تكنولوجيا تكييف الهواء أكبر التحديات من التغير المناخي

كشفت حرائق ولاية كاليفورنيا الأميركية بالتزامن مع موجة الحرّ غير المسبوقة، أن تكييف الهواء يشكل أحد أكثر تحديات تغيّر المناخ خطورة وإحدى أكبر المشكلات التي يصعب حلها من الناحية التكنولوجية، حيث يمثّل تزايد عدد السكان وتنامي الدخل والتوسع الحضري وارتفاع الحرارة تهديدا لشبكات الطاقة وتسرّع كلها من الاحتباس الحراري.

تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الطلب المتزايد على أجهزة التكييف يشكل تهديدا لشبكات الطاقة ويسرّع من الاحتباس الحراري، إذا ما لم يتم التسريع في إجراء تغييرات كبيرة.

وعندما ضربت موجات الحَرّ غير المسبوقة سكان ولاية كاليفورنيا الشهر الماضي، أدى العبء الجماعي الناجم عن تشغيل الملايين من أجهزة تكييف الهواء إلى إجبار مشغلي شبكة كهرباء الولاية على إغراق مئات الآلاف من المنازل في الظلام.

وحذّرت منظمات دولية في مجال الطاقة من أن الطلب المتزايد على أجهزة التكييف سيمثل تهديدا لشبكات الطاقة ويسرّع من الاحتباس الحراري، إذا ما لم نسارع لإجراء تغييرات كبيرة.

وقدَّم الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لمحة بسيطة حول ما يمكن أن يحدث ليس فقط في كاليفورنيا، وإنما في مناطق أخرى كثيرة أيضا؛ حيث أن تزايد عدد السكان وتنامي الدخل والتوسع الحضري وارتفاع درجات الحرارة في الصيف قد تؤدي إلى مضاعفة عدد وحدات التكييف المثبَّتة في جميع أنحاء العالم بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول منتصف القرن، ما يدفع عددها الإجمالي إلى 6 مليارات وحدة، وفقا لتقرير مستقبل التبريد الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة.

وقال تقرير نشره موقع “أم.أي.تي تكنولوجي”، إن تكييف الهواء هو أحد أكثر تحديات تغير المناخ خطورة، وإحدى أكبر المشكلات التي يصعب حلها من الناحية التكنولوجية.

وكلما ارتفعت درجة الحرارة في العالَم، ازدادت حاجتنا إلى التبريد، ليس فقط من أجل الراحة، ولكن أيضا من أجل الصحة والنجاة والصمود في أجزاء كبيرة من العالم.

بيد أن مكيفات الهواء نفسها تنتج ما يكفي من الحرارة للتسبب بزيادة ملموسة في درجات الحرارة في المناطق الحضرية، كما أنها تسرِّب غازات دفيئة شديدة الفعالية. وبالإضافة إلى ذلك، ستشكل هذه المليارات من الوحدات الجديدة المتعطشة للطاقة أحد أكبر مصادر زيادة الطلب على الكهرباء في جميع أنحاء العالم.

وما لم يتم إجراء تحسينات كبيرة بهذا الخصوص، فسوف يرتفع الطلب على الطاقة الناجم عن التبريد بمعدل ثلاثة أضعاف أيضا، ليصل إلى 6.200 تيراواط/ساعة بحلول عام 2050، أو ما يقارب الربع.

شح التمويل
على الرغم من جسامة التحديات المتعاظمة، كان التمويل المتدفق إلى هذا القطاع قليلا نسبيا، ولم يتم تسجيل سوى تقدم ضئيل في المنتجات الموجودة في السوق. وبغض النظر عن بعض المكاسب البطيئة في الفعالية، تعمل التكنولوجيا الأساسية للتبريد بشكل مشابه جدا لطريقة عملها عندما تم إطلاقها منذ ما يقارب القرن من الزمن.

