تعليم قيادة السيارات: قطاع ينضمّ إلى الكماليات

لم ينج قطاع تعليم قيادة السيارات من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية. تشير أرقام النقابة إلى انخفاض في أعداد المكاتب الفاعلة والمرخصة من 615 مكتباً في كلّ لبنان إلى 280 مكتباً فقط، فيما أضحت الكثير من المكاتب خارج الخدمة بفعل عوامل عدة، منها من أعلن توقفه عن العمل، ومنها من حصر خدماته بتأمين المستندات الرسمية

في شارع «محمد الحوت» (رأس النبع) البيروتي، يركن عمر أبو الخدود صاحب «مكتب أبو الخدود لتعليم قيادة السيارات» سياراته المعطلة جانباً، فيما تعمّ الفوضى مكتبه في الداخل. يبرّر عمر الأمر باضطراره إلى ترك مكتبه طيلة أيام الأسبوع ليتفرّغ وحيداً لتعليم القيادة، بعدما استغنى عن موظفيه. بات يستخدم سيارة واحدة للتعليم، فيما كانت أعداد السيارات تصل إلى سبعة يومياً في المواسم السابقة. المكتب الذي تأسّس عام 1947، تتصدّر واجهته صورتان، إحداها للأب المؤسّس عادل أبو الخدود يقف فيها مبتسماً، بجانب سيارة «بويك» الأميركية الصنع. صورة تعكس مدى اختلاف الزمنين، في المكان نفسه، بين ستينيات القرن الماضي واليوم.

خسارة الزبائن

أثّرت الأزمة الاقتصادية كثيراً على هذا القطاع، فغلاء المحروقات من جهة، وارتفاع كلفة صيانة السيارات أو تصليحها من جهة ثانية، وضعا هذه الخدمة في خانة الكماليات. انفضّ الكثير من الزبائن عنها بعدما ارتفعت تسعيرة خدماتها، فيما لجأ البعض الآخر إلى لغة المفاوضات والتسويات مع المكاتب المماثلة، علّه يصل إلى حلّ يرضي الطرفين.

لا يخفي أبو الخدود أن عدداً من زبائنه طلب منه تخفيض عدد الجلسات، وبدل الاستفادة من دورة كاملة في التعليم (20 يوماً في مقابل 300$)، اختار فقط عشرة أيام، أو حتى خمسة أيام (يصل سعر الجلسة الواحدة إلى 500 ألف ليرة).

هذه التسعيرة التي يبرّرها أصحابها، تعدّ مرتفعة بالنسبة إلى كثيرين، ما أدّى إلى انخفاض ملحوظ في عدد الزبائن. يؤكد أبو الخدود أنه خسر نحو 50% من زبائنه، ويعود في الزمن إلى ما قبل الأزمة الحالية، مستذكراً مواسم الصيف العامرة، التي كان يترافق فيها مع مجموعة من الشبّان والصبايا الذين أنهوا المرحلة الثانوية، وقرّروا تعلّم قيادة السيارات. يأسف الرجل لهذا الواقع، معبّراً عن أسفه لعدم قدرة الأهالي اليوم على دفع تكاليف هذه الخدمة، و«تفريح» أولادهم بعد انتقالهم إلى المرحلة الجامعية.

قرار الإقفال

صمود أبو الخدود لم يقوَ عليه «مكتب حمود لتعليم قيادة السيارات» (سليم سلام)، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى أكثر من 25 عاماً، وقرّر أخيراً إيقاف خدمة التعليم. يقول صاحب المكتب علي حمود إن 15% فقط من الزبائن باتوا يملكون «الفريش دولار»، وقاموا بتسديده وفق التسعيرة الجديدة للمكتب (قبل قرار التوقف)، فيما انكفأ البقية عن الاستفادة من هذه الخدمة بعدما وصلت تسعيرة الأخيرة إلى 8 ملايين ليرة كحد أدنى (10 أيام)، تبعاً لعدد الجلسات. وكان حمود قد اضطر إلى تسريح ثلاثة موظفين كانوا يعملون في مكتبه بشكل يومي قبل اتخاذ قراره.

