يوماً بعد يوم يتفاقم «التداول بالكاش» بين اللبنانيين، بفعل تداعيات الإنهيار الاقتصادي والمالي، والمصرفي خصوصاً، الذي يعيشونه منذ قرابة الثلاث سنوات، وفي ظل غياب التوافق بين أركان الطبقة السياسية حول كيفية الخروج منها. وهكذا اصبحت البطاقات الائتمانية (سواء أكانت بالدولار أو بالليرة اللبنانية)، والشيكات وغيرها من خدمات الدفع المصرفية قليلة جداً وتتجه للاضمحلال نسبياً بسبب انهيار الثقة بالقطاع المصرفي. انهيار بدأ مع قيود فرضتها المصارف على المودعين بالدولار وهي الآن تشمل الليرة. كل هذه التطورات أدت إلى تعزيز الاقتصاد النقدي أو الكاش.
وكان هّم اللبنانيين منذ العام 2020 سحب ما يمكنهم من ودائعهم وتخزينها في منازلهم (بعد تحويل ما هو بالليرة منها إلى دولار).
ومؤخرا لم تعد سوبرماركات تقبل الدفع المطلوب عبر البطاقة الائتمانية، والمدارس باتت تشترط تقاضي الأقساط الفصلية عبر صناديقها المالية وليس في المصارف، بغية الحصول على أموال نقدية تسدد منها رواتب المعلمين والاداريين والمصاريف التشغيلية، والتجار عادوا لحمل أموالهم «بالشنطة» لتسديد المبالغ المتوجبة عليهم.
كانوا لا يقبلون الكاش!
وتشير ضحى حراجلي لـ»نداء الوطن» أنها «تنتظر بفارغ الصبر المواعيد الشهرية، التي تسمح لها السحب من وديعتها لتيسير أمورها، ودفع ما يتوجب عليها من فواتير نقداً». وتتذكر أنه «في العام 2018 كيف أن غاليري ذائع الصيت في بيروت رفض أن يتقاضى منها بدل شرائها لأثاث منزلها نقداً (وبالدولار)، بحجة عدم الوقوع تحت طائلة قانون مكافحة تبييض الأموال، وطلب الدفع عبر بطاقات ائتمان او شيكات».
كل هذه التحولات الجذرية (سلباً) تحدث تحت أعين المؤسسات الدولية، التي تراقب تعثر الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد. ما يعني أن لا خطط إصلاحية جذرية في المدى القريب، ولا عودة لدور المصارف الطبيعي. بل على العكس، كل التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، تشير إلى أن لبنان بات في مرتبة متدنية جداً في تطبيق الشمول المالي (استخدام الناس للخدمات والحسابات المصرفية)، بعد أن لعب الكثير من المصرفيين والخبراء اللبنانيين دوراً هاماً في تدريب مصارف دول محيطة، على تطبيق الشمول المالي!
تصنيف جديد سيئ
ففي تقرير صدر عن البنك الدولي في حزيران العام الحالي، حول «المؤشر العالمي للشمول المالي أثناء جائحة كورونا» أظهر أنه على مستوى العالم، وصلت نسبة ملكية الحسابات إلى 76% من البالغين، و71% من البالغين في الاقتصادات النامية، كما تقلصت الفجوة بين الجنسين في ملكية الحسابات لأول مرة في العقد الماضي، وأدت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) إلى تسريع وتيرة اعتماد الخدمات المالية رقمياً.
ويتحدث التقرير أيضاً أنه يمكن لنحو نصف البالغين في البلدان النامية، الحصول على أموال طارئة في غضون 30 يوماً إذا واجهوا نفقات غير متوقعة. ويمكن للحكومات وأرباب العمل من القطاع الخاص، ومقدمي الخدمات المالية تحسين سبل الحصول على الخدمات المالية للبالغين، الذين لا يحصلون على الخدمات المصرفية، والبالغ عددهم 1.4 مليار شخص.
كل ما سبق يعني أن الشمول المالي حجر الزاوية لأي تطور أو تعافي أو نمو إقتصادي في العالم، وفي الوقت الحالي لبنان بعيد كل البعد عن هذه التطورات المالية العالمية. فالنسبة في لبنان هبطت من 45% في 2012 إلى 21% في 2021 لتصبح النسبة قريبة من تلك التي في باكستان.
