ليس في الإمكان تقييم التعميم الذي يُتوقّع أن يصدره مصرف لبنان اليوم، كترجمة عملية لمبادرة إراحة اللبنانيين، سوى بعد الاجابة عن كمٍ من الاسئلة المطروحة. صحيح انّ أي عاقل لا يمكن أن يرفض فكرة اعادة الودائع الى أصحابها، لكن الصحيح أيضاً، انّه لا يوجد عاقل يستطيع أن يدّعي أنّه يعتبر القرار التمهيدي الصادر عن مصرف لبنان بمثابة قرار يؤدي الى تسديد الودائع.
اولاً، من حيث التوقيت:
1- لماذا لم يصدر هذا التعميم منذ بداية الأزمة بحيث يكون بديلاً، ولو غير مكتمل المواصفات، لقانون كابيتال كونترول لم يصدر حتى الآن؟
2- هل هي مجرد صدفة بريئة ان يصدر هذا التعميم بعد دخول البلد رسمياً في السنة الانتخابية، والتي بدأت الاستعدادات لها بنشاط لافت؟ ألا يُخشى من اعتبار القرار «رَشِّة» دولارات قبل الانتخابات؟
3- لماذا يسابق التعميم قانون الكابيتال كونترول الذي قيل انّه سيُبتّ اليوم؟
ثانياً- من حيث الشكل والمضمون:
1- لماذا يبدو التعميم وكأنّه يصدر بالتقسيط، من حيث الاعلان عنه كمبادرة، ومن ثم قرار ولاحقاً (يُفترض اليوم) كتعميم.
2- لماذا يعتمد اسلوب التمويه من خلال تحديد فترة زمنية للوديعة التي يمكن السحب منها (من تشرين 2019 حتى آذار 2021)، للإيحاء بأنّ الموضوع مرتبط بإعادة الودائع وليس بتنظيم السحوبات (capital control).
3- لماذا جرى تقسيم السحوبات بين الليرة والدولار الحقيقي.
4- ماذا سيكون مصير الودائع المصرفية التي جرى تكوينها في الخارج وفقاً لمندرجات التعميم 154، وستُستخدم لتلبية مندرجات التعميم المُنتظر اليوم؟
5- هل أصبح مسموحاً اعلان افلاس مصارف وتصفيتها والمجازفة بخسارة المودعين فيها لأموالهم، وتوجيه ضربة اضافية الى القطاع المالي
6- ماذا سيكون مصير بقية الودائع التي تتجاوز قيمتها الـ100 مليار دولار، اذا تمّ التفريط بالاحتياطي قبل البدء في خطة الانقاذ؟
كل هذه الاسئلة لا تعني انّه لا ينبغي السماح للمودعين بسحب دولارات حقيقية، بل تشير الى نقاط الضعف في المشروع المُقترح، والذي كان يمكن ان يكون فعّالاً لو صدر في تشرين 2019. أما اليوم، وبانتظار ان تستفيق السلطة السياسية من غيبوبتها وتقرّر إخراج البلد وابنائه من جهنم، عبر تسهيل الوصول الى مرحلة يصبح معها متاحاً الاتفاق على خطة انقاذ مع صندوق النقد ومع المجتمع الدولي، فانّ المعالجًة المقبولة، تكمن في مجرد تنظيم السحوبات المصرفية، وتحديد سقف السحب بالدولار الحقيقي للجميع بما لا يتجاوز الـ200 دولار شهرياً، وإصدار البطاقة التمويلية لحماية الفئات الأضعف التي لا يمتلك أصحابها ودائع مصرفية لا بالدولار ولا بالليرة.