ومثله فعل كثيرون، أقفلوا مكاتبهم قسراً بعد سنوات طويلة من العمل، ولجأوا إلى أعمال أخرى مثل بيع الإلكترونيات، وفتح المطاعم، سعياً نحو تأمين لقمة العيش. وزاد الطين بلّة، إقفال «هيئة إدارة السير والآليات والمركبات» (النافعة)، أبوابها منذ أكثر من ثلاثة أسابيع التزاماً منها بإضراب رابطة موظفي القطاع العام. هذا الأمر أثّر بشكل أساسي على هذه المكاتب، والتي عادة ما تقدّم خدمات موازية لتعليم قيادة السيارات، كتخليص معاملات رخص القيادة المحلية منها والدولية.

صمود بسبب المنافسة

يختلف المشهد نسبياً في الضواحي. يلحظ المدقّق في المشهد تبايناً في التسعيرة، التي قد تنخفض إلى النصف تقريباً، بفعل عوامل عدة من ضمنها الفارق في إيجارات المحال التجارية وما يندرج تحتها من خدمات. كما تسهم زيادة أعداد المكاتب هناك، واشتداد المنافسة في ما بينها، مع وجود مكاتب غير مرخصة، في إشعال المضاربات في السوق وتخفيض قيمة التسعيرة.

«مكتب عثمان لتعليم قيادة السيارات» (الشياح)، الذي وصلت تسعيرته إلى 4 ملايين ونصف المليون لجلسات التعليم (10 أيام)، ما زال صامداً في عمله. أبقى على موظفيه (اثنان)، متكئاً في عمله على طلاب الجامعات الذين يقصدونه، بخاصة من أهالي منطقته الذين، كما يقول لنا صاحب المكتب وسام عثمان، يثقون بالمكتب، ويأتمنونه على أولادهم. ويلفت إلى أن تعليم الأهالي قيادة السيارة لأولادهم، من دون اللجوء إلى المكتب، سيكلّفهم أكثر مؤكداً أن خدمات مكتبه «أوفر»!

واقع المكاتب نقابياً

يتفهم نقيب «مكاتب تعليم قيادة السيارات» عفيف عبود ما يحدث اليوم، واصفاً إياه بـ«الصراع» بين أصحاب المكاتب من جهة وبين الزبائن من جهة أخرى وواضعاً الطرفين في الميزان عينه بما أنهما متضرّران من الأزمة. ويعيد عبود سبب التفاوت في التسعيرة بين المكاتب إلى آفة السمسرة وضرب سمعة المكاتب المرخصة، معلناً عجز نقابته عن مقارعة هذه الظاهرة، حتى عبر الطرق الرسمية والأمنية. يكمن الحلّ برأيه عبر تطبيق المادة 310 من قانون السير الذي أقرّ عام 2012، والتي تلزم المكاتب بإعطاء الزبون إفادة تعليم رسمية. خطوة من شأنها كما يقول، أن تقارع المكاتب غير الشرعية.

يضع عبود بين أيدينا مجموعة أرقام، تؤشر إلى انخفاض أعداد المكاتب الفاعلة والمرخصة من 615 مكتباً في كل لبنان إلى 280 مكتباً فقط قامت بتجديد رخصتها في النقابة هذا العام. أما المكاتب الباقية فقد أوقفت عملها، إما بسبب وفاة أصحابها وإما بسبب قرارها بالانكفاء نتيجة تدهور القطاع. وتشير الأرقام إلى وجود 127 مكتباً في الدكوانة، و23 مكتباً في زحلة، و22 مكتباً في الأوزاعي، و21 مكتباً في كلّ من صيدا وجونيه، وانخفض عددها في كلّ من عاليه إلى 12، والنبطية إلى 3.

مصدرجريدة الأخبار - زينب حاوي
المادة السابقةموسكو تمدّد «الكابيتال كونترول» حتى أيلول
المقالة القادمةسلام: كميات من القمح تكفي لشهر ونصف ستصل خلال 10 أيام