ولعل من أكثر التداعيات على إبقاء التعامل بالكاش، هي إلصاق صفة الغموض والشك بالإقتصاد اللبناني، لا سيما لجهة إخفاء العمليات المالية والتجارية من دون دفع ضرائب عليها لخزينة الدولة الفارغة أصلاً، بما ينسف كل السُمعة الايجابية للبنان بأنه يطبق مكافحة عمليات تبييض الاموال وتمويل الارهاب، بعد أن أقر في العام 2015 القوانين والتشريعات اللازمة لذلك.
مصرفياً.. تراجعنا 100 عام
يقارب الاقتصادي روي بدارو موضوع إقتصاد الكاش في لبنان، إنطلاقاً من تطور العملة عالمياً وتحولها إلى أساس لبناء الثقة بالنظام السياسي والإقتصادي. ويشرح لـ»نداء الوطن» أن «التبادل التجاري في العالم بدأ بالمقايضة بين البضائع والمنتوجات. بعدها إنتقلنا إلى عملة «الشيكيل» التي صكتها حضارة ما بين النهرين، ثم العملات المعدنية التي بدأ تداولها في اليونان منذ 2500 عام، إلى أن وصلنا إلى العملة الورقية والبلاستيكية (كريديت كارت) والرقمية وآخرها «البيتكوين»، وهذا يعني أن تاريخ البشرية مرّ بعدة مراحل في سبيل دفع أثمان تبادل السلع».
ويلفت إلى أنه «في لبنان تراجعنا مصرفياً منذ الازمة ما يزيد عن مئة عام. صرنا نعيش في مرحلة ما قبل وجود المصارف اللبنانية، والتي كانت تطورت بفعل وجود الرهن للأراضي، وبات بموجبها يمكن للمصرف أن يعطي للزبون خدمة الدين مقابل الرهن». مشدداً على أننا «اليوم في بلد يتعامل بعملتين، وقانون «غريشام» يقول أن العملة السيئة تطرد العملة الجيدة. بمعنى أنه في الازمات يعمد المواطنون إلى إدخار العملة الجيدة والتخلص من السيئة». ويشير إلى أن «هذا ما يحصل في لبنان إذ يود الجميع التخلص من الليرة وشراء الدولار، لأن العملة تعني الثقة بالسياسة والاقتصاد وإستمرارية النظام وإستقراره».
الكاش عدو الثقة والنمو
يضيف بدارو: «العملة معيار للقيمة وتخزين للثروة ووحدة حسابية. وفي لبنان اختفى تخزين الثروة بالليرة اللبنانية، لأن المواطن يعرف أن قدرته الشرائية بالليرة ستتقهقر، بفعل عدم الثبات السياسي والاقتصادي والمالي. لذلك إستباح المصرف المركزي اللبناني المفاهيم الاقتصادية الرصينة، وبات يطبع العملة على إعتبار أنه يحق له إصدارها».
يشرح أن «العملة اللبنانية التي سمحت بتسجيل نمو في التسليف، والودائع والموجودات إختفت وباتت عبئاً. ولم يعد بالإمكان تحقيق نمو من خلال النظام الذي شهدناه، لأننا نحرنا أنفسنا من خلال السياسة النقدية التي كانت متبعة»، مشدداً على أنه «لا يمكن خلق نمو في ظل النظام المصرفي الحالي، إذا لم يحصل تصفية وإعادة تكوين لبعض المصارف الحالية، وإعادة الثقة بين النظام المصرفي اللبناني والدولي حيث توجد العملات الصعبة، وإذا لم يحصل رضا من قبل المجتمع الدولي على النظام الاقتصادي والسياسي اللبناني، من خلال البنك الدولي والصندوق النقد». موضحاً «أن المعادلة هي انه لا يمكن لإقتصاد الكاش أن يخدم النمو، وبقاؤه يعني إستمرار هجرة الشعب اللبناني. والدليل إرتفاع عدد اللبنانيين في الامارات العربية المتحدة، من 250 الف شخص قبل 2019 في الامارات إلى ما يزيد عن 500 الف شخص، هذا عدا عن اللبنانيين المنتشرين في دول أميركا وأوروبا، ما يعني أن الوضع الاقتصادي يرتبط بوجود لبنان ككيان، لذا نحن أمام أمر خطير».
