تفاصيل التحقيقات وحجم خسائر المال العام من صفقات غير قانونية

أسئلة كثيرة تنتظر جواب المعنيين بالتحقيقات في ملف القمار الإلكتروني، خصوصاً لجهة، أن تضمن آليات المعالجة استعادة المال العام عبر إصلاح الخطأ من منبعه.

أي من اللحظة التي قرّر فيها وزيرَي المالية والسياحة يوسف الخليل ووليد نصار، تعديل عقد «المالية» مع كازينو لبنان، والسماح للكازينو بإدارة قطاع مدرّ لأرباح كبيرة مثل ألعاب الميسر والمراهنات عبر الإنترنت، علماً أن تنظيمه مرتبط بصلاحيات مديرية اليانصيب وفقاً لمرسوم حكومي صادر عام 2012.

كما إن الشك واجب عمّا إذا سيُصار إلى تصحيح المخالفات القانونية. علماً أن السؤال الأكبر، هو عن غياب وزير المال ياسين جابر عن ملف متّصل مباشرة بإيرادات تخصّ الخزينة العامة، ولماذا ترك إدارة الملف إلى سماسرة ونافذين؟

روايتان متناقضتان
استمعت «الاخبار» إلى رواية أكثر من طرف معني بالقضية. وأمكن جمع معطيات فيها، ما يقوله الفريق القانوني للخاضعين للتحقيق، ومنهم خوري، من أن الداتا التي جرى سحبها من الكازينو ومن الشركة المشغلة لهذه الألعاب، لا تُظهر وجود أي عمليات مالية مشبوهة أو عمليات تبييض للأموال.

حيث أظهر فريق الدفاع الخاص بالكازينو والذين يديرون المنصة الإلكترونية، والشركة المشغلة، كل الأوراق التي توضح العلاقة القانونية مع وزارة المالية.

علماً أن إدارة الكازينو، تقول إن العقود المبرمة مع الشركة المشغلة تتضمن شروطاً صارمة، إذ ينص التعديل الثاني على العقد، الموقع عام 2022، على آلية واضحة لاحتساب الأكلاف التشغيلية، وتحديد نسب الشراكة بين الشركة المشغلة والوكلاء المعتمدين، ضمن إطار قانوني موافَق عليه من قبل وزارة المالية.

وهدف فريق الإدارة من هذا الأمر، هو اعتبار أن مسؤولية مراقبة نشاط الوكلاء المعتمدين تقع حصرياً على الشركة المشغلة لا على إدارة كازينو لبنان، وذلك استناداً إلى كون العقود المبرمة تفصل بشكل واضح المسؤوليات. ويسأل هؤلاء عن سبب عدم طلب إفادة الشرطة القضائية، التي تملك عشرات المحاضر التي توثق المخالفات.

لكن مصادر أخرى، تقول إن التحقيقات الأولية، كشفت أن ما وصل إلى خزينة الدولة منذ بداية عام 2023 هو 48 مليون دولار فقط، بمعدل 1.6 مليون في الشهر. وأنّ شركة «OSS» تحصل على ما نسبته 57% من العائدات.

في حين أنّ العقد الموقّع بينها وبين الكازينو (اطلعت «الأخبار» على نسخةٍ منه) يمنح الشركة 30% من العائدات، و70% يتقاسمها مناصفة الكازينو و«المالية»، بموافقة الأخيرة. لكن هناك شكوك في أن شركة «OSS» تعمل على تضخيم المصاريف التشغيلية للقطاع بشكل كبير كي ُتبرر حجم المبالغ التي تقتطعها، وما يسمح بالشك أيضاً بأنها تسعى إلى إخفاء حجم أرباحها الحقيقي.

في هذه النقطة، تتضارب المعلومات، بين مصادر الكازينو التي تفيد بأنّه يحصل على 21% من الأرباح، وليس 35% ومثله «المالية». وبين ما ورد في التحقيقات عن نسبة الكازينو 18% ومثله «المالية».

وهو ما دفع معنيين إلى اتهام الشركة المشغلة بأنها «لجأت إلى التلاعب بالأرقام، كي تغطي حصّة أصحاب صالات القمار غير الشرعية، التي وقّعت اتفاقيات تشغيل ألعاب الميسر ومراهنات معها، مقابل اعتبارها فروعاً للكازينو Agens».

