “لكنه يحتاج إلى دعم بتغيير في تكوين القروض الجديدة في القطاع المصرفي”.
وبلغ النمو السنوي في الائتمان الممنوح للشركات أقل بكثير من 20 في المئة في أول سبعة أشهر من هذا العام، أي نصف وتيرة التوسع في القروض الاستهلاكية خلال الفترة ذاتها قبل عام، وفقا لأحدث البيانات الرسمية للبنك المركزي.
وفي يوليو الماضي أظهرت بيانات صادرة عن هيئة التنظيم والرقابة المصرفية أن حجم القروض الاستهلاكية ونفقات بطاقات الائتمان قفز بنسبة 82.5 في المئة خلال الفترة بين يونيو 2022 ويونيو الماضي ليصل إلى 2.87 ترليون ليرة (77.6 مليار دولار).
وتعتمد تركيا كغيرها من دول العالم بشكل متزايد على بطاقات الائتمان وتشجع المستهلكين على استخدامها في شراء المواد الأساسية وسداد الفواتير والخدمات في سياق دعم رقمنة الاقتصاد، لكن التضخم المرتفع بأسرع وتيرة في 24 عاما، بات يلتهم ميزانيات الأسر.
وبحسب اتحاد المستهلكين، فإن السوق المحلية تضم نحو 90 مليون بطاقة ائتمان متداولة، وهو ما يعني أن 20 مليون شخص تقريبا من تعداد سكان يتجاوز 80 مليون نسمة، قد يسددون مدفوعات جزئية فقط.
وكانت الحكومة قد زادت صيف العام الماضي الضريبة على القروض الاستهلاكية ضمن إجراءات السلطات لحماية الليرة المتداعية، وسط تصاعد معدلات التضخم.
وارتفع معدل ما يُسمّى بـ”ضريبة المعاملات المصرفية والتأمين على القروض الاستهلاكية” إلى عشرة في المئة من 5 في المئة.
وجاءت تلك الخطوة في أعقاب سلسلة من الخطوات التي تم الإعلان عنها لدعم الليرة وسط ارتفاع الأسعار، حيث تصدّرت قائمة أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداء منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
والثلاثاء الماضي حلقت أسهم البنوك التركية عند أعلى مستوياتها على الإطلاق بعدما عدلت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها للقطاع المصرفي بالبلاد إلى مستقرة بدلا من سلبية.
وعوّض مؤشر القطاع المصرفي ببورصة إسطنبول، الذي يتتبع أسهم البنوك المدرجة، جميع خسائره وارتفع بنسبة 4.1 في المئة إلى أعلى مستوى إغلاق على الإطلاق.
وقال خبراء الوكالة في مذكرة نشرتها موديز على منصتها الإلكترونية إن التحول في السياسات النقدية التركية بعد الانتخابات الرئاسية في مايو كان “إيجابيا” ودعم ظروف عمل البنوك.
وكتب محللو موديز في تقريرهم أن “التضخم المرتفع والليرة الضعيفة قد يبطئان النمو الاقتصادي المتوقع إلى 4.2 في المئة بنهاية هذا العام مقارنة مع حوالي 5.6 في المئة العام الماضي، ما يؤثر بدوره على جودة أصول البنوك”.
ويأتي تعزيز تقييم قطاع البنوك بعد أيام فقط على تلميح موديز، وهي واحدة من أكبر ثلاثة وكالات للتصنيف الائتماني في العالم والوحيدة التي اتخذت هذه الخطوة، إلى احتمال إعطاء الديون السيادية لتركيا درجة أفضل، مشيرة إلى تحسن الأوضاع المالية للبلاد.
ومنذ توليه المنصب بعد إعادة انتخاب أردوغان في مايو، أيد شيمشك ارتفاع أسعار الفائدة لإبطاء الطلب المحلي وكبح جماح التضخم الذي عاد وارتفع الشهر الماضي إلى 47.8 في المئة بعدما كان عند 38.2 في المئة بنهاية يونيو.
ورفعت محافظ البنك المركزي الجديدة حفيظة غاية إركان، التي تم تنصيبها بعد عودة شيمشك إلى منصبه، أسعار الفائدة القياسية بإجمالي 900 نقطة أساس لتصل إلى 17.5 في المئة.
وترى موديز أن “احتمال وجود تحديات” أمام جهود البنوك للتأقلم مع “التغيرات المتشابكة في السياسة النقدية الكلية” يمثل خطرا رئيسيا على القطاع المصرفي.
وعززت الوكالة توقعاتها في أغسطس العام الماضي حول تصنيفات البنوك التركية التي تركز على معاملات الأفراد إلى مستقرة بدلا من سلبية، تزامنا مع قرارها حينها بشأن الديون السيادية لتركيا.