لا ضرائب ولا رسوم لسد عجز الموازنة
ويلفت إلى أن «هناك مشاكل إضافية في إعتماد الكاش، أولها التهرب الضريبي مما يعني عجزاً كبيراً جداً في الموازنة، وثانيها إمكانية تبييض أموال لا تحمد عقباها، ونتيجتها إقصاء لبنان عن النظام المالي والنقدي العالمي».
ويختم: «هناك سياسات يمكنها الحد من إستعمال الكاش، وتتطلب تنسيقاً بين مؤسسات وأجهزة لا ثقة بينها الآن، وننتظر الفرج من انتخابات رئاسية وتأليف وزارة لا غبار عليها من رئيسها الى جميع اعضائها».
الإبتعاد عن الشمول المالي
ينطلق المصرفي والخبير المالي جان رياشي، في شرح مساوئ إقتصاد الكاش السائد حالياً في لبنان، لجهة تداعياته على موقع لبنان في النظام المصرفي العالمي. ويقول لـ»نداء الوطن»: «بهذا النوع من الاقتصاد نتحول إلى بلد عالي المخاطر في تبييض الاموال وتمويل الارهاب. النظام المالي العالمي يكافح الكاش لأنه يخفي حركة الاموال ومصادرها الاساسية وإلى أين تتجه». ويشدد رياشي على أن «هذا يبعدنا شيئاً فشيئاً عن مفهوم الشمول المالي، الذي يسعى الجميع إلى ترسيخه عالمياً، ويثير ريبة الهيئات الدولية التي تقوم بتقييم دوري للأنظمة المصرفية للدول ومنها لبنان. ويعرضنا لتصنيف سلبي يؤثر على موقف المصارف المراسلة، وقبولها او عدم قبولها الاستمرار في التعامل مع المصارف اللبنانية». ويلفت إلى أن «هذا أمر خطير، ولذلك يجب العمل على الحد من إقتصاد الكاش، لأنه يقفل على لبنان ابواب التجارة العالمية. ونصبح أقرب إلى النموذج السوري حيث لا مصارف ومعظم التبادلات التجارية تتم عبر التهريب».
الحل بالدولار “الفريش” مصرفياً
يضيف رياشي: «التعامل بالكاش غير فعال إقتصادياً، وهو أقرب إلى آلية إدارة الدكاكين الصغيرة، حتى لو تعلق الأمر بأكبر المصانع والمؤسسات في لبنان»، لافتاً إلى أن «هذا سببه عدم وجود تحويلات مصرفية، وكل الاموال التي يتم تحويلها يعمد أصحابها إلى سحبها، لأنهم لا يستطيعون القيام بعمليات قطع ولأنهم فاقدون للثقة بالمصارف».
ويرى أن «الخطر كبير من تبييض الاموال، ويجب على الطبقة الحاكمة القيام بالاصلاحات المطلوبة وإعادة هيكلة المصارف»، مشدداً على أن «الحل الوحيد أن يكون هناك دولار «فريش» فيها. وهذا حل غير شعبي، لكن علينا الاعتراف بأن الودائع التي كانت قبل الازمة لم تعد موجودة، ويجب إيجاد حل عادل لها وإخراجها من ميزانيات المصارف، بعد إعادة الهيكلة والتوزيع العادل للخسائر».
ويوضح ان الحل هو «أن يكون هناك ودائع في المصارف مع أصول تحميها، وإلا لن يستقيم وضع القطاع المصرفي في لبنان، وسنبقى غارقين في نظام الكاش».
