انخفض قليلاً منسوب التشنّج الذي نتج من مأساة الكحالة، من غير أن تنتفي تأثيراته السياسية والشعبية نتيجة الاحتقان القائم وتعثّر المعنيين في تقديم علاجات شافية لحالات التشقق المجتمعي.
الحاصل أن سوء الفهم بين المكوّنات السياسية غالبا ما ينعكس سلبا على القواعد، إلى جانب انتفاء الحدّ الأدنى من إدراك مجمل الأفرقاء خصوصيات بعضهم البعض وتركيباتهم السوسيولوجية. وهذا ما يغذّي حالات التشنّج ويمنح بعض الأفرقاء القدرة على الاستثمار، وأحيانا كثيرة التوظيف في الدماء البريئة.
في اليومين الأخيرين، أودع أهالي ضحيتيّ الكحالة إبنيهما الثرى من غير أن يودّعوا أحزانهم. وتبقى الخشية من أن تتكرّر هكذا مأساة في أكثر من منطقة، طالما أن المعنيين لم يعتبروا، ولم يظهروا الحد الأدنى من ضرورات المراجعة الذاتية.
في أي حال، لم تحجب التطورات الأمنية الاهتمام بالمستجدات المالية، وخصوصا تلك المرتبطة بالعقوات الأميركية على الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وما نتج عنها من هلع في صفوف أركان المنطومة. كما أن التقرير الأولي للتدقيق الجنائي في المصرف أخذ هو الآخر حيزا من الاهتمام بالنظر إلى الحقائق التي أوردها في ٣٣٢ صفحة موزعة على ١٤ فصلاً غطّت الفترة بين ٢٠١٥ و٢٠٢٠، وأضاءت على تجاوزات وغياب للرقابة الداخلية وسوء إدارة جعلت المركزي يتكبد خسائر مالية ضخمة بسبب سياسته النقدية، فتراكمت حتى زادت عن الـ ٥٠ مليار دولار. وهي
خسائر أخفاها سلامة في ميزانية المصرف بعيداً عن بيان الأرباح والخسائر.
كما أظهر التقرير أن سلامة استخدم معايير محاسبيّة غير تقليديّة لإعداد بيانات ماليّة وذلك على عكس مصارف مركزيّة أُخرى، وانّه فعل ذلك دون أي شفافيّة مع إخفاء الكثير من المعلومات. وعمل على تحفيز النّمو الإقتصادي من خلال تراكم الخسائر وزيادة الدّيون. فتراجع المركزي من ربح ٧،٢ مليارات دولار في نهاية العام ٢٠١٥ إلى خسارة ٥٠،٧ مليار دولار في نهاية العام ٢٠٢٠. وصار وضعه الصّافي (الرأسمال) ٥١،٣ مليار دولار (سلبي-خسارة) في نهاية العام ٢٠٢٠. الى جانب أن لبنان الذي سبق وبلغ ناتجه المحلي الإجمالي ٣١،٢ مليار دولار، كان بحالة نقص بـ ٧١،٩ مليار دولار بالعملة الأجنبيّة في نهاية العام ٢٠٢٠. وتدهور الوضع المالي للمصرف بسرعةٍ هائلة، ولكن هذا الوضع لم ينعكس إطلاقاً في الميزانيّات.
وكشف التقرير أن كلفة الهندسات الماليّة وحدها بلغت ٨٥ ترليون ليرة سنة ٢٠٢٠، توازي وقتها ٥٤ مليار دولار. وسُجّلت الخسائر في “حسابات التّسوية”، فيما لم تظهر الميزانيّة أي خسارة. كما لم يتمّ تقديم أي تفسير أو تبرير لدفع الفوائد للمودعين والمقترضين الكبار.
ويتحدّث التّقرير الأولي الجنائي عن عدم شرعيّة التّحاويل إلى شركة فوري، بما لا يقلّ عن ١١١ مليون دولار من أصل ٣٣٣ مليون دولار. ويلفت الى غياب تأكيد واضح عن إحتياط الذّهب، في موازاة إستخدام مصرف لبنان طباعة النّقود والعملة، ممّا أدّى إلى زيادة الإنفاق في البلد، بما في ذلك الإنفاق العام، نتجت منه مشكلة تضخّم أثّرت في إستقرار سعر الصّرف.
وعُلم أن شركة التدقيق اشتكت من أنها حصلت فقط على ٣٠٪ من المعلومات التي طلبت الحصول عليها، مما يعني أن الـ٧٠٪ التي حُجبت قصدا وعمدا، تخفي الكثير من الارتكابات.