إن موضوع حلّ المصارف في لبنان و/أو وضع اليد عليها مسألة شائكة رعتها عدّة قوانين إثر أزمة بنك إنترا، منعاً لتكرار السيناريو المذكور.
نتيجة أزمة بنك إنترا سنة 1966 وتوقفه عن الدفع، صدر قانون يخضع المصارف العاملة في لبنان التي تتوقف عن الدفع لاحكام خاصة (القانون رقم 2 تاريخ 16/1/1967)، الذي حدّد 4 حالات للقول بالتوقف عن الدفع وهي:
– إعلان المصرف بنفسه توقفه عن الدفع
– عدم تسديد دين مترتب عليه لمصرف لبنان عند استحقاقه
– سحب شيك على مصرف لبنان من دون مؤونة كافية
– عدم تأمين مؤونة لتغطية رصيد مدين ناتج عن عمليات غرفة المقاصة.
تفسير مبسّط للآلية
في ما يلي تفسير مبسّط لآلية اعلان التوقف عن الدفع ووضع اليد على مصرف عامل في لبنان:
أعطت المادة 4 من القانون 2/1967 الحق لكل دائن لمصرف ان يطلب من المحكمة المختصة تطبيق احكام هذا القانون في الحالتين المنصوص عليهما في المادة 489 تجارة:
– إذا انقطع المصرف عن دفع ديونه التجارية
– إذا لم يدعم الثقة المالية به الا بوسائل يظهر بجلاء انها غير مشروعة.
إثر التقدم بدعوى او طلب اعلان التوقف عن الدفع، تنظر المحكمة المختصة في غرفة المذاكرة بالطلب وتصدر قراراً معجل التنفيذ بتوقف المصرف عن الدفع، وتحديد تاريخه المؤقت بعد اخذ رأي حاكم مصرف لبنان والاستماع الى ممثل المصرف المعني، كما يقضي القرار بتنحية اعضاء مجلس الادارة او الادارات المحلية اذا كان المصرف أجنبياً.
وتعين المحكمة لجنة من 6 الى 10 اعضاء ولا يجوز ان يكون الرئيس من وزارة المالية او مصرف لبنان، ولا يعيّن فيها عضو يكون مديناً للمصرف المتوقف عن الدفع أو عضو حالي أو سابق في مجلس ادارته، أو مدين أو عضو أو موظف في احدى الشركات التابعة له… كما يجب ألا يقل الاعضاء من الدائنين والمساهمين عن نصف مجموع اعضاء اللجنة.
مهام اللجنة وتدابيرها
تتولّى هذه اللجنة صلاحيات مجلس الادارة والجمعية العمومية العادية وتمثل جمعية الدائنين، وتتخذ جميع التدابير التي تؤمن مصالح اصحاب الحقوق. وقد اجازت المادة 10 من القانون المذكور لمصرف لبنان ان يسلّف المصرف المعني المبالغ اللازمة لصيانة الحقوق والتي تزيد عن الاموال الجاهزة لدى المصرف، وذلك لقاء ضمانات وتعاد له بالاولوية عن غيرها من الديون.
من المهم اعلام القارئ انه على الدائنين واصحاب الحقوق، باستثناء اصحاب الودائع، ان يعلنوا للجنة عن ديونهم وحقوقهم بتصاريح خطية ترفق بها المستندات الثبوتية خلال مهلة 3 اشهر من تاريخ اعلان قرار التوقف عن الدفع في الجريدة الرسمية، تحت طائلة سقوط الدين والحق ما لم يكن التأخر مسبّباً عن قوة قاهرة او عذر مشروع تقدّره المحكمة.
أما في ما يتعلّق باثبات الديون والودائع المتنازع عليها، فتطبق احكام الافلاس وفق قانون التجارة وتقوم لجنة الادارة بلا ابطاء بابلاغ اصحاب الديون المبالغ المقيدة لهم.
الوضع تحت التصفية
بمهلة ستة اشهر، واذا تبين للجنة ان المصرف لا يمكن ان يعاود نشاطه التجاري، فيوضع تحت التصفية بقرار من المحكمة بناء على طلب لجنة الادارة، ويحدد في متن القرار تاريخ التوقف النهائي عن الدفع. وتقوم بمهمة التصفية لجنة مؤلفة من رئيس و 5 اعضاء (ثلاثة عن الدائنين واحد عن المساهمين وخبير في الشؤون المصرفية والمالية واحد رجال القانون)، وذلك وفق نفس شروط لجنة الادارة.