الخروج من النظام المالي العالمي
في الميزان القانوني يشرح عضو لجنة «فاكتي»، ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين المحامي كريم ضاهر لـ»نداء الوطن»، أنه «لا يمكننا الخروج عن إطار النظام المالي العالمي الذي لديه معايير معتمدة، وهناك مؤسسات دولية ومنها مجموعة العمل المالية، لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (MENA FATF)، التي تقيّم دورياً مدى إلتزام الدول ومنها لبنان بهذه المعايير، لجهة تبييض الاموال وتمويل الارهاب». مشيراً إلى أنها «زارت لبنان مؤخراً ودرست مدى تقيده بالقانون 44/2015، المتعلق بمراقبة العمليات المالية التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة، مع تمويل الارهاب وتبييض الاموال، والتي يمكن للمصارف والمؤسسات المالية والوسطاء، أن يلعبوا دوراً مُسهلاً في هذه العمليات المشبوهة».
يضيف: «التداول بالكاش خلال المعاملات التجارية يفتح المجال لعمليات تبييض الاموال، وهذه العمليات ستكون محل إدانة من المنظمات الدولية مثل «غافي» او «فاتف» وكل المنظمات الاخرى، وستكون نظرتهم سلبية للبنان، مما يخفف حماسة البنوك المراسلة من التعامل مع المصارف اللبنانية، ونتحول إلى بلدان مثل إيران وكوريا الشمالية، وخصوصاً سوريا الذي يعتبر لبنان متنفساً مالياً لها».
ويسأل: «إذا حصل هذا التصنيف السيئ وتوقفت المصارف المراسلة عن التعامل معنا، فمن هي الدولة التي ستشكل متنفساً للبنان؟ إذ ستمنع التحويلات إلى خارج لبنان أو من الخارج إلى الداخل».
ويشدد على أن «هذه المعايير الدولية تفرض أن يكون لدى لبنان شمول مالي، أي أن كل العمليات المالية تتم من خلال النظام المصرفي داخلياً»، لافتاً إلى أن «إقتصاد الكاش له مساوئ على صعيد موقع لبنان على الخريطة الدولية، ونحن نحتاج إلى إستيراد المواد الاولية للقطاعات الانتاجية، والمواد الاساسية التي يحتاجها المواطن».
الحل متكامل وليس ترقيعياً
يؤكد ضاهر أن «التهرب الضريبي يحصل اليوم على أوسع نطاق، لأن نظام الكاش يسمح بإخفاء عمليات تجارية أو نقدية حصلت لكنها غير موثقة، مما يخفف من إمكانية الدولة في زيادة إيراداتها، وبالتالي القيام بدورها التنموي والرعائي تجاه المواطنين، خصوصاً في ظل الازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بنا».
ويرى أن «الحل متكامل من خلال إعادة هيكلة المصارف، كي تستعيد دورها من خلال خطة إصلاحية شاملة، تضع الديون التي لا تستطيع المصارف تسديدها في صندوق إئتماني او سيادي تضمنه الدولة وتعمل على تسديده للمودعين»، مشدداً على أن «هذه الخطوة يجب أن تحصل من دون تبديد أصول الدولة. والمصارف التي يمكنها الاستمرار تتم رسملتها من جديد، تمهيداً للعب دورها الاساسي في تمويل الاقتصاد وتنويع إستثماراتها».
ويختم: «منذ بداية الازمة كان هناك 8 مليارات دولار تدور في السوق اللبناني، اليوم يقدر المبلغ بـ30 ملياراً، من ضمنها الاموال المخزّنة في المنازل».
التداعيات على القطاع التجاري
يؤكد ممثل القطاع التجاري في المجلس الاقتصادي- الاجتماعي عدنان رمال، لـ»نداء الوطن» أن «الكاش له مردود سيئ على القطاع التجاري بالتحديد. لأنه يحمّل الشركات والتجار مخاطر كبيرة، ويحرمهم من الامان الذي كان يؤمنه الإعتماد المصرفي»، شارحاً أنه «قبل الازمة كانت المصارف لا توافق على صرف أي إعتماد مالي، عند شراء أي نوع من البضائع إلا بعد التدقيق في صحة البضائع، وسلامة إستلامها وغيرها من الاجراءات»، ويلفت إلى أن «هناك معاملات مصرفية كانت تسمح للتاجر بالدفع، بعد إستلام البضائع مما يسهل عليه أعماله. وكل هذه التفاصيل والآليات المصرفية إختفت اليوم، نتيجة توقف المصارف عن لعب دورها الاساسي والطبيعي».
