ظل الحديث عن العملات المشفرة، التي بلغت ذروتها القصوى مع بداية العام الجاري بعد أن تضاعفت قيمتها بوتيرة متسارعة منذ مطلع 2021، يدور عن استحالة وقف تقدمها الجامح قبل أن تفجر تداعيات الأزمة في شرق أوروبا فقاعتها.
وعززت الضغوط العنيفة على تطبيقات التمويل اللامركزي حالة الغموض وعدم اليقين بعدما حلقت شعبيتها باعتبارها مصدرا للعوائد المرتفعة وتسببت في موجة ازدهار قياسية في سوق الرموز المشفرة زمن الوباء.
ويحاول المحللون الآن فهم تأثيرات ما يحدث وتفسير التداعيات المستقبلية عليها، خاصة وأنها لا تخضع لسيطرة الحكومات أو حتى البنوك المركزية، كالعملات التقليدية، بل يتم التعامل بها فقط عبر شبكة الإنترنت، دون وجود فيزيائي لها.
ومع أن ثمة شقا من الخبراء يرون أنه لا يوجد ما يحول دون تذبذب العملات المشفرة بشكل كبير مثلما يحصل هذه الآونة حتى لو تمت معاملتها مثل الذهب على الرغم من أن المعدن الأصفر لا يتذبذب بهذا المقدار، إلا أن هذه الحالة تكشف مدى هشاشة السوق أوقات الأزمات.
وآخر المتضررين من هذه الموجة منصة بت أويسس التي تركز على الشرق الأوسط ومقرها الإمارات، التي أكدت الأحد الماضي أنها استغنت عن تسعة من موظفيها، لتصبح أحدث شركة في القطاع تلغي وظائف في مواجهة انكماش واضطراب السوق.
وقالت علا دودين الرئيسة التنفيذية والشريكة المؤسسة لبت أويسس، التي تأسست في عام 2015، وهي أول منصة للأصول الرقمية بالمنطقة، في رسالة بالبريد الإلكتروني لرويترز إنه قبل أيام “تم الاستغناء عن تسعة موظفين بمكاتب في دبي وأبوظبي وعمّان”.
وأكد متحدث باسم الشركة، لم تذكر رويترز هويته، إن “هذا يمثل ما يقرب من 5 في المئة من القوى العاملة بالشركة” التي تخدم عملاء ناطقين باللغة الإنجليزية والعربية في منطقة الخليج العربي.
وفي الأسبوع الماضي قامت شركة كوين بيز غلوبال لتداول العملات الرقمية بشطب 10 في المئة من الوظائف لديها “بسبب التباطؤ الاقتصادي” وأنها ستستكمل خطتها بنهاية يونيو الجاري.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن الشركة قولها في بيان إنها ستخفض “القوة العاملة لديها بواقع نحو 1100 عامل” ليتقلص عدد الوظائف إلى خمسة آلاف فقط. وتتوقع كوين بيز غلوبال أن تصل تكاليف إعادة الهيكلة قرابة 45 مليون دولار.
وكانت شركة جيميني تراست للعملات المشفرة قد أبلغت منتصف الشهر الماضي موظفيها عن خطط لخفض قوتها العاملة بنسبة 10 في المئة.
كما قامت شركة رين فاينانشيال، وهي واحدة من أكبر بورصات العملات المشفرة في الشرق الأوسط، والتي لديها مستثمرون كبار من وادي السيليكون أيضا بخفض قوتها العاملة، وتسريح العشرات من الموظفين.
وتأثرت السوق بالتقلبات الشديدة مع قيام مقرض العملة المشفرة سيلسيوس نتورك بتجميد عمليات السحب في بداية الأسبوع الماضي.
وجاءت الخطوة بعدما بدأ المستثمرون في التخلص من الأصول مرتفعة المخاطر نتيجة تصاعد المخاوف من رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لأسعار الفائدة للحد من التضخم الآخذ في الارتفاع.
