تفاقم مخاطر الأزمة المالية يهدّد النظام برمّته.. أين الدولة من المعالجة؟!

أثبتت التجارب الدولية والأزمات العالمية على مرّ السنين، أن معالجة “أزمة نظامية” تختلف تماماً عن معالجة أي أزمة عادية… أمرٌ لا لُبس فيه ومفروغ من أي جدل. إذ إن أزمة مصرف واحد قد تتم معالجتها في المصرف نفسه أو ربما يتولى البنك المركزي حلّها بمفرده ويصوّب الوضع.

لكن عندما تهدّد النظام برمّته أزمة مالية كانت أم نقدية أم مصرفية أم اقتصادية، فالدولة مسؤولة عن الإسراع إلى معالجتها برؤية واضحة موحّدة “قابلة للتطبيق”.

أما في لبنان فالسير دائماً عكس التيار.. فالأزمة القائمة التي تحمل من مخاطر لا يمكن لأي عاقل إغفالها، يتم لبننتها لدرجة التعاطي معها بخفّة متناهية، إلى أن وصل الأمر إلى اتهام مَن يعترف بأن الأزمة “نظامية” بحتة، بأنه يتهرّب من القيام بمسؤوليّاته وينأى بنفسه عن المساءلة والمحاسبة عبر تحميل الدولة المسؤولية عبر هذا التصنيف!

إن أي أزمة صغيرة ممكن أن تنشأ في أي بلد ذات مخاطر نظامية، من الممكن أن تتحوّل إلى أزمة نظامية إن لم يتم معالجتها في الوقت المناسب ووفق الإجراءات المطلوبة. أما في حال إهمالها فتصبح أكثر عمقاً وحديّة وتكون أضرارها أكبر وفترة المعالجة أطول. وعند الوصول إلى أزمة نظامية لا يمكن العودة إلى الوراء، بمعنى أنها لن تتحوَّل إلى أزمة صغيرة محدودة اقتصادية أو غيرها.

مصدر اقتصادي يستغرب عبر “المركزية”، “إصرار البعض على اعتبار أن الأزمة القائمة في لبنان غير “نظامية” بهدف الالتفاف على الطرف الآخر ظناً منه أن الأخير يتهرّب من مسؤوليّته! في حين أن الدولة هي مَن تسبّبت بهذه الأزمة، إذ إن الجزء الأكبر من الأموال والخسائر المسجَّلة في هذه الأزمة تتحمّل الدولة مسؤوليّته كونها هي مَن أنفقت هذه الأموال”.
“ليس المطلوب مساهمة الدولة في المساعدة المالية لحل الأزمة التي تنتهي بأزمة ودائع مصرفية، ليس مطلوب ذلك البتة” يجزم المصدر، “إنما المطلوب من الدولة أن تسدّد التزاماتها وتَفي ديونها أو أن تقرّر جدولتها على الأقل كي تضع على هذا الأساس خطتها الشاملة لكل القطاعات وبالتالي الخروج من هذه الأزمة”.

ويوضح أن “وفق المعايير الدولية، لا تلك المعمول بها في لبنان فقط، إن أي تصنيف أي أزمة مالية أو نقدية أو مصرفية على أنها ذات “مخاطر نظامية”، لا يحمّل الدولة المسؤولية عموماً، بل يحمّلها مسؤولية التسبّب بهذه الأزمة. ومن جهة أخرى، لا علاقة لهذا التصنيف بالمحاسبة والمساءلة. فتصنيف الأزمة “نظامية” لا ينفي مبدأ المحاسبة والمساءلة بل يبقى قائماً. فيما المؤسسات والأفراد الذين ساهموا في اندلاع الأزمة قد يخضعون للمحاسبة بطبيعة الحال”.

ويُشير إلى أن “الفارق الوحيد بين الأزمة “النظامية” والأزمات الأخرى، يكمن في أن الأولى تدفع الدولة إلى الأخذ على عاتقها معالجة الأزمة أي أن تضع الخطة الشاملة، لأن الأزمة “النظامية” هي على مستوى النظام المالي والاقتصادي برمّته، وبالتالي تصبح الدولة هي المسؤولة بالتعاون بين الأطراف كافة”، ويتابع: فالأزمة النظامية ممكن أن تبدأ من أي مكان، قد تكون أزمة اقتصادية أو نقدية بسيطة أو أزمة حصلت في أحد المصارف، ولأنها تحمل مخاطر تضرب النظام المالي والاقتصادي برمّته، يتم تصنيفها فوراً “أزمة نظامية” قبل بلوغ المخاطر. لكن في الحالة اللبنانية فيمكن وصف المناكفات الحاصلة بـ”السخيفة” إذا صحّ التعبير.

ويشدّد المصدر على أن “الأزمة اللبنانية الراهنة “نظامية” بامتياز حادة وعميقة بإجماع خبراء الاقتصاد والمال. الأمر الذي يستلزم على الدولة بأجهزتها ومؤسساتها كافة العمل على معالجتها سريعاً”.

ولم يغفل المصدر التذكير على سبيل المثال لا الحصر، “بالأزمة المالية التي حصلت في الولايات المتحدة الأميركية عام 2008 بسبب رهن عقاري وأوراق مالية مركّبة، لكن السلطات الأميركية أدركت سريعاً فور بروز بوادر الأزمة، أن للأخيرة مخاطر نظامية كبيرة جداً، فصنّفتها أزمة “نظامية”. وانكبّ مجلس الشيوخ مع مجلس النواب والإدارة الأميركية والبنك الفيديرالي ووزارة الخزانة على إيجاد حل إنقاذي… فاستنفر جميعهم ووحّدوا الموقف واتخذوا إجراءات المعالجة انطلاقاً من أن لهذه الأزمة ربما أضراراً جسيمة وأنها من الأزمات الحادة”.

هذا النوع من الأزمات يستوجب هذا النوع من المعالجات… أين الدولة اللبنانية منها؟!

مصدرالمركزية - ميريام بلعة
المادة السابقة“الهيركات” مستمر: موعد إقرار 25000 ليرة للدولار اقترب
المقالة القادمةاستمرار التجاذب في تحديد سعر جديد للدولار المصرفي قد يؤدي الى سحب