وحصّة هذه الصالات تُراوح بين 20% من الأرباح الشهرية الناجمة عن عمليات المراهنة الرياضية، وتصل إلى 40% من الأرباح الشهرية الناجمة عن عمليات القمار. قبل أن، يعود أصحاب الـAgens ويتقاسمون النسبة مع المكاتب الصغيرة والوسطاء التابعين لهم».

كما تتهم شركة «OSS»، بأنها وقعت، بالاتفاق مع الكازينو اتفاقيات مع مراكز مراهنات غير شرعية، ما جعل الإيرادات تتوزّع على أربع جهات بدلاً من ثلاث هي: «OSS» والكازينو و«المالية» ومراكز المراهنات.

مع العلم أنّ الحصة المتوجب دفعها إلى الـ«agens» تُحسم سلفاً من حسابات «OSS»، وأيّ تلاعب بحصّة الدولة المتفق عليها في العقد هو مسّ بالمال العام.

كذلك تفيد مصادر التحقيق، بأن البحث يتم حول طريقة اللعب الحاصلة داخل صالات متعاونة مع الكازينو وBetArabia. ويتركز التحقيق الآن مع 11 موقوفاً من أصحاب الصالات، وهم من كبار المشغلين الذين يخالفون القانون عبر السماح لأشخاصٍ بالمراهنة أو لعب القمار عبر استخدام حسابات تابعة لأصحاب الصالة أنفسهم، إذ يتقاضون الأموال «كاش» من الزبون، ويدفعونها له بواسطة «OMT».

فيدفع الزبون، مثلاً، 10 آلاف دولار كاش لصاحب الصالة، وفي حال خسر 2000 دولار، يعيدُ صاحب الصالة للزبون 8 آلاف دولار عن طريق الـ«OMT»… ما يجعل العملية، وسيلة لغسل الأموال. والارباح يضعها أصحاب الصالات في جيوبهم.

والمخالفة هنا فاضحة، كون الاتفاق يلزم الشركات أن يلعب الزبون من حسابه الشخصي على «بيت ارابيا»، وهو حساب، يُدخل عليه صاحبه صورة عن هويته أو جواز سفر، ورقم حسابه البنكي، وغيرها من المعلومات التي تساعد على معرفة هوية اللاعبين وأعمارهم، وضبط حركة الأموال.

والمفارقة أن الموقوفين، اتهموا خوري بأنه على علم بما يحصل، وهو ما نفاه خوري، لافتاً إلى وجود «مئات الصالات التي تتعاون مع الكازينو، ولا إمكانية لمعرفة كيفية إدارة عمليات اللعب داخلها».
من سمح لـ«BetArabia» والكازينو بمنح «تراخيص»؟

في الأصل، تعدّ جميع صالات المراهنات ولعب القمار المنتشرة في المناطق «سوقاً سوداء»، و تنصّ المادة 633 من قانون العقوبات على أنّ من ينظّم ألعاب مقامرة، سواء في محل عام أو خاص، يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين.

وهو ما خالفه كازينو لبنان و«BetArabia»، عندما عرضوا على «ملوك القمار» غير الشرعي، المشغلين لمئات الصالات في لبنان، توقيع اتفاقيات معهم مقابل التوقّف عن العمل بالسوق السوداء والعمل حصراً لمصلحة الكازينو، مقابل حصّة من خسائر كل زبون يأتي عبر هذه الصالات، ووعدوهم بتوفير حصانة لهم أمام القضاء، وأنّهم باتوا أشبه بـ«فروع» للكازينو.

وهذا ما استند إليه أحد الموقوفين، عندما طالب برفع دعوى على «OSS» وكازينو لبنان. ولكن شركة «OSS» تبرر الخطوة بكون السلطات لم تقفل صالات السوق السوداء، بخلاف الوعود التي تلقوها قبل إطلاق «BetArabia». فما كان من «OSS» وخوري إلا التوجه صوب إبرام عقود مع السوق السوداء، ما أدى عملياً، إلى تراجع حصة الدولة.

