تعويضات نهاية الخدمة في خطر: الحل بعيد

ينتظر الموظّفون بمختلف فئاتهم ومسمّياتهم الوظيفية في القطاع الخاص والمؤسسات والمصالح المستقلّة (كهرباء، مياه، أوجيرو… وغيرها)، تعويضات نهاية الخدمة من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، علّها تساعدهم في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تحملها سنوات ما بعد تقاعدهم. لكن انهيار سعر صرف الليرة جعلَ تلك التعويضات أداة لتدمير أحلام المتقاعدين. ولأنّ البحث في تأمين تعويضات عادلة، هو واجب لا يمكن تخطّيه، تبقى العبرة في تحويل الواجب إلى فعل على أرض الواقع، والذي يحتاج بدوره إلى صياغة قانونية وآلية للتنفيذ. إلاّ أنّ المرحلة الأولى لا تزال تشهد نقاشات تبدو عقيمة حتى اللحظة، وهو الأمر الذي سيؤخّر تنفيذ الحل العادل. ووفق التجربة، يدفع الموظّفون دائماً ثمن شدّ الحبال بين الدولة وأرباب العمل؛ إذ تنتهي الأمور لمصلحة الطرف الثاني الأقوى مالياً وسياسياً.

بحث مستمر

ينطوي سحب تعويضات نهاية الخدمة من “الضمان” على ظلم كبير للموظفين، بفعل فقدان التعويضات قدرتها الشرائية بالمقارنة مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى حوالي 90 ألف ليرة. ولتدارك الأمر، تسعى الدولة وأرباب العمل إلى إيجاد حلّ عادل لتعويضات المتقاعدين الذين سحبوا تعويضاتهم على أساس حدّ أدنى منخفض للأجور، أو الذين سيسحبونها مستقبلاً. وفي معرض البحث المستمر، تدور لجنة المال والموازنة النيابية في دوامة ما أُحيل إليها من “اقتراح قانون التسوية العادلة لتعويضات نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي”. هذا الاقتراح مبني على اقتراح تقدّم به النائب فيصل كرامي، ويرتكز على مضاعفة التعويض 30 مرة للموظفين الذين تركوا العمل ابتداءً من تشرين الأول 2019. وبما أنّ حجم انهيار الليرة من 1500 ليرة إلى 90000 ليرة، وصل إلى 60 مرة، يكون اقتراح كرامي قد عوَّضَ عليهم نصف قيمة التعويض الذي كان يفترض بهم تلقّيه قبل الانهيار. على أنّ تمويل هذه الزيادة سيأتي من الدولة بنسبة 44 بالمئة، ومن الهيئات الاقتصادية الممثِّلة لأرباب العمل بنسبة 56 بالمئة.

البحث لا يزال مستمراً، ومن المفترض به أن ينتهي بـ”وضع تصوّر مدروس يأخذ بالاعتبار الأثر المالي على الخزينة والضمان والقطاع الخاص لتطبيقه على مراحل حفاظاً على حقوق العمال وتعبهم”، وفق رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان. على أنّ هذا البحث، أُجِّلَ اليوم إثر عدم اكتمال نصاب الجلسة التي كانت مقرَّرة. ومع ذلك، لم يكن منتظراً اجتراح أي جديد لأن الخلاف جوهريّ بين أصحاب العلاقة الموزّعين بين الدولة وأصحاب العمل والعمال والضمان الاجتماعي.

العدالة الاجتماعية

تنطلق لجنة المال والموازنة من اقتراح كرامي، لكن تعقيدات الملف تجعل النقاش الفعلي بعيداً عن الاقتراح الأصلي. مع أنّ الأساس القانوني في مسألة تعويضات نهاية الخدمة، هو أن يتقاضى الموظف عند خروجه من الخدمة، قيمة راتب شهر واحد عن كل سنة، حتى 20 عاماً من الخدمة، وراتباً ونصف الراتب عن كل سنة إذا تخطّى خدمته الـ20 سنة. وذلك استناداً إلى آخر راتب تقاضاه قبيل خروجه. لكن انهيار قيمة التعويضات مع خسارة الليرة حوالي 95 بالمئة من قدرتها الشرائية، جعل هذه التعويضات مجحفة. على أنّ البحث في تحسينها لتصبح عادلة، اصطدم بمعوّقات ينظر إليها كل طرف وفق ما يناسبه. فمن منظور العدالة الاجتماعية، يرى الموظّفون أنّ الحل العادل هو تسوية التعويضات بما يتناسب مع القيمة الفعلية للدولار في السوق. ولذلك “السجال حالياً حول مَن سيدفع”، على حدّ تعبير رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، الذي أكّد في حديث لـ”المدن”، أنّه “يمكن الانطلاق من مقترح كرامي، لكنه غير كافٍ”. ويصبح الوضع أكثر تعقيداً مع سعي أصحاب العمل لـ”فصل التعويضات بين الفترة الممتدة من 2019 حتى 2023 وفترة 2024 وما بعدها. وعلى هذا النحو تُصفى حسابات أصحاب التعويضات عن الفترة الأولى، والتي كان فيها الحد الأدنى للأجور منخفضاً، فتُحتسب تعويضات منخفضة، وبذلك يدفع أصحاب العمل تعويضات أقلّ، ليبدأ احتساب التعويضات الجديدة عن سنوات عمل قليلة، وبهذا يضرب أصحاب العمل مبدأ استمرارية سنوات الخدمة، خصوصاً أنّ التعويض يحتسب وفق آخر راتب”. وعليه، فإن التعويضات المترتّبة بين العامين 2024 و2025 ستكون كلفتها أقل، ولن يستفيد مَن تقاعَد قبل 2024 من الراتب المرتفع، خصوصاً إذا كانت سنوات خدمته ستتخطّى الـ20 عاماً باحتساب العامين 2024 و2025.

