يرجح الخبراء أن تلعب تجهيزات السيارات المصنعة بتقنية الطباعة المجسمة دورا مهما في مستقبل تصميم المركبات بشكل عام وسيارات السباق بشكل خاص. ومن هنا فإن السباق في مضمار الطباعة ثلاثية الأبعاد الذي بدأ يظهر بوضوح في 2015، لا يزال طويلا لاسيما في ظل التغييرات التي تطرأ بين الحين والآخر على هذه الصناعة، كما أنه مجال ينطوي على ميزات وعيوب.
تقتحم تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد حاليا صناعة قطع غيار السيارات. وتتمتع هذه التكنولوجيا بالعديد من المزايا مثل إنتاج قطع الغيار البسيطة غير المتوفرة في الأسواق، إلا أنها لها حدود قصوى؛ حيث لا يجوز مثلا الاعتماد عليها في إنتاج قطع الغيار المتعلقة بالسلامة، فضلا عن أنها لا تخلو من العيوب مثل القيود المتعلقة بالحجم ووقت الطباعة وجودتها.
ويلهث عمالقة صناعة السيارات وراء توظيف الطباعة المجسمة في عمليات إنتاج كافة تجهيزات المركبة مهما بلغت درجة تعقيدات تصميمها، فبعد نجاح التجربة في بناء البيوت وأعضاء طبية وأدوات أخرى، ينظر القائمون على القطاع اليوم باتجاه اعتماد هذه التكنولوجيا بشكل أكبر.
ويتطلع مصنّعو السيارات دائما إلى طرق لتصنيع السيارات بتكلفة منخفضة وقد أتاحت هذه التقنية فرصة القيام بذلك، حيث يمكنهم تصنيع نماذج كاملة في غضون ساعات.
وبمجرد أن يتم تجريب تلك النماذج واختبارها، يمكنهم بكل بساطة تحديث التصميم وطباعته مرة أخرى وإجراء المزيد من الاختبارات بغية الوصول إلى منتج ذي جودة عالية.
وتعتبر الشركات الألمانية والأميركية والفرنسية إحدى أبرز كيانات القطاع على مستوى العالم، التي تعتمد هذا الأسلوب في ابتكار السيارات.
وقد لا تتوافر بعض قطع غيارات السيارات البسيطة في الأسواق، مثل ذراع بلاستيكية أو مفتاح مسامي أو ترس لمحرك مساحات الزجاج الأمامي، حيث يتم إنتاج هذه القطع مرة واحدة، وغالبا ما تتكلف قطع غيار السيارات، التي يتم إنتاجها بأعداد محدودة، نفقات باهظة نظرا لأنه قد يتعين في بعض الأحيان تصنيع أداة إضافية.
ويختلف الأمر مع أجزاء السيارات، التي يتم إنتاجها بواسطة الطابعات ثلاثية الأبعاد أو من تلبيد المعادن بالليزر المباشر (دي.أم.أل.أس)، والتي يطلق عليها اسم العمليات المضافة.
ويعتقد فيليب كاليدجيف، مؤسس شركة ناشئة لطباعة قطع غيار السيارات في مدينة لايبزيغ الألمانية في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، أن قطع غيار السيارات المطبوعة، التي يتم إنتاجها بأعداد صغيرة أو حتى قطعة واحدة، تمتاز بأنها مربحة، نظرا لعدم وجود تكاليف أولية باهظة للأداة.
ويؤكد كاليدجيف أنه عادة ما يرسل الزبائن أو المستهلكون قطع غيار قديمة، والتي تكون معيبة أو تالفة أو معكوسة في كثير من الأحيان، وهنا تقوم شركته بعملية مسح رقمي ثلاثي الأبعاد من أجل القيام بالطباعة لاحقا.
وأغلب المستهلكين يكونون من أصحاب السيارات الكلاسيكية القديمة أو عشاق الأجزاء الميكانيكية كما تطلب بعض الورش الفنية المتخصصة والوكلاء إنتاج قطع الغيار بأعداد كبيرة. ويمكن طباعة الأجزاء من المطاط واللدائن البلاستيكية والحديد والفولاذ المقاوم للصدأ وسبائك الألومنيوم.
وبحسب كاليدجيف، تسهل طباعة الأجزاء المصنوعة من مادة واحدة، كما يمكن تنفيذ القلاووظ، وهو عبارة عن مسمار ذي مستوى مائل ملفوف بشكل لولبي حول عمود ثم جلب تلك القطعة في الخامة بعد ذلك، ولكن مع المكونات الهجينة المصنوعة من خامات مختلفة تصل الطابعة إلى حدودها القصوى، وليس بالإمكان طباعة كل شيء حاليا.
ويمكن التحكم في درجة المتانة من خلال سُمك الطبقة وجودة الخامات، بحيث تصبح جودة قطع الغيار المطبوعة مماثلة تماما لجودة الأجزاء، التي يتم إنتاجها بواسطة عمليات التصنيع التقليدية.
وترتبط التكلفة بالجوانب الهندسية لقطعة الغيار وحجمها، وكلما كانت قطعة الغيار أكثر تعقيدا، تزداد صعوبة إنشاء الموديل ثلاثي الأبعاد. وكلما كانت قطعة الغيار سميكة، زاد استهلاك المواد المستخدمة، وطالت المدة اللازمة لعملية الطباعة.