حتى الأن، أوقف جهاز أمن الدولة بناءً على إشارة القضاء، 14 موقوفاً في الملف، بينهم المدير العام للكازينو رولان خوري. لكن الأبرز فيهم هم 11 من أصحاب مراكز مراهنات تتعامل مع «BetArabia»، وجاد غاريوس مدير «OSS»، وشريكه داني عبود.

أما مراكز المراهنات التي جرى توقيف أصحابها وختمها بالشمع الأحمر هي: «Las Vegas» في جونية، «Al Bihar Hotel» في طبرجا، «The Royal Club» جبيل، «Sparca» ضبية، «The House» الدورة، «Olympus» في مزرعة يشوع، «Young Cafe» برج حمود، «Private C» المكلّس.

كيف تحوّلت «MTV» و«LBC» و«الجديد» إلى «Brokers»؟
بعد توقيع عقدها مع كازينو لبنان، باشرت “OSS” التواصل مع عدد من وسائل الإعلام، لأجل ترتيب عقود معها، بغية شراء صمتها من جهة، وتوسيع دائرة الانتشار للخدمة نفسها من جهة ثانية. وحصل أن رفضت وسائل إعلام (محدودة) المغريات التي قُدّمت.

لكنّ القنوات التلفزيونية الثلاث الرئيسية في البلاد ( MTV لصاحبها ميشال المر، وLBC لصاحبها بيار الضاهر، و”الجديد” لأصحابها من عائلة تحسين خياط) سارت في اللعبة، فتمّ توقيع عقود إعلان وتسويق لمنصة BetArabia، تحت عنوان “اتفاقية تقديم خدمات”.

بموجب الاتفاقية تلتزم “OSS” بخلق حساب للتلفزيون على منصة “BetArabia”، وتزوّده برابط إلكتروني. فيقوم من جانبه بعرض إعلان لمنصة “BetArabia” على التطبيق والموقع الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة له، لكن، بما يتيح لزبائن محتملين، الدخول إلى المنصة عبر الرابط الإلكتروني والمشاركة بالألعاب.

ويتضمّن الرابط (Code)، يتمّ ربطه بحساب التلفزيون، ما يتيح لـ”OSS” احتساب حصّة التلفزيون من عمليات اللعب الحاصلة عبره. وهكذا تستقطب “OSS” زبائن جدداً من متابعي التلفزيونات، بعد تحويل المحطات إلى “Brokers” يؤمّنون زبائن لقاء الحصول على حصة من الإيرادات.

وفي المقاصّة، يتم العمل وفق آلية، تخصّ أولاً مراهنات الزبائن عبر ألعاب الـSportsBook والـcasino، فتقوم”OSS” باقتطاع ما قيمته 30% من خسارة الزبائن في نهاية كل شهر، وتسدّد النسبة لصالح التلفزيون. أمّا في ما يتعلق بمراهنات الزبائن عبر لعبة “البوكر” فتقتطع الشركة 50% من قيمة اشتراك الزبائن الصافية، ثم يصار إلى تحديد نسبة ربطاً بأداء الزبون وتُسدّد لصالح التلفزيون.

وفي الاتفاقية، هناك حد أدنى مضمون لكل قناة، بحيث تدفع “OSS” مبلغ 15 ألف دولار شهرياً، في حال لم تُجرَ عمليات لعب عبر التلفزيون، أو لم تُحقّق إيرادات.

كما تضمن “OSS” دفع مبلغ الـ15 ألف دولار، في حال عمليات اللعب من خلال التلفزيون حقّقت إيرادات تراوِح بين دولار و35 ألف دولار.

بمعنى آخر تدفع الشركة 15 ألف دولار زائد الإيرادات المحقّقة من عمليات اللعب، بمجموع قد يصل في حدّه الأقصى إلى 50 ألف دولار شهرياً. أما في حال تحقيق إيرادات عن طريق اللعب تزيد عن 35 ألف دولار، فتلتزم “OSS” بدفع حصة التلفزيون من عمليات اللعب. كما تكفّلت “OSS” بدفع أرباح الزبائن من خلال مراكز “OMT”.