يضيف: «للأسف المشكلة الاقتصادية والمالية لا تزال تراوح مكانها، من دون إيجاد حلول حقيقية وجذرية لها. ولم تتم إعادة الهيكلة المصارف، أو إيجاد آليات مناسبة تسمح للتجار من إتمام عمليات البيع والشراء من خلال المصرف». مشدداً على أن «تعدد أسعار صرف الدولار يزيد من هذه المشكلة تعقيداً، ويمنع التجار من العودة إلى نظام البيع بالتقسيط، على غرار ما كان يحصل قبل الازمة. بل كل العمليات تتم بالكاش مما أدى إلى جمود كبير في العديد من القطاعات، ومنها القطاع العقاري وأثّر ذلك سلباً على أكثر من 40 مهنة».
يؤكد رمال أن «الاقتصاد النقدي سيئ لجميع الاطراف ومخاطره عالية، ولا يسمح بعمليات التطور والنمو في القطاع التجاري والاسواق الداخلية، وهذا ما يحتاجه لبنان ولا سيما قطاع السيارات والعقارات والمفروشات. ويشدد رمال على أن «الحل يجب أن يكون جذرياً، أي من خلال إعادة هيكلة المصارف ضمن خطة إنقاذ شاملة، لأنه لا يمكن بناء إقتصاد على أسس طبيعية وعالمية، من دون نظام مصرفي سليم، ولم تعد تفيد الحلول الترقيعية».
يضيف: «مرّت 3 سنوات هدرنا فيها الكثير من الحلول، التي كان يمكن تطبيقها بكلفة أقل، ولا يمكن لأي حلول ترقيعية أن تحل المشكلة المالية في لبنان».
“حزب الله” أحد أكبر المستفيدين
يرى روي بدارو أن «حزب الله غير مستفيد من نظام الكاش خلافاً لما يقال. بل بهذا النمط من الإقتصاد يحد من خساراته، فهو يمول مؤسساته من دولارات تأتيه من الخارج، ولديه مجموعة من المستفيدين من الفروقات في سعر الصرف لدولار السوق السوداء»، مشدداً على أن «اللبنانيين بجميع أطيافهم يدفعون الثمن من الانهيار الاقتصادي، لكن الحزب هو الاقل تضرراً. ولكنه محشور، ويريد الخلاص من هذه الازمة ضمن الشروط التي تحفظ له الوجود السياسي والإقتصادي الخاص به، أي من خلال الوزارات، ولا سيما وزارة المالية وهذا ما أعتبره أمراً خطيراً، لأنه من المجحف لبقية اللبنانيين أن تعتبر الطائفة الشيعية أن هذه الوزارة هي من مكتسباتها الخاصة».
على أي حال، لا يخفي «حزب الله» عداءه للنموذج الاقتصادي الرأسمالي الغربي. وهناك من يؤكد بأن الانهيار الاقتصادي الحاصل، والعودة إلى نظام الكاش أفاد «البرجوازية الشيعية» والشركات المملوكة، من قبل طبقة المستثمرين الشيعة الذين يدورون في فلك الحزب، ويستخدمها كقاعدة لاستقطاب الأموال من الجهات الفاعلة العامة والخاصة في الداخل والخارج.
كما يتم تحميل «حزب الله» مسؤولية الإساءة لسمعة القطاع المصرفي قبل بداية انهياره التدريجي، وخصوصاً بعد أن اتهم بأنه يستخدم بعض المصارف، لتسهيل جزء من أنشطته المالية وخرق مبادئ مكافحة تبييض الأموال، والتي إنعكست على القطاع المصرفي برمّته، وتراجعت بفعلها- وبفعل عوامل أخرى- ثقة المستثمرين بذلك القطاع، برأي البعض.