ويرى المختصون أنه ليس هناك داعٍ لشراء المعدات للمسح الرقمي والطباعة ثلاثية الأبعاد عند استعمالها بشكل شخصي، إذ لا توفر الطابعات ذات التكلفة المعقولة جودة عالية لقطع غيار السيارات؛ حيث تجدي هذه الطابعات عند طباعة مشبك صغير لباب السيارة، ولكن ليس مع الأجزاء المعرضة للأحمال الثقيلة والاحتكاك الشديد.
وأشار البروفيسور ديرك بيهري، أستاذ هندسة التصنيع بجامعة سارلاند، إلى بعض المزايا الأخرى المرتبطة بالعمليات المضافة، والتي تتعلق بتكاليف التخزين، حيث لم يعد الأمر يتطلب الاحتفاظ بقطع الغيار لسنوات طويلة، علاوة على أن بعض قطع الغيار تصبح مسامية وهشة مع مرور الزمن مثل عناصر الإحكام المطاطية.
ويقول بيهري إنه عندما تكون هناك حاجة فعلية لأجزاء السيارة، فإنه يتم طباعتها، ولذلك فإنها تكون جديدة دائما وتتم عملية الطباعة بسرعة اعتمادا على مواقع الطابعات في جميع أنحاء العالم.
وعادة ما تتناسب الأجزاء المطبوعة تماما مع الأجزاء المعقدة هندسيا، والتي يوجد بها نصف قطر أو شبكات أو ثقوب، ولكن الطباعة ثلاثية الأبعاد تصل إلى حدودها القصوى مع المكونات الدقيقة للغاية مثل أجزاء مجموعة الحركة.
ولا يجوز استعمال الطباعة ثلاثية الأبعاد مع الأجزاء الحاملة والمكونات المتعلقة بالسلامة والأمان، طالما أن الشركات المنتجة لم تصرح باستعمال هذه الأجزاء.
ويرى بيهري أن الطباعة البلاستيكية ثلاثية الأبعاد من الأمور المثيرة للاهتمام في مجال الهوايات والاستخدامات الخاصة. وأضاف قائلا “يمكن استعمال الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج الأشياء الصغيرة وعناصر الزينة والإصلاحات والتحسينات التي لا ترتبط بالسلامة”.
وتعتمد بعض شركات السيارات العالمية، مثل بي.أم.دبليو وبوغاتي وميني وماكلارين وبورشه وسيات، في موديلاتها الحديثة على مكونات مصنوعة بواسطة الطابعات ثلاثية الأبعاد، حيث قامت شركة بورشه الألمانية بإنتاج مكابس السيارة جي.تي 2 آر.أس، في حين صنعت شركة بوغاتي الفرنسية غطاء ماسورة العادم في السيارة السوبر رياضية شيرون.
ويشير يان دانينبيرغ، من شركة الاستشارات بيريلس ستراتيجي أدفيزورس، إلى وجود العديد من المزايا عند تصنيع قطع الغيار بواسطة الطابعة ثلاثية الأبعاد، موضحا أنه يتم إنتاج المكونات حتى 500 قطعة عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد بشكل اقتصادي؛ حيث لا يتطلب الأمر تصنيع أية قوالب أو أدوات إضافية.
وتظهر ميزة التكلفة لطرق التصنيع التقليدية، مثل القولبة بالحقن أو صب الألومنيوم، عند الحاجة إلى إنتاج قطع الغيار بأعداد أكبر.
وغالبا ما يتم استعمال الأجزاء المطبوعة في النماذج الأولية أو الإنتاج بأعداد صغيرة أو نماذج التصنيع أو التخصيص، علاوة على أنه يمكن دمج العديد من الأشكال الهندسية والوظائف، التي توفر ثباتا عاليا في مساحة صغيرة، وقدرة تحمل عالية مع استهلاك قدر صغير من الخامات والمواد.
وثمة بعض العيوب لقطع الغيار، التي يتم إنتاجها بواسطة الطباعة ثلاثية الأبعاد، فإلى جانب التكاليف الباهظة عند إنتاج أعداد كبيرة، نجد أن هناك قيودا في ما يتعلق بالحجم ووقت الطباعة وجودتها.
وفي معظم الأحيان يتم استعمال الأجزاء المطبوعة في الوقت الحالي في النطاقات غير المرئية أو أن يتم صقل أسطح الأجزاء المطبوعة أو تغطيتها برقاقة.
ويوضح دانينبيرغ أن المشكلة تكمن في المتانة والثبات ودرجة الحرارة، ففي عملية الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي تعتمد على الليزر، يجب أن تكون درجة حرارة المادة الخام ثابتة أثناء التصنيع، حتى يكون المسحوق المعدني أو البلاستيكي هيكلا صلبا ومتينا عند الانصهار.
وعلاوة على ذلك لا يمكن إنتاج الأجزاء، التي يزيد طولها أو عرضها أو ارتفاعها عن متر واحد، كما أنه لا يمكن طباعة بعض الخامات مثل مركبات الألياف.
ويرى دانينبيرغ أن الجيل التالي من الطابعات ثلاثية الأبعاد سيكون قادرا على طباعة قطع غيار السيارات بشكل أسرع وبكميات أكبر مع التوفير في النفقات.
ويمكن أن تعمل وحدتا ليزر حاليا في طابعة واحدة، ولكن في المستقبل يزيد العدد إلى ما يصل إلى 100 وحدة ليزر، وإذا زادت الكفاءة الاقتصادية خلال السنوات القادمة، سيتم إنتاج قطع الغيار بكميات تصل إلى عشرات الآلاف.