للجنة التصفية مهلة 6 اشهر لتقديم تقريرها، في حال التأخر تقرر المحكمة التصفية ويمكن ان يتخذ قرار في مجلس الوزراء بتعيين لجنة مؤلفة من: حاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس شورى الدولة ومدير عام المالية ورجل قانون وخبير مالي يقترحه وزير المالية، تتابع خلال شهرين مهام اللجنة السابقة. ويحق لهذه اللجنة اجراء مساع لايجاد مشتر او عدة مشترين للمؤسسة المصرفية وفروعها.
الحجز الإحتياطي على الأموال
ماذا عن أموال رئيس مجلس ادارة المصرف وأعضاء مجلس الادارة؟
تعتبر الاموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للاشخاص الطبيعيين اعضاء مجلس ادارة المصرف المتوقف عن الدفع، ولسائر الاشخاص الذين لهم حق التوقيع فيه، ولمراقبي حساباته، واعضاء مجلس الادارة، والمفوضين بالتوقيع، ولمراقبي الحسابات الذين تولوا ادارة المصرف او مراقبة حساباته خلال 18 شهراً التي تسبق اعلان التوقف عن الدفع، محجوزة حجزاً إحتياطياً حكماً، وذلك لاجل ضمان المسؤوليات التي تترتب عليهم.
هذا الحجز يسقط حكماً بمهلة شهرين من تاريخ قرار المحكمة باعلان التوقف عن الدفع ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك… كما اجاز القانون 110/1991 في مادته السادسة ان يرفع الحجز بناء لطلب المحجوز عليهم بمواجهة المؤسسة الوطنية لضمان الودائع.
وعلى الاشخاص المستهدفين بالحجز ان يصرّحوا، خلال مهلة شهر من تاريخ قرار وضع المصرف قيد التصفية، بما كانوا يملكونه قبل التوقف عن الدفع بسنة.
منذ إيداع الطلب المحكمة المختصة لا يعود ممكناً لأي من الدائنين طلب اشهار افلاس المصرف المعني.
وتبقى جميع الاحكام التي تتعلق بمسؤولية اعضاء مجلس الادارة ومفوضي المراقبة، الجزائية والمدنية سارية المفعول.
حالة وضع اليد
هنالك حالة اخرى يصار الى شبه توقف المصرف عن العمل وهي تتمثل بحالة وضع اليد حيث انشأ القانون رقم 28/67 تاريخ 9/5/1967 لجنة للرقابة على المصارف مركزها مصرف لبنان غير خاضعة لسلطته، مهمتها التحقق من حسن تطبيق النظام المصرفي على المصارف العاملة في لبنان وتقوم بالتدقيق الدوري عليها.
كما انشأ القانون المذكور الهيئة المصرفية العليا يرأسها حاكم مصرف لبنان وهي تعاقب المصارف المخالفة للقانون وفق نص المادة 208 نقد وتسليف.
وأنشئت بنفس القانون المؤسسة اللبنانية لضمان الودائع لغاية 5.000.000 ل.ل والتي اصبحت اليوم مع التعديلات الاخيرة لغاية 75.000.000 ل.ل اي ما يعادل اليوم الـ2000 دولار أميركي.
وقد نصت المادة 18 من القانون 28/67 على انه في حال توقف مصرف عن الدفع، تدفع مؤسسة الضمان المبالغ المضمونة بموجب القانون الى اصحابها.
والمادة 19 منه أناطت بمصرف لبنان تحديد الحد الاقصى لمعدل الفائدة التي يجوز للمصارف منحها. واذا تقاضى احد المودعين فائدة تفوق الحد الاعلى المحدد من مصرف لبنان تعتبر وديعته غير مشمولة بالضمانة.
يمكن للهيئة المصرفية العليا ان تقرر وضع اليد على اي مصرف لا يمكنه متابعة عمله، وذلك طالما لم يصدر قرار قضائي بتوقف المصرف عن الدفع.
يصدر قرار الهيئة المصرفية العليا بوضع اليد، ويبلغ فوراً الى مجلس الوزراء الذي يجب عليه البت بالموضوع خلال 48 ساعة من تاريخ تسليم القرار الى امين عام مجلس الوزراء. ويصبح نافذاً حكماً منذ تصديقه او بعد انقضاء المهلة دون البت به ولا يقبل اي طريق من طرق المراجعة العادية او الاستثنائية القضائية او الادارية.
نتيجة قرار وضع اليد، ينتقل المصرف المعني الى مصرف التسليف الزراعي والصناعي والعقاري.