بالتوازي مع ذلك، اعتبر عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي صادق علوية أنّ ما يحصل في ملف التعويضات “هو محاولة لتصفية تعويضات نهاية الخدمة”. وبنظره، فإنّ أصحاب العمل “يضعون خطاً فاصلاً للتعويضات، هو العام 2023 لضرب مبدأ الاستمرارية والعودة بالتعويضات إلى نقطة الصفر”. ووفق ما يقوله علوية لـ”المدن”، فإنّ أصحاب العمل “يريدون الالتفاف على المبلغ المالي الذي يفترض دفعه ليكون تسوية للذين خرجوا من الخدمة وقبضوا تعويضات منخفضة جداً”. وبرأيه، فإنّ كل ما يحصل من نقاش “لا لزوم له، لأن القانون واضح، ولبنان شهد حالات انهيار للعملة في سنوات سابقة، سواء في العام 1971 أو 1981 أو 1993 وغيرها، وبقي القانون واضحاً، فلماذا تُبحث اليوم مخارج أخرى بحجة سعر الصرف؟”.

عدم الوضوح

إصرار الموظّفين على التمسّك بحقّهم القانوني، وبحث أصحاب العمل عن سبل تقيهم “الإفلاس” وفق منظورهم، يجعل القضية “غير واضحة” تبعاً لما قالته مصادر في جمعية تجار بيروت، التي أوضحت في حديث لـ”المدن” أنّ “الآراء تتغيّر دائماً في كل اجتماع لبحث الملف”. وللانطلاق من نقطة محدّدة، شدّدت المصادر على أنّ “الأساس هو مقترح كرامي. لكن يبقى السجال قائماً حول طريقة تقسيم التعويضات بين السنوات قبل 2023 وبعدها وعلى أساس أي سعر صرف. ولذلك، كل أصحاب العمل يتريّثون في دفع التعويضات ليكونوا منصفين بحق الموظفين”.

في الوقت عينه، أعلن أمين عام العلاقات الخارجية في جمعية الصناعيين، منير البساط، أنّ “الهيئات الاقتصادية موافقة على مقترح كرامي برغم ثقله على أصحاب العمل”. وأوضح في حديث لـ”المدن” وباسم جمعية الصناعيين، أنّ “الجمعية تعمل على حلّ المشكلة انطلاقاً من نقاش كيفية الدفع، خصوصاً في ظل غياب الاتفاق حول مبلغ التسوية الذي يجب دفعه، والذي سيكون كبيراً على أصحاب العمل، لا سيّما أنّ المؤسسات الكبيرة تصرّح عن رواتب وأجور عمّالها كما هي، وليس التزاماً بالحدّ الأدنى للأجور، الذي تلجأ إليه المؤسسات الصغيرة”.

وفي معرض الحل، توقّف البساط عند أموال الضمان الاجتماعي، قائلاً إنّ “أموال الضمان لدى الدولة والمصارف موجودة وتُعتَبَر ديناً ممتازاً يجب تأمينه. كما لدى الضمان أراض وأصول؛ أي إنّ أمواله موجودة وإن نظرياً، ويمكن استعمالها في دفع التعويضات بدلاً من تحميل العبء لأصحاب العمل”. وأيضاً، تبقى مشكلة تأمين الدولة حصّتها من دفع التعويضات. فوفق البساط “الدولة جزء أساسي من إفلاس الضمان لأنها لم تدفع له أمواله قبل انهيار قيمة الليرة”.

يقف الموظفون وسط دوامة يبدو أنّها لن تنتهي قريباً. الأمر الذي يُبقي مصير تعويضات نهاية الخدمة غامضاً. فحتى اللحظة لا يسحب الموظفون تعويضاتهم، ومَن يضطرّ منهم إلى سحبه، يعلق بين احتمالين يوضحهما البساط، فـ”إذا كان أحدهم موظفاً لدى مؤسسات لا تأبه بالحصول على براءة ذمة من الضمان، لا تدفع التعويضات، وإذا كان موظفاً لدى مؤسسة مجبرة على الحصول على براءة ذمة لإنجاز عمليات الاستيراد والتصدير، تبقى المؤسسة ملزمة بدفع التعويض للموظف، وفق القانون، وبالتالي تدفع مبالغ كبيرة. وهو حال المؤسسات التجارية والصناعية”. وفي النتيجة “لا حل”. فمَن ينجح في تحصيل تعويضه بسعر صرف مناسب، يكسب بذلك، ومَن لا ينجح “ينتظر”.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةكيف نبني على نجاح صيف العام 2025؟
المقالة القادمةأسواق اليوروبوند متفائلة جدًا: اقتراب الحل المالي الشامل؟