والسؤال الذي يطرح هنا كيف يستفيد «حزب الله» من نظام الكاش؟
بحسب مراقبين، منذ إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية في سبتمبر/أيلول 2019، وبدء كبار المودعين سحب أموالهم من المصارف اللبنانية وتهريبها إلى الخارج او تخزين بعضها في البيوت، باشر «حزب الله» عبر صيارفة معروفين بإنتمائهم له، بوضع يده على جزء من السيولة بالدولار، والعملات الأجنبية المتوفرة في الأسواق اللبنانية، من خلال شبكة من محال الصيرفة القانونية وغير القانونية في عدد من المناطق اللبنانية، وخصوصاً في البقاع والضاحية الجنوبية. حيث هناك من اتهم تلك الشبكة بإمتصاص سيولة دولارية والمضاربة على سعر الليرة الوطنية.
ويرى مراقبون أن الحزب إستفاد من تلك السيولة، من خلال توظيفها في منظومته الاقتصادية، لزيادة التحكم بعمليات الاستيراد والتهريب والتجارة الداخلية، وخصوصاً في مناطق نفوذه. حيث مكّنه دخوله وبقوة على خط الاستيراد، من زيادة قدرته على تنويع موارده، وتأمين سوق أوسع للمنتجات السورية والإيرانية، وتنفيع الشركات والتجار الدائرين في فلكه والذين يُعتبرون جزءاً مهماً من منظومته الاقتصادية.
ويستفيد الحزب بحسب تقارير من انهيار النظام المصرفي، وإستبدال دوره بالاقتصاد النقدي من خلال التحرر من القيود المالية والمصرفية على الإستيراد، والعمليات التجارية التقليدية القائمة على فتح الاعتمادات والتحويلات، بهدف زيادة حصته في أسواق الاستيراد، وتحرير الدولار الاميركي من المصارف، ليسيطر على أكبر قدر من العملة الصعبة في البلاد، ولكي يتمكّن بالتالي من الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليه وعلى النظامين السوري والإيراني.
الاتجاه إلى شراء خزائن كبيرة… للمال والسلاح والمستندات
بعد حصول الأزمة النقدية وفرض المصارف ضوابط، وقيوداً على السحب والتحويل وصرف الشيكات، تزايد الإقبال في لبنان على شراء الخزائن، لحفظ الأموال والمجوهرات على نحو غير مسبوق. فبحسب أرقام الدولية للمعلومات لـ»نداء الوطن»، تمّ في العام 2020-2021 شراء 37 ألف خزنة من مختلف الاحجام، و35% من هذا العدد بلغ سعر الواحدة منها أكثر من 2000 دولار».
ويشرح حسام حلال (صاحب مؤسسة تبيع الخزنات) لـ»نداء الوطن»، «أنه قبل الازمة كانوا يبيعون خزنات بأحجام صغيرة، تناسب المنازل ولم يكن الطلب عليها كثيفاً، لكن الاقبال على شرائها إزداد إبتداء من العام 2020 وبأحجام متعددة وكبيرة للمنازل، والشركات وبمواصفات عالية (ضد الحريق)»، لافتاً إلى أنه «لا يمر يوم دون أن يسأل زبون عن خزنة. أما الذروة فكانت في العامين الماضيين، حين كان الناس بإمكانهم سحب أموالهم وتخزينها في المنازل، وحالياً الإقبال على شراء الخزنات مستمر ولكن بنسبة أقل».
ويشرح بأن «المواصفات المطلوبة للمنازل هي أن تكون بعمق 70 سنتم وإرتفاع 80 سنتم، وأن يصل وزنها إلى 200 كيلو كي لا يتمكن السارق من حملها بسهولة. أما الاوزان الصغيرة فيمكن تثبيتها بالجدران».
ويشير إلى أن «الاسعار تتراوح ما بين 40 دولاراً إلى 800 دولار، كما أن هناك إقبالاً على خزنات الاسلحة في المنازل لضمان عدم عبث الاطفال بها في غياب الاهل. والشركات تطلب خزنات للسلاح وللمستندات تتحمل درجات عالية من الحرارة أثناء الحرائق».
ويختم: «صحيح أن السارق يجد دائماً الطرق المناسبة لفتح الخزنات، لكن هذا الامر ينطبق على الموديلات القديمة، أما الموديلات الحديثة فأقفالها من 4 جهات ولا يمكن فتحها بسهولة».