ويقول فينس رومانين، الرئيس التنفيذي لشركة ترو التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها، وهي شركة ناشئة للتبريد الخفي تعمل على تطوير نوع جديد من المضخة الحرارية “إن الواقع يتحدث عن نفسه بالنظر إلى الزيادة المستمرة في استخدام مكيفات هواء النوافذ، في حين يبدو المنتَج مشابها إلى حد كبير من حيث الشكل وطريقة العمل لما كان عليه منذ عقود. أعتقد أن الكثير من الناس متحمسون لإنتاج شيء جديد في هذا المجال، ولكن لم يكن هناك سوى تقدم تدريجي”.

وتم تحقيق تحسينات أكبر بكثير من حيث التكاليف والأداء في جميع تقنيات الطاقة الأخرى في العقود الأخيرة، مثل الألواح الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية مدفوعة بالسياسات العامة وجهود البحث المخصصة والطلب المتزايد على البدائل الأنظف.

وتمثل شركة ترو واحدة من عدد من الشركات الناشئة والمجموعات البحثية التي تحاول اليوم استكشاف طرق مختلفة لتحقيق تقدم مماثل في مجال التبريد.

ولكن حتى لو أصبح المخزون العالمي لوحدات التكييف أكثر كفاءة، فإن القفزات المتوقعة في الاستخدام كبيرة جدا، لدرجة أن الطلب العالمي على الكهرباء سيستمر في الارتفاع.

مليارات المكيفات
سيؤدي ذلك إلى تعقيد المهمّة المذهلة بالفعل لتنظيف قطاعات الطاقة في العالم. وهذا يعني أن الدول لا تحتاج إلى إصلاح البنية التحتية الحالية للكهرباء فحسب، بل يجب عليها أيضا بناء أنظمة أكبر بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى، وأن تقوم بكل ذلك مستخدمة مصادر خالية من الكربون.

إن التبريد الدائم لأحجام هائلة من الهواء الساخن الذي يملأ المنازل والمكاتب والمصانع يشكل مستهلِكا هائلا للطاقة، وسيبقى كذلك أبدا.

ولا تقتصر المشكلة فقط على أن المزيد من أجهزة التكييف ستتطلب المزيد من الكهرباء لتشغيلها، بل إنها ستتسبب بشكل خاص في ارتفاع الكمية المطلوبة من الكهرباء خلال أوقات الذروة، عندما تكون درجات الحرارة لاهبة فعلا ويقوم الجميع برفع مستوى تبريد مكيفات الهواء في نفس الوقت.

وهذا يعني أننا بحاجة إلى الإسراف في بناء أنظمة الكهرباء لتلبية مستويات الطلب التي قد تحدث لبضع ساعات فقط من أيام قليلة في السنة.

ووفقا لدراسة منشورة عام 2019 في مجلة الطاقة التطبيقية، أجراها باحثون من ولاية أريزونا وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة مقترنا بالنمو السكاني في مقاطعة لوس أنجلس، إلى زيادة الطلب على الكهرباء خلال ساعات الذروة في الصيف بنسبة، تصل إلى 51 في المئة بحلول عام 2060 في ظل سيناريو انبعاثات عالية.

ويمكن لهذا أن يضيف ما يصل إلى 6.5 ميغاواط إضافية سينبغي على مشغلي الشبكة الكهربائية أن يتمكنوا من تأمينها في الحال، أو سيتوجّب عليهم الإنتاج الفوري لما يقرب من 20 مليون لوح طاقة شمسية باستطاعة 300 واط في يوم مشمس.

وينبغي القيام بكل ذلك في واحدة فقط من 58 مقاطعة في كاليفورنيا. وسيشهد العالم زيادات أكبر بكثير في الطلب على التكييف في الدول التي تتوسع فيها الطبقة الوسطى بسرعة، وحيث ستصبح موجات الحر أكثر شيوعا وشدة.

جدير بالذكر أن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن تقوم الهند بتركيب 1.1 مليار وحدة إضافية بحلول عام 2050، ما يؤدي إلى زيادة حصة أجهزة تكييف الهواء من ذروة الطلب على الكهرباء في البلاد من 10 في المئة إلى 45 في المئة.

