كلّما اقترب الإتفاق مع صندوق النقد الدولي من التبلور، إبتعد أكثر. تسريع «عجلة» إقرار وتنفيذ الشروط المسبقة، يقابله تعاضد «حزب» المصارف ومن يدور في فلكها، على وضع العصي في الدواليب. هذا ما حصل في المفاوضات السابقة، وما يحدث حالياً. من دون استبعاد أن يكون التعطيل أزلياً.
«قفزت» جمعية المصارف فوق الأصول وتخطّت حكومة تصريف الأعمال، متوجّهة بالمباشر بواسطة مدير عام شركة Decision Boundaries الإستشارية كارلوس عبادي، برسالة إلكترونية إلى رئيس بعثة لبنان لصندوق النقد الدولي إرنستو راميريز ريغو. الرسالة التي أرسلت نسخة عنها (carbon copy – cc) إلى كلّ من المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجيفا، ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور، لم تحد عن المسار الفوضوي التعطيلي الذي انتهجته المصارف منذ بدء الأزمة.
ظهور عبادي
المفارقة هذه المرة كانت بتعمّد جمعية المصارف إظهار كارلوس عبادي، بعد أن تستّرت على اسمه طيلة العامين الماضيين. فهذه الشخصية غير الموثوقة بين الكثير من الأوساط المصرفية اللبنانية وحتى العالمية، تخفّت في العام 2020 وراء شركة GSA التي تعاقدت معها جمعية المصارف كاستشاري بضغط من مصرف لبنان، لتمارس دوراً «أقل ما يقال فيه إنه تخريبي»، بحسب رئيس مجلس إدارة FFA Private Bank جان رياشي. «وتكليفه كمستشار معلن أو مخفي مسيء جداً لجمعية المصارف. فهو يعرقل من خلال الضغوط التي يمارسها على المصارف اتخاذ أيّ حلّ منطقي يفيد البلد ويخرجه من دوّامة التعطيل المغلقة. والأخطر أنه سمح لنفسه تقييم الأوساط اللبنانية، وتصنيفها والتهجّم على المجتمع المدني».
توريط المصارف
لغاية الأمس القريب ظل كارلوس عبادي يقدم استشاراته لجمعية المصارف ويتقاضى عمولته من بوابة GSA (Globel Sovereign Advisory) التي ترأسها آن لور كيشيل، التي تعاقدت مع «الجمعية» في العام 2020 بعقد قيمته مليون دولار في السنة. ولم يظهر اسم عبادي وشركته إلى العلن كممثل عن جمعية المصارف إلا في الرسالة الأخيرة الموجهة إلى الصندوق الدولي، حيث أشار إلى جمعية المصارف بصفتها موكّله، إذ قال: «كما أعربت خلال اجتماعنا السابق، فإن موكلي، (أي جمعية المصارف)، لديه تحفظات جدية للغاية على اتفاقية مستوى الخدمة الأخيرة…». وهو الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال عمّا يُخطط له في القادم من الأيام، وعن الأهداف المرسومة لتوريط المصارف وإفشال أي حل يطرح»، بحسب رياشي.
تكرير الطروحات
في المضمون تدور الرسالة حول الطرحين القديمين الجديدين أنفسهما وهما:
– إن اتفاق مستوى الخدمة (SLA) المعبر عنه في استراتيجية الحكومة هو حل محاسبي وليس اقتصادياً يتعارض مع القوانين والدستور، ونتائجه ستكون كارثية على الاقتصاد والمودعين وهو سيعدم فكرة النهوض بلبنان من جديد وتحقيق النمو.
