تعدد وجوه أزمات الاقتصاد العربي يوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء

طالبت منظمات أممية وخبراء اقتصاد بمراجعة الخطط التي تتوخاها معظم حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظل ازدياد الأغنياء غنى والفقراء فقرا تحت وطأة تراكم وتنوع الأزمات.

ويبدو أن غياب الرؤية الاستشرافية والتنموية لبعض دول المنطقة العربية في ظل ما خلفته الأزمة الصحية العالمية واليوم الأزمة في أوكرانيا فاقم من تداعياتها وزاد من انعكاساتها السلبية اقتصاديا واجتماعيا.

وحذرت دراسة أممية قام بها خبراء لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) من أن عدم المساواة في الثروة قد ازداد بشكل كبير في المنطقة العربية منذ ظهور الوباء.

وذكر الخبراء في تقرير يحمل عنوان “المنطقة العربية في ظل كوفيد – 19: زيادة عدم المساواة في الثروة” نشرته اللجنة على منصتها الإلكترونية أن أغنى 10 في المئة من سكان المنطقة يتحكمون بأكثر من 80 في المئة من إجمالي الثروة.

ووفق صندوق الأمم المتحدة للسكان فإن تعداد سكان المنطقة العربية يبلغ 377 مليون نسمة من إجمالي تعداد سكان العالم البالغ 7.7 مليار نسمة، وأن أكثر من الثلث من القوى العاملة النشيطة.

ويشير المسح الذي أجرته إسكوا إلى أن عدد المليونيرات في المنطقة العربية ارتفع، ونمت ثرواتهم بمتوسط قدره 20 في المئة منذ 2019، مقابل تراجع ثروة النصف الأفقر من السكان بمقدار الثلث.

وأوضحت الدراسة أنه نتيجة لهذه التطورات صارت ستة من البلدان العشرين التي تسجّل أعلى مستويات في اللامساواة عالميا من البلدان العربية، وهي البحرين والإمارات واليمن والسعودية وعُمان والكويت في حين لم تكن هذه القائمة تضم سوى بلدين في 2019.

وقالت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي إن “النتائج الواردة في الدراسة تقدم صورة مقلقة لتوزيع الثروة في المنطقة العربية”، مشيرة إلى أن الاتجاهات التي شهدتها الجائحة أدت إلى تفاقم عدم المساواة وأن الفقراء يتحملون عبء الأزمة الصحية إلى حد كبير.

وعزت دشتي تركيز الثروة إلى أنظمة الضرائب في كافة أنحاء المنطقة التي تميل إلى زيادة العبء على الفقراء والطبقة الوسطى أكثر من شرائح السكان الثرية وأن الإصلاحات المتبعة لا تأخذ حجم الثروة في الحسبان.

ولفتت إلى أنه خلال الأزمات وسط غياب سياسات حماية اجتماعية مناسبة وفعالة، يمكن للأثرياء الاحتفاظ بأصولهم بينما يلجأ الفقراء إلى بيعها لدعم استهلاكهم مما يستدعي مراجعة أنظمة الدعم المالي للتخفيف من ارتفاع معدلات الفقر.

وسلّط خبراء إكسوا في دراستهم الضوء على حتمية إعادة النظر في نُظم الدعم المالي التي تقدّم من قبل الحكومات في إطار سياسات الحماية للتخفيف من الارتفاع في معدلات الفقر وتقليل آثاره غير المتناسبة على الشرائح السكانية المختلفة.

وتحتاج معظم الحكومات العربية لاعتماد آليات أكثر كفاءة للتحقق والإنفاذ لتوسيع الموارد المالية المتاحة لديها من أجل تمويل سياسات للحد من الفقر.

ويشكل تعزيز الفعالية المؤسسية ووضع الأطر السليمة للمساءلة ركيزتين أساسيتين لإنجاح الإصلاحات المالية المطلوبة للحد من التفاوت في الثروة بين المواطنين في المنطقة العربية.

ولدى دشتي قناعة بأن تركز ثروات المنطقة في أيدي عدد محدود من السكان ينبغي أن يكون في حد ذاته جرس إنذار بشأن الحاجة الملحّة إلى إطلاق حوارات محلية وإقليمية حول سبل تحقيق النمو الشامل الذي يستفيد منه الجميع، ولاعتماد سياسات جريئة تعالج هذا الخلل.

وكانت اللجنة قد قالت في دراسة سابقة إنه من الممكن إنقاذ الملايين من سكان البلدان المتوسطة الدخل من الفقر عبر اعتماد ضريبة تضامن على الثروة بنسبة 1.2 في المئة، وإنشاء صندوق إقليمي للتضامن الاجتماعي للتعجيل في التخفيف من تداعيات الجائحة.

وللخروج من هذا النفق والقضاء على الفقر يطالب الخبراء بتعظيم الاستثمار في البشر والرعاية الصحية والحوكمة التي تعني فصل الملكية عن الإدارة والقدرة على تكريس مفهوم دولة القانون لتعزيز مبادئ الشفافية والإفصاح واستثمار البنية الأساسية والتكنولوجية.

ولا تكتمل المنظومة دون تطبيق قواعد السوق في توزيع الموارد، مع ضرورة أن تكون هذه السوق منظمة ومراقبة بما يحقق عدالة المنافسة وأيضا المساواة الاجتماعية.

وقال أحمد مومي الخبير في اللجنة في يناير الماضي إن “معدلات الفقر في المنطقة العربية ستنخفض من 27 في المئة من مجموع السكان في عام 2021 إلى نحو 26 في المئة في عام 2023 ولكن مع استمرار وجود تفاوت بين مجموعات البلدان”.

وأشار حينها إلى أنه على الرغم من التحسن الطفيف في تضييق الفجوة بين الجنسين في المنطقة، سيستغرق تحقيق التكافؤ بين الجنسين ما يقرب من 150 عاما في ظل أوجه القصور الحادة التي تشوب نظم الحماية الاجتماعية.

ويحتاج الاقتصاد العربي إلى توليد نحو 10 ملايين فرصة عمل جديدة سنويا حتى يتصدى لمعضلة الفقر والبطالة، على أن تتاح هذه الفرص وفقا لسياسات نمو شاملة تعزز فرص مشاركة النساء في سوق العمل لتعزيز التنمية التي لا تنال من حقوق الناس أو تهدر طاقتهم عبثا.

ورغم تفاقم الفقر في المنطقة العربية إلا أن مجتمعاتها تشهد ارتفاعا في نسبة الشباب، الأمر الذي قد يعطي فرصة لتسريع وتيرة تحسن المستوى الاجتماعي ومواجهة الفقر بكافة أبعاده وجعل أصحاب الأموال يتحملون جزءا من هذا المسار بتوسيع نشاط القطاع الخاص.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةمشاكل المخابز اللبنانية تزداد تعقيدا مع صعوبة تمويل واردات القمح
المقالة القادمةالحرب في أوكرانيا قد تفجر خلافات غاز شرق المتوسط؟!