تنظيف الشبكة الكهربائية

يجب أن يحدث الإصلاح الأكثر أهمية خارج صناعة التكييف؛ حيث أن انتقال شبكة الكهرباء ككل إلى زيادة استخدام مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، سيؤدي إلى تخفيض مطّرد في الانبعاثات غير المباشرة للغازات الدفيئة الناجمة عن الطاقة المستخدمة لتشغيل وحدات تكييف الهواء. وعلاوة على ذلك، فإن تطوير شبكات كهربائية ذكية بشكل متزايد يمكن أن يساعد أنظمة الكهرباء في التعامل مع ضغوط طلب مكيفات الهواء على الطاقة في وقت الذروة، ويستلزم ذلك إضافة أجهزة استشعار وأنظمة تحكّم وبرامج يمكنها تقليل الاستخدام تلقائيا مع انخفاض درجات الحرارة خارج الأبنية، أو عندما يغادر الناس أماكنهم لفترات طويلة، أو عندما يبدأ الطلب في الارتفاع ليتجاوز حجم التوليد المتاح من الطاقة.

ويستطيع العالَم أيضا خفض الانبعاثات المباشرة من تكييف الهواء عن طريق الانتقال إلى استخدام المبرِّدات البديلة، وهي المركّبات الأساسية داخل أجهزة التبريد والتي تمتص الحرارة من الهواء.

ويعتمد المصنِّعون إلى حد كبير على مركبات الكربون الهيدروفلورية، وهي غازات دفيئة شديدة الفعالية يمكن أن تتسرب أثناء التصنيع والإصلاح أو في نهاية عمر استخدام وحدة التكييف. لكن بموجب تعديل عام 2016 لبروتوكول مونتريال، يجب على الشركات والبلدان التحول بشكل متزايد إلى الخيارات ذات التأثيرات المنخفضة على الاحتباس الحراري مثل فئة المركبات الواعدة المعروفة باسم هيدروفلوروأوفلين، وبعض الهيدروكربونات مثل البروبان، وحتى ثاني أكسيد الكربون (الذي في الحد الأدنى يؤثر بنسبة أقل على الاحتباس الحراري من المبرِّدات الموجودة).

ووفقا لتقدير الحد الأعلى من تحليل يروجيكتدروداون، يمكن للمبرِّدات البديلة أن تقلل الانبعاثات بما يعادل حوالي 50 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في العقود القادمة (أطلق العالم ما يقرب من 37 مليار طن في العام الماضي، وفقا لمشروع الكربون العالمي).

كما تتوفر أساليب واضحة لتخفيف الأحمال الكهربائية اللازمة لتبريد المباني، بما في ذلك إضافة العزل، وسدّ نقاط تسرّب الهواء، وتركيب أغطية أو شرائح على النوافذ، وتطبيق الألوان أو المواد العاكسة على الأسطح.

ومن شأن إقامة مثل هذه “الأسطح الباردة” عبر 80 في المئة من المباني التجارية في البلاد أن تساعد في خفض الاستخدام السنوي للطاقة بأكثر من 10 تيراواط/ساعة، وتوفير أكثر من 700 مليون دولار، وفقا لدراسة سابقة أجراها مختبر لورانس بيركلي الوطني.

تجنب أزمة البرد
في نهاية المطاف، ينبغي على العدد المتزايد من وحدات التكييف المشغَّلة في المنازل والمباني حول العالم أن تصبح أكثر كفاءة في استخدام الطاقة لتجنب ما يُعرف باسم “أزمة البرد” القادمة.

وتعتبر السياسة العامة إحدى أقوى الأدوات لإحداث هذه التحسينات؛ إذ تشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن أفضل تقنية متاحة حاليا تحقق كفاءة أعلى بمقدار الضعف مقارنة مع متوسط كفاءة التقنيات المستخدمة فعليا حول العالم، وتتمتع بجودة أكبر بثلاثة أضعاف مقارنة بمعظم المنتجات التي لا تتّسم بالكفاءة الموجودة في السوق.