– إن البدائل عن شطب الديون وإفلاس المصارف موجودة وهي: استعمال أصول الدولة (حتى 20 مليار دولار). من خلال إنشاء شركة لبنان للاستثمار «LIC» لإدارة أصول الدولة غير المستغلة بشكل احترافي، بما في ذلك الأراضي والمباني والتراخيص وحقوق الاستخدام. من دون بيع أو رهن. على أن تظل نسبة 100 في المئة من الأسهم العادية لشركة «LIC» ملكاً للحكومة، وسيتم نقل 100 في المئة من أسهمها المفضلة إلى مصرف لبنان بالرضى الكامل والنهائي عن:
– التزام الدعم المالي القانوني لحكومة لبنان.
– الالتزامات التعاقدية لحكومة لبنان بموجب القانون اللبناني.
وبالاضافة إلى التصرف بأصول الدولة تقترح الورقة التالي:
– استخدام احتياطيات الذهب لدى مصرف لبنان (حتى 15 مليار دولار).
– عكس معاملات العملات الأجنبية بعد تشرين الأول 2019 (حتى 10-15 مليار دولار)، أي إعادة تحويلها من الدولار إلى الليرة، ما يؤدي إلى إعفاء مصرف لبنان من 10 إلى 15 مليار دولار من الخصوم.
– تقييد مبلغ 30 مليار دولار إضافي من مطلوبات مصرف لبنان المركزي بسعر صرف السوق وتقسيطه على 10 سنوات، بطريقة تتفق مع مسار تخفيض التضخم من 120 في المئة إلى 15 في المئة في العام 2027.
– الاعتراف بأرباح Seigniorage حيث يقدّر أن مصرف لبنان قد حقق أرباحاً كبيرة في نطاق 1-2 مليار دولار سنوياً منذ عام 2020.
خطة الظل والتعطيل
اللافت في المضمون هو محاولة كارلوس عبادي «خطب ود» الحكومة من خلال تضمينه الحل بعض المقترحات الواردة في استراتيجية التعافي على غرار إعادة تحويل الودائع المحولة من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين الأول 2019 إلى الليرة. مع العلم أن هذا الطرح مرفوض جملة وتفصيلاً من صندوق النقد الدولي والمبالغ التي يحكى عنها غير حقيقية»، من وجهة نظر رياشي. فـ»الأمور معقدة أكثر بكثير».
بغضّ النظر عن التفاصيل التقنية الرتيبة والمكررة الواردة في الرسالة، فإن «مضمونها من حيث المبدأ غير لائق، ولا يجوز لجمعية المصارف أن تقبل بأن يرسل أحد ما، حتى لو كان استشارياً، رسالة باسمها إلى صندوق النقد»، يضيف رياشي. فـ»هذا التصرف غير مسموح. وهو لا يشذّ عن محاولات التعطيل التي تمارس منذ اندلاع الأزمة. وسيكون هناك رد تفصيلي على هذه الرسالة من قبل الجمعيات التي لا تعجب السيد عبادي».
على الرغم من تسارع الإنهيار المدفوع بانخفاض احتياطيات العملة الصعبة واستمرار ارتفاع سعر الصرف فإن «الحل ما زال بعيداً»، برأي رياشي. فبخلاف الآراء التي تعتبر أن لبنان دخل «دوامة» الانقسام العمودي بين فريق المصارف وفريق «استراتيجيّة النهوض بالقطاع المالي» (FSRS) للحكومة، المدعومة من صندوق النقد الدولي، يصف رياشي ما يجري بـ»خطة الظل التي تنفّذ بدقّة منذ البداية، مدعومة من مصرف لبنان والمصارف والسياسيين الذين يدورون في فلكهم. وهم مستمرّون في عرقلة كل الحلول حتى آخر دولار موجود في القطاع المصرفي، وباستعمال كل أشكال الهيركات التي تزيد من ضرب القدرة الشرائية وتساهم في تذويب الودائع».
في الوقت الذي يتطلب فيه تطبيق خطة الظل أعواماً طويلة تستمر المصارف بالعمل كزومبي بنك. ما يؤدي إلى تداعيات بالغة الخطورة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، ويعمّق الانهيار، ويترك البلد تحت رحمة الاقتصاد النقدي.