وقالت سيلسيوس، التي تضم 1.7 مليون زبون، في تغريدة على حسابها في تويتر إن “ظروف السوق القاسية أجبرتها على وقف جميع عمليات السحب ومقايضات العملات المشفرة والتحويلات بين الحسابات مؤقتا”.
وأكد مسؤولوها أنهم اتخذوا هذا الإجراء الضروري لمصلحة المتعاملين بغية تحقيق الاستقرار في السيولة والعمليات، وأيضا للحفاظ على الأصول وحمايتها.
ووفق البيانات المنشورة على منصتها الإلكترونية، تمتلك سيلسيوس المسجلة في بريطانيا حوالي 3.7 مليار دولار من الأصول، وتقوم بدفع فوائد على ودائع العملات الافتراضية وتقرضها لتحقيق العائد.
وفي أكتوبر الماضي جمعت سلسيوس 400 مليون دولار من صندوق كيبيك للودائع، الذي أبدى ارتياحه للشراكة مع “الجهة الرائدة في العالم للقروض بالعملة المشفرة”.
وفي حين أن سوق العملات المشفرة كان يساوي أكثر من ثلاثة تريليونات دولار في ذروته قبل سبعة أشهر، فإنه يقترب من تريليون دولار وفقا لموقع كوينغيكو الذي يرصد أكثر من 13 ألف عملة مشفرة مختلفة.
وفي العام الماضي اجتذب هذا القطاع الذي مازال يعد ناشئا عددا متزايدا من المستثمرين الماليين التقليديين، الذين فتحت شهيتهم للمخاطر السياسات المتساهلة للغاية للبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم.
ويرى بعض مسؤولي الأصول المشفرة أن انخفاض أسعار بتكوين دون مستوى 20 ألف دولار قبل أن تعاود الارتفاع فوق هذ الحاجز قد يؤدي إلى المزيد من تصفية مراكز الاستثمار المدعومة بالقروض.
وانخفضت قيمة هذه العملة، التي تعد الأكثر تداولا في أسواق العالم، بنسبة 57 في المئة تقريبا منذ بداية هذا العام، بينما عانت عملات أخرى من خسارة أكبر.
ونسبت رويترز إلى إدوارد مويا كبير محللي السوق للأميركتين لدى أوندا قوله إن “كسر حاجز 20 ألف دولار يظهر انهيار الثقة في قطاع العملات المشفرة، وهذا ما نشهده في الآونة الأخيرة”.
وأضاف “يوجد عدد كبير جدا من العملات المشفرة والبورصات التي تتعرض لضغوط مالية هائلة نظرا لزيادة تكاليف الاقتراض”.
وخسرت عملة إيثريوم 7.8 في المئة من قيمتها خلال تداولات الاثنين، لكنها تماسكت فوق الألف دولار للوحدة، بينما انخفضت قيمة سولانا وكاردانو ودوج كوين وأنهت التداولات في المنطقة الحمراء.
ويشير هذا النمط من التأرجح إلى أن ثقة المستثمرين هشة إلى درجة كبيرة فيما يتحرك المركزي الأميركي بأقصى سرعة لمواجهة ارتفاع التضخم بزيادة أسعار الفائدة التي تمتص السيولة النقدية من الأسواق.
ويتوقع آرثر هايز مؤسس مشارك بورصة بيت ميكس للرموز المشفرة، الذي قفز مؤشرها لتقلب عملة بتكوين لأعلى مستوى له هذا العام، المزيد من البيع الاضطراري لعملتي بتكوين وإيثريوم عندما تكتشف الأسواق من الذي يسبح ضد التيار.
ولا توجد دلائل بشأن ما إذا كانت موجة البيع قد انتهت، ولكن هايز يقول إنه “بالنسبة إلى أولئك المستثمرين المهرة في التقاط الأصول المنهارة قد تظل هناك فرص أخرى لشراء العملة من هؤلاء الذين يجربون كل صفقة بصرف النظر عن الأسعار”.