جردة تخمينية شاملة
توضع جردة تخمينية موَقتة شاملة للموجودات والحقوق والالتزامات على اساس قيمتها بتاريخ قرار وضع اليد من قبل لجنة تخمينية تعينها المحكمة المصرفية الخاصة، وتحدد لها مهمتها والمدة اللازمة لانجازها كما تحدد اتعابها (عضو معين من المحكمة المصرفية الخاصة رئيساً لها،عضو تقترحه مؤسسة ضمان الودائع، عضو يقترحه حاكم مصرف لبنان، عضو من بين دائني المصارف، وعضو من المساهمين) وتتخذ القرارات بأكثرية 3 اصوات.
الآلية المتبعة لدى لجنة التخمين
– على اصحاب الديون (باستثناء الودائع) ان يقدموا خلال شهر من تاريخ نشر قرار وضع اليد في الجريدة الرسمية وفي صحيفتين محليتين، تحت طائلة سقوط الحق، طلباً مرفقاً بالمستندات الثبوتية الى مؤسسة ضمان الودائع لتسجيل دينهم… ويعطى اصحاب المصلحة مهلة شهر من تاريخ نشر الجردة التخمينية لمراجعة اللجنة لاعادة النظر بها.
– على اللجنة ان تنهي مهمتها بمهلة 3 اشهر من تاريخ ابلاغها المهمة
– وتصبح الجردة التخمينية نهائية بصدور قرار عن المحكمة المصرفية الخاصة
وقد اجازت المادة 35 من القانون المذكور للنيابات العامة ولحاكم مصرف لبنان ولكل صاحب مصلحة، ان يلاحق امام المرجع القضائي المختص رئيس واعضاء ادارة المصرف وسائر الاشخاص الذين لهم حق التوقيع وذلك خلال 18 شهراً التي سبقت تاريخ وضع اليد.
وفرض المرسوم 7739/1967 في مادته 2 منع مغادرة الاراضي اللبنانية لجميع ممثلي المصرف السابقين والمفوضين بالتوقيع عنه والذين مارسوا مهامهم لـ18 شهراً، وذلك الى ان يتمّ وضع الجردة النهائية اذا لم تقدم بحقهم خلال هذه الفترة دعاوى جزائية.
وبموجب المرسوم المذكور تسلّم كافة دفاتر المحاسبة والنقد والسندات وغيرها من الاوراق المالية الى مصرف التسليف الزراعي… ويطلب هذا الاخير وضع حجز احتياطي على الاموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لرئيس واعضاء مجلس ادارة الشركة المغفلة التي كانت تملك المصرف والمفوضين بالتوقيع.
الآليتان خطيرتان… ولكن!
إن وضع اليد على مصرف او اعلان توقفه عن الدفع آليتان خطيرتان خاصة في ظلّ التدني الحاصل والمستمرّ لقيمة العملة الوطنية.
إن قرار اعلان توقف المصرف عن الدفع له اثر سلبي على سعر صرف الدولار ما يؤدي حتماً الى ارتفاعه ويؤدي الى اضمحلال قيمة الودائع مع مرور الوقت لحين ايفائها.
لتوضيح الموضوع نضرب مثل مودع له حساب يبلغ 100.000 د.أ، وعند اعلان توقف المصرف عن الدفع نعتبر على سبيل الجدل ان اللجنة ستعتمد سعر صيرفة على علاته القانونية (كونها ملزمة بتحديد الديون بالليرة اللبنانية) الذي يبلغ مثلا 25.000 ل.ل للدولار الواحد، فيكون رصيد دين المودع بتاريخ التوقف عن الدفع مبلغاً وقدره /2.500.000.000/ ل.ل.
الى حين انتهاء اللجنة من تحديد الديون، واعلان التصفية وإتمام التصفية الفعلية وتقرير الايفاء، يكون سعر الدولار الاميركي (وفق الوضع الراهن ومن دون خطة تعافٍ اقتصادية مالية) قد بلغ بأقل تقدير ثلاثة اضعاف سعر الصرف بتاريخ التوقف عن الدفع، ويكون المودع قد خسر ما لا يقلّ عن 75% من قيمة وديعته.
والمؤسف ان المصارف لا تزال ممتنعة من تسليم الودائع لاصحابها، الامر الذي يحتّم اتخاذ اجراءات بحقها كالمطالبة باعلان توقفها عن الدفع على الرغم من مساوئ مثل هذا الاجراء، لكن هذا الاجراء يجب ان يستكمل بدعاوى تطال اعضاء مجالس ادارة المصارف ورؤساء مجالس ادارتها لتحميلهم المسؤولية عن اخطائهم الادارية ومخالفتهم قوانين التجارة والنقد والتسليف وغيرها من القوانين المرعية الاجراء.