وتكمن المشكلة في أن معظم الأشخاص والشركات لن يُقدِموا على دفع الكثير لقاء أنظمة أكثر كفاءة لمجرد المساعدة في تحقيق أهداف المناخ العالمي، لاسيما في الأجزاء الفقيرة من العالم. ولكن يمكن للدول من خلال التفويضات أو الحوافز أو الإعانات أن تساعد في ضمان إنتاج وبيع المزيد من نماذج وحدات التكييف ذات الكفاءة الأعلى.

وتتقلص الزيادة المتوقعة في استخدام الطاقة المرتبطة بالتبريد بنسبة 45 في المئة بحلول منتصف القرن في ظل سيناريو الوكالة الدولية للطاقة الذي يتضمن هذا النوع من السياسات (ولا يفترض تحقيق أي تقدم تكنولوجي).

ولكن حتى ذلك الحين، فإن الطلب على الطاقة لتكييف الهواء سيواصل ارتفاعه ليقفز بنحو 70 في المئة بحلول منتصف القرن، وهذا يعادل ارتفاعا بمقدار ثلاثة أضعاف الطلب الحالي. لكن تحقيق مكاسب إضافية كبيرة قد يتطلب إحداث تغييرات أكثر جذرية.

ويحاول عدد من الشركات الناشئة دفع الأمور إلى أبعد من ذلك؛ حيث تحاول شركة ترانسيرا التي شارك في تأسيسها أستاذ الطاقة في إم.آي.تي ميرسيادينشا تحسينَ الكفاءة بشكل كبير من خلال التعامل مع رطوبة الهواء كخطوة منفصلة.

وبالإضافة إلى تبريد الهواء المحيط، يتعين على وحدات تكييف الهواء التقليدية تكريس كميات هائلة من الطاقة للتعامل مع بخار الماء هذا، الذي يحتفظ بحرارة كبيرة ويجعل الجو أكثر إزعاجا. ويتطلب ذلك خفض درجة الحرارة إلى أدنى بكثير من الدرجة التي يعرضها الجهاز من أجل تحويل البخار إلى سائل وإزالته من الهواء.

ويقول دينشا وهو أحد المتدخلين في القطاع “إنها طريقة غير فعالة إلى حدٍّ بعيد، إنها تستهلك الكثير من الطاقة من دون داعٍ لذلك”.

ويعتمد أسلوب ترانسيرا على فئة من المواد شديدة المسامية تُعرف باسم الهياكل المعدنية العضوية التي يمكن تعديلها وتخصيصها لالتقاط مركبات معينة والتشبث بها، بما في ذلك الماء. وقد طوّرت الشركة جهازا ملحقا بأنظمة التكييف يستخدم هذه المواد لتقليل الرطوبة في الهواء قبل أن يدخل إلى وحدة تكييف قياسية. ويقدر دينشا أنه يستطيع تحسين كفاءة الطاقة الإجمالية بأكثر من 25 في المئة.

وتمثل ترانسيرا أحد المرشحين النهائيين لجائزة التبريد العالمية البالغة 3 ملايين دولار، وهي مسابقة مصممة لتسريع التقدم في تكييف الهواء للحد من التأثيرات المناخية. وتختبر الشركة حاليا نماذج أولية في الهند بالشراكة مع أحد أقسام عملاق الأجهزة المنزلية الصينية هاير.

وفي الوقت نفسه، قامت شركة سكايكولسيستمز في ماونتن فيو بكاليفورنيا بتطوير مرايا ذات تقنية عالية يمكنها توجيه الحرارة إلى المساحات الباردة في الفضاء، مستفيدة من ظاهرة طبيعية تُعرف باسم التبريد الإشعاعي.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةمكامن غاز مهمة في البلوك رقم ٤؟!
المقالة القادمةقريبا نسخة كهربائية من سيارة مايباخ