التلاعب بسعر الصرف بلغ حداً لا يوصف. فلم يكد يمرّ يومان على خفض سعر الدولار خلال ساعات معدودة من مستوى قياسي بلغه بقيمة 37 ألف ليرة إلى 26500 ليرة، حتى عاد السعر إلى الارتفاع اعتباراً من ظهر أمس ليسجّل 31 ألف ليرة مساء. واللافت أن العوامل التي أدّت إلى خفض السعر بهذا الشكل لم تتغيّر، إذ أن الظروف التي رافقته ما زالت على حالها، سواء لجهة انتخابات رئاسة مجلس النواب التي حصلت أمس وأفضت إلى نتائج متوقعة، أو لجهة العوامل الاقتصادية التي لا تزال على حالها في اليومين الماضيين، أو لجهة محفّزات الانخفاض التي أطلقها مصرف لبنان في بيان يشير فيه إلى أنه سيعيد العمل بالسقف المفتوح لضخّ الدولارات في السوق على سعر «صيرفة» عبر المصارف. وبالفعل، فإنه في أول يوم عمل بعد بيان المصرف المركزي، سجّل حجم تداول قياسي على منصّة صيرفة بلغ 196 مليون دولار، وفي اليوم التالي، أمس، سجّل حجم عمليات بقيمة 100 مليون دولار. غالبية هذه العمليات هي عبارة عن بيع الدولارات للمصارف تلبية للزبائن الذين أتوا حاملين الليرات في علب كرتون متوسطة الحجم، أو في أكياس نايلون.
السؤال المثار حول كل ما يحصل: من أين تأتي كل هذه المليارات بالليرة اللبنانية؟ فمبلغ 200 مليون دولار، وعلى اعتبار 80% منه هو بيع دولارات مقابل ليرات على سعر «صيرفة» بمعدل 24500 ليرة، يبلغ 3312 مليار ليرة. وفق التفسيرات، فإن كبار الصرافين من أصحاب النفوذ السياسي، هم النسبة الأكبر من أصحاب هذه العمليات والليرات التي يرسلونها إلى المصارف تأتي في صناديق معلبة وفي «باكيتات»، وهي جديدة كلياً كأنها آتية من المطبعة طازجة. وهذا يشي بوجود احتمالين: الصرافون كانوا يخزنون هذه الليرات، أو يحصلون عليها مباشرة من مصرف لبنان.
ومع تطوّرات أمس فإن السؤال هو الآتي: لماذا ارتفع سعر الدولار طالما أن مصرف لبنان يضخّ الدولارات مثل اليوم الأول بلا سقف؟ الإجابة الأكثر إقناعاً تشير إلى أن الصرافين يسحبون هذه الدولارات من السوق من أجل بيعها لمصرف لبنان الذي سيقوم بضخّها مجدداً في اليوم التالي. لكن بأي سعر؟ الأكيد أنهم لا يقومون بهذا العمل مجاناً بل يحققون أرباحاً طائلة من لعبة الوساطة هذه، ومصرف لبنان تزيد خسائره التي تسجّل في ميزانيته بالليرة اللبنانية، وكلما ارتفع سعر الدولار تذوب هذه الخسائر. كانت هذه الخسائر في 30 نيسان 98,139 مليار ليرة، وبلغت بعد 15 يوماً 100,610 وهي تزيد باستمرار. هذا النوع من التلاعب بسعر الصرف لا يمكن تصنيفه ضمن عمليات المضاربة العادية، بل هو تلاعب مقصود ذو طابع مالي وسياسي.