إضافة إلى ذلك، تتعهّد المحطات التلفزيونية الموقّعة على الاتفاقية، بعرض حملات إعلانية تتضمّن تقارير إخبارية، وإصدارات تلفزيونية، ومقالات، علماً أنه جرت في المقابل حملة مضادّة، إذ تبيّن أن مشغّلي القمار غير الشرعي، عمدوا إلى رشوة بعض وسائل الإعلام مقابل إنتاج موادّ إعلامية تهاجم كازينو لبنان، على خلفية تشغيل ألعاب القمار عبر “OSS”، والترويج إلى أنّ “BetArabia” منصّة غير صالحة.

وكانت الـ«MTV» أول من افتتح سوق الترويج لـ«BetArabia»، وحصلت على دفعات جانبية، تتجاوز مبلغ الـ 15 ألف دولار بخلاف القنوات الأخرى.

كما حصلت حصرياً من الشركة دوناً عن التلفزيونات الأخرى على «Promo CodeMTV100»، الذي تُقدِّم عبره رصيداً مجانياً بقيمة 100 دولار لمن يستعمل الرمز للتسجيل لأول مرة على المنصة، من أجل زيادة استقطاب الزبائن عبرها. وهو ما يفسّر هجوم القناة على ملف التحقيقات.

كما زار رئيس المحطة ميشال المرّ، برفقة الإعلامي مارسيل غانم، القصر الجمهوري بعد بدء التحقيقات. وزار أيضاً النيابة العامة في قصر العدل، قائلاً: «إنها زيارة للتعارف».

بعد الـ«MTV»، وقّعت قناة الـ«LBC»، اتفاقية تقديم خدمات، ثم تبعتها قناة «الجديد»، مع العلم أن كل اتفاقية تختلف عن الأخرى.

وتردد أن «OSS» التي لطالما كانت مستاءة من عدم التزام «الجديد» بنشر تقارير وأخبار ترويجية، عمدت إلى فسخ عقدها مع القناة قبل أسابيع على خلفية إثارتها ملف التحقيقات، متبنيةً الهجوم على «Betarabia».

تجدر الإشارة إلى أن الترويج أو الإعلان عن ألعاب القمار، يُعد مخالفة فاضحة لنصّ المادة 10 من قرار وزير الداخلية الرقم 142 تاريخ 4/5/1991 المرتبط بتنظيم الترخيص لألعاب التسلية في لبنان، وهو قرار فرض حظر الأعمال الدعائية لتلك الألعاب باستثناء لوحة إعلان على باب صالة نادي القمار نفسه.

إضافة إلى المحطات التلفزيونية، كانت “OSS” تدفع مبالغ مالية بسيطة للمواقع الإلكترونية تراوِح بين 500 و1000 دولار، شهرياً، لقاء عدم التعرّض للشركة، علماً أن الشركة نفسها، تولّت تقديم دعم مالي على شكل رعاية لفعّاليات مثل “مهرجانات الأرز” الخاصة بـ”القوات اللبنانية”.

كما هلّلت الـ«MTV» قبل أسابيع إلى أنّها «يدٌ بيد مع BetArabia تقدّم منحة ودعماً مادياً لإنارة القسم الثاني من أتوستراد الضبية – جونية بعد إتمام المرحلة الأولى من هذا المشروع بين كازينو لبنان ونفق نهر الكلب».

وحظر الترويج للقمار، ينسحب كذلك على رعاية الأنشطة الرياضية، لكنّ أندية في كرة السلة رحّبت برعاية «betarabia»، فزيّنت قمصانها بشعار الشركة التي وقّعت عقد رعايةٍ لوضع اسمها على الكرة المعتمدة في مباريات بطولة لبنان لكرة السلة.

كما قدّمت الرعاية للسائق كريستوفر فغالي الذي ينافس في سباقات الفورمولا 4 الإسبانية، إضافةً إلى توقيع عقد رعاية مع الاتحاد اللبناني لكرة المضرب لرعاية منتخب الناشئين.

مصدرجريدة الأخبار - ندى أيوب
المادة السابقةلا قانونية الألعاب على الإنترنت لا تُخفي الصراعات السياسية: حروب أركان السلطة وملوك القمار في لبنان!
المقالة القادمةمن ينقذ البقاع من السوق السوداء واحتكار المحروقات ؟