جاء تقرير وكالة فيتش حول تصنيف لبنان الائتماني ليؤكد المؤكد بأن اقتصاد البلد وماليته وعافيته في حال الانهيار المستمر منذ 4 سنوات. لم يحذّر التقرير من مخاطر جديدة بناء على مؤشرات وأرقام مالية إنما بنى مخاطره على ما تشيع السلطة السياسية وما يصرح به السياسيون، وإن من باب التهويل.
يأخذ تقرير وكالة التصنيف الإئتماني حول لبنان كلام السياسيين في لبنان على محمل الجد على غرار غالبية دول العالم، في حين أن كثر منهم تندرج مواقفهم وتصريحاتهم في خانة “اللامسؤولية”، يتقاذفون الاتهامات ويستخدمون ملفات حيوية في سبيل لَيّ الأذرع. وهذا ما قام به رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي تحديداً حين حذر منذ ايام من ان الدولة قد تعجز عن سداد رواتب موظفيها نهاية الشهر الجاري.
تحذير ميقاتي لا يتجاوز حدود المناكفات ومحاولة الضغط على مجلس النواب لتسريع عملية تشريع اقتراض الحكومة من مصرف لبنان تلبية لشروط نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري من جهة ولرمي كرة العجز عن سداد الرواتب في مرمى منصوري وتحميله المسؤولية من جهة اخرى.
حالة “التخلف عن الدفع” المقيدة
أكّدت وكالة فيتش في تقرير حديث لها، التصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملات الأجنبية للبنان عند حالة التخلف عن الدفع المقيدة. كما خفّضت التصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملة المحلية من CC إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة. كذلك خفّضت التصنيف الائتمائي قصير الأجل بالعملة المحلية من C إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة. ماذا يعني ذلك؟ وما المقصود بالتخلّف عن الدفع بالعملة المحلية؟
فيتش لم تدخل في مرحلة Conditional default أو ما يُعرف بالتخلف عن الدفع المقيد، فتصنيف الوكالة لا علاقة له بالعملة المحلية إنما دائما بالعملات الاجنبية وعليه فالوكالة أبقت على تصنيف لبنان في مرحلة selective default أو ما يعرف بالتعثر الانتقائي وذلك بناء على تعثره في سداد التزاماته بالعملات الأجنبية. على ما يقول الخبير المالي والنقدي الدكتور غسان شماس في حديث لـ”المدن”.
مهما كانت التصنيفات فنحن نتحدث عن مستويات ما دون الصفر. وبحسب شماس كان تصنيف لبنان في مرحلة selective default التعثر الانتقائي وليس تعثراً كليّا، فالتخلف عن الدفع الانتقائي وقع حين قررت الدولة اللبنانية التوقف عن الدفع مع بداية الأزمة، بمعنى ان الدولة تخلفت عن دفع اليوروبوندز بشكل انتقائي في حين ان اقتصادها بقي مستمراً وسدادها للرواتب والتزاماتها الداخلية تجاه موظفيها والمتعهدين والمستوردين وغير ذلك مستمرة. من هنا يميز شماس بين التعثر بالعملات الأجنبية والعملة المحلية ويذكر بأن وكالات التصنيف تحدد تصنيف البلد بناء على قدرته على الإلتزام بالعملات الاجنبية لذلك صنفت فيتش لبنان منذ سنوات عند مستوى selective default ولا يزال التصنيف عينه حتى اليوم أي انه لم يتغير بموجب التقرير الحديث.
التعثر بالليرة؟
أما المستجدات في التقرير الاخير فهو المخاوف من تعثر لبنان عن الوفاء بالتزاماته بالليرة اللبنانية وهو أمر غير وارد، يقول شماس، فالدول لا تفلس إنما الأفراد هم من يفلسون. وبحسب القانون تتعثر الدولة وتتخلف عن الدفع لكنها لا تفلس، بل تستمر بتسيير اعمالها ويستمر اقتصادها بالدوران، وهذا الامر هو ما يدفع بالمستثمرين الى الاستمرار بممارسة اعمالهم في البلد المتخلف عن الدفع كحالة لبنان تماماً في حين يمتنع المدينون عن إقراضه بسبب تخلفه عن الدفع.
وبالعودة إلى مخاوف وكالة التصنيف من تعثر لبنان عن الوفاء بالتزامته بالليرة فيعود إلى العلاقة المستجدة بين السلطة النقدية والسياسية خصوصاً بعد تصريح ميقاتي الاخير الذي قال فيه بأن الدولة قد تعجز عن سداد رواتب القطاع العام خلال شهر. وكان ميقاتي قد رفع سقف التحذير رداً على تهديدات منصوري ورفضه إقراض الدولة من مصرف لبنان من دون تغطية قانونية.
كلام ميقاتي استنفر وكالة التصنيف الائتماني فيتش، ورفع مستوى المخاوف لجهة عجز الدولة عن سداد الرواتب، وهذا كلام غير صحيح إذ ان الرواتب مقومة بالليرة اللبنانية وما قصده ميقاتي بأن الرواتب لا يمكن ان تسدد بالدولار عبر صيرفة علماً ان تكلفة فارق الرواتب باكملها لا يتجاوز 80 مليون دولار فقط، من هنا يُفهم بان موقف ميقاتي وإن كان لا يتجاوز التهويل إلا أنه استنفر وكالة التصنيف الدولية تجاه تصنيف لبنان.
حين أعلن مصرف لبنان رفضه إقراض الدولة على الاطلاق لم يُقصد بالأمر الإقراض بالليرة اللبنانية أنما بالعملات الأجنبية، فالإقراض بالليرة ليس موضوع بحث فعجز الموازنة تتم تغطيته بالليرة من مصرف لبنان والرواتب والاجور ومعظم الإلتزامات تتم تغطيتها بالليرة من مصرف لبنان من خلال طبع الليرات.
بالمحصلة وبحسب تقرير فيتش فإن تصنيف لبنان من حيث التزاماته بالعملات الاجنبية لم يتغير منذ سنوات فالوكالة تصنف قدرة الدول على تسديد التزاماتها بالعملة الاجنبية على المدى القصير والمتوسط والبعيد وهذه الآماد الثلاثة كان لبنان، ولا يزال، يبلغ فيها مرتبة selective default التخلف عن الدفع الإنتقائي من دون تغيير.
أما المخاوف بحسب التقرير من تخلف الدولة عن الوفاء بالتزاماتها بالليرة فلا أساس له بل يُقرأ من باب المستجدات بالعلاقة بين السلطتين النقدية والسياسية.