المتاجر “واجهة” للصناعة، فمصدر البضاعة مؤشر الى حجم التصدير، والاستيراد. عينة أسواق في جبيل كسروان والمتن لا تبشر بالخير، فالذي استطاع “تموين” محله بالبضاعة الجديدة اتكل على الصين كتاجر الاحذية زاهر (سوق جونية) الذي يسأل بكل برودة ممزوجة بفقدان امل يلوح في عينيه: اين معامل لبنان لنشتري منها؟ قد لا تكون الاجابة متوفرة عند المتلقي فيردف مسرعاً متلقفاً ردة الفعل: “الانتقال من الصيف الى الشتاء يكلف 10 آلاف دولار”.
الاتكال على بضائع الخارج التي تكلف تذكرة السفر والاقامة بالنسبة الى بعض اصحاب المحال كلفتها اقل من شراء البضاعة اللبنانية او التصنيع، خصوصاً ان عدداً من اصحاب المحال التجارية لديهم مصانع رديفة مثل طوني (كسروان ) الذي يغطي نقص التصنيع لبنانياً بـ 60% بضاعة تركية من الملابس. التنافس بين البضاعة التركية واللبنانية على مصراعيه وفق منطق طوني اذ ان اللبنانية لم يعد لديها مقومات للنهوض بسبب الغلاء الفاحش الا انه بكل الاحوال يسعر بالدولار. هكذا يحسم المسألة منذ ما قبل موسم الميلاد مؤكداً أنه “لم يعد هناك مواسم اعياد. انتهت… ولا حسومات بسبب سعر الصرف” وبحسب مراقبته لحركة السوق اليومية فذوو الدخل المحدود الذين ما زالوا يتقاضون رواتبهم وفق سعر الصرف الرسمي، غير قادرين على شراء قطعة ملابس ملتمساً ذلك من الامتعاض، فلم يعد هناك قطعة بمئة الف ليرة اي ما يعادل 5 دولارات. يفرز طوني الزبائن فمالك الدولار يبحث عن الموضة اما ابن الليرة فينكب على المخزّن من البضائع.
مهمة التسعير التي تحولت لدى التجار الى مهمة مستحيلة تشكل في المتن مصدر بلبلة وشربل أنموذج عن ذلك فتبدأ من الرأسمال ونزول، ولا يمكن زيادة ارباح الا واحد بالمئة. هذه الاستمرارية التي تقض مضجع التجار الذين يمتهنون تلك المهنة لا يمكن انهاؤها بهذا الشكل على حد تعبيره لاجئاً في بعض الاحيان الى “الحسومات وحرق الاسعار” قائلاً “لا يمكنني ان اقول للزبونة ان سعر الفستان 5 ملايين ليرة فتهرب”. جانين زميلته في الشارع المتني، الذي يجذب رواداً من كل المناطق، تعرف سلفاً ان زبائنها “هشلوا” وما صنعته وتعرضه في صالتها كآخر جيل من تصميمها، هي التي بدأت هذه التجربة منذ عام 2009 كمبادرة ناشئة.
ينسحب الامر الى جبيل، فيشرح رئيس جمعية تجار جبيل فوزي صليبا ما يحصل في الاسواق عامة رابطاً اياها بسياسة الدولة ككل. وبحسب خبرته لاسعاف التجار لا بد من القروض ليتحرك السوق خصوصاً ان اموال التجار مجمدة في المصارف مما يمنعهم التجديد لذا تصح معادلة جود من الموجود اي التصريف. يفسر صليبا حركة البيع باقل من الكلفة بان التجار في السنوات الماضية ربحوا والنظر الى المسالة عمودياً هي عملية تعادل.
يعتمد صناعيو القطنيات جان ميشال مخباط (مصنعه الاساسي في يسوع الملك كسروان) الذي يمتلك سلسلة محال موزعة على كل المناطق معادلة التصنيع على مقياس مليوني مستهلك لبناني معتبراً ان اولويات ما تبقى من اللبنانيين لا تتضمنها الملابس. معمل مخباط يعد من المصانع الكبيرة القليلة التي تنتج بنفسها مستخدمة القطن وهذا العام الاتكال كان يصب على مخزون المواد الاولية وعندما تنتهي في ظل غياب الرؤية والسياسة الصناعية سيتأزم الوضع مما سينعكس تلقائياً على الاسعار في المتاجر المخصصة له.
غياب خطة طويلة الامد كسياسة اقتصادية صناعية ظهّر الازمة المتبلورة اليوم على حد اختصار رئيس تجمع صناعيي المتن شارل مولرـ فالفرح بالغاء الجمارك وتوقيع الاتفاقيات مع كل الدول كانت ايجابية على تلك الدول لا على لبنان لذا كان يجب التركيز على التصدير لادخال العملة الاجنبية بتمكين الصناعة اللبنانية من منافسة الخارج وتشجيع المستثمرين الاجانب لتوظيف اليد العاملة اللبنانية في ظل بطالة 60% من الشباب اللبناني. يقترح مولر فرض رسوم تكافؤية وسياسة جمركية جديدة يكون الهدف منها مكافحة الاغراق، اي دخول بضائع من كل الدول، وهي اقل من كلفة التصنيع في لبنان واعادة النظر بالاتفاقيات بشكل الحفاظ على مصلحة اللبنانيين، فتراعي المؤسسات الصغيرة اذ ان فقط من يصدر من لبنان يفعل بـ50% فقط من القدرة وهو المستمر في عمله فعلياً.