تقرير البنك الدولي: أعظم «شهادة بالفشل»؟

قبل الغوص في الظروف التي دفعت البنك الدولي الى اطلاق التحذير الأكثر خطورة وشدّة، لا بدّ من اعادة التذكير بمجموعة التقارير التي صدرت عن المؤسسات الدولية المكلّفة التصنيف الائتماني للدول والمؤسسات، ومحاكاة الاوضاع الاقتصادية والنقدية التي تناولها صندوق النقد الدولي قبل 4 سنوات على الأقل، والتي تحدثت عن مؤشرات مالية واقتصادية ونقدية خطيرة جداً. وبدلًا من التوقف عند مضمونها وقراءتها بالجدّية المطلوبة، أمعن اركان السلطة في تجاهلها والاستمرار في السياسات المالية والإدارية التي قادت الى ما حذّرت منه هذه المؤسسات الدولية الكبرى.

كان واضحاً انّ كل الاقتراحات والنصائح التي اعتمدتها مجموعة الدول الداعمة للبنان وتلك المانحة، القت اللوم عند الحديث عن الفشل في مواجهة الاستحقاقات الكبرى الى فقدان القرار السياسي المطلوب لاتخاذ مجموعة الإصلاحات التي كلّ المجتمع الدولي وملّ من تعدادها، من مسلسل مؤتمرات باريس الثلاثة، الى «سيدر 1» وما بينهما وما تلاهما من مجموعة الورش المالية التي خُصّصت للبحث في طريقة مساعدة لبنان.

عند هذه الحدود يتطلع المراقبون الماليون كما السياسيون، إلى مضمون تقرير البنك الدولي. فقرأوا فيه إدراج اسم لبنان على صفحات كتاب جديد يتحدث عن تجارب «الفشل الدولية»، ووضع لبنان في المراتب الثلاث الدنيا في العالم، من أصل 10 عالمية عُرفت بهذه الصفات منذ القرن التاسع عشر. وكل ذلك يجري في وقت يواصل المسؤولون اللبنانيون مناكفاتهم على وقع «حروب صغيرة» و»وضيعة»، جعلت من آلام اللبنانيين وقوداً لطموحاتهم الشخصية الى درجة توسعت فيها رقعة المقاطعة الدولية والعربية والغربية.

وبمعزل عن هذه المعطيات الاقتصادية والديبلوماسية والسياسية المعقّدة والمتشابكة، رفع الخبراء الماليون من تحذيراتهم من مضمون تقرير البنك الدولي، ووجّهوا أكثر من دعوة الى مسؤولين في القطاعين العام والخاص والمصرفي خصوصاً، الى ضرورة استعجال الخطوات السياسية التي تعيد تكوين السلطات في لبنان، وأولها عملية تشكيل الحكومة، والتي ان لم تكن الحل كله، فهي الخطوة الاولى على الطريق المؤدي الى التعافي والانقاذ، وهو مطلب دولي اكثر مما هو محلي أو داخلي.

إلّا انّ واحداً من الخبراء الدوليين حذّر مسؤولاً لبنانياً من مخاطر الشلل في مجلس القضاء الاعلى وانعكاساته المترتبة على فقدان الحوكمة الرشيدة. والأخطر منها، الشلل في المجلس الدستوري الذي يعوق عمل المجلس النيابي الذي لا يمكنه التشريع في ظل غياب هذا المجلس، مخافة ان تتجدّد المخالفات الدستورية.

ختاماً، لا بدّ من اعادة قراءة تقرير البنك الدولي بنقاطه وما دلّت إليه المؤشرات المالية والاقتصادية لمواجهتها بالقرارات السياسية المناسبة. فهو في نظر المراقبين المحايدين أعظم شهادة بفشل أركان السلطة في ادارة شؤون البلاد.

مصدرجريدة الجمهورية - جورج شاهين
المادة السابقةدفتر المرور بين لبنان وسوريا بـ 200 دولار؟
المقالة القادمة«المركزي» يُقدّم مراجعة إلى شورى الدولة لوقف قراره وسحب فتيل الشارع