من «عجائب» الاقتصاد في لبنان ان قيمة الفاتورة السنوية التي خصصت للدعم في لبنان تبلغ أكثر من نصف اجمالي الناتج المحلي الذي انكمش أخيرا من حوالي ٥٥ مليار دولار الى ١٨ مليار دولار. وإذا جرى القياس مثلا على الناتج الاجمالي في بلد مثل الولايات المتحدة البالغ حوالي ٢٠ ترليون دولار وحصل ان خصصت الدولة الأميركية منه ٥٠% سنويا أي ١٠ ترليونات دولار، اهتز النظام المالي والنقدي الأميركي وانهار الدولار الى ما تحت الحضيض!
وفي لبنان حوالي ٨ مليارات و٤٥٠ مليون دولار سنويا فاتورة الدعم الاجمالي في لبنان من أصل ناتج اجمالي بـ١٨ مليار دولار، منها حوالي ٢ مليار للكهرباء + ٢ مليارات بنزين ومازوت + ٣ مليارات مواد غذائية + ١٥٠ خبز، أفضل ما توصف به الطريقة التي نفذ بها الدعم عبارة «خبط عشواء»!
فبعد ان فشلت الحكومة، برغم ما تضمه من «تكنوقراطيين» و«أكايميين»، في خطة اقتصادية آمنة تؤدّي الى إيصال الدعم لمن يستحق، وهدرت مئات ملايين الدولارات على من لا يستحقه من ميسورين وتجار ومهرّبين، ها هي الآن تدرس خطة جديدة تحاول إصلاح ما فسد من الخطة القديمة، باجراءات تراوح بين الممكن والصعب والمستحيل.
وبدءا بموضوع اتخاذ القرار النهائي حول نوع وعدد وكمية وقيمة سلع المعيشة والدواء والمحروقات التي سيجري دعمها بعد اختصار الجزء الأكبر من السلع التي سبق دعمها وذهب الدعم غالبا عكس الاتجاه المطلوب، فان الحكومة لا تصارح الشعب حول مصدر تمويل دعم هذه السلع ومدة استمرار هذا الدعم الذي سيكون الجزء الأكبر منه بالدولار، لا سيما بعد أن أعلن حاكم مصرف لبنان ان ليس لديه ما يكفي من الاحتياط لدعم لائحة السلع الحالية الموسعة لأكثر من شهرين. فهل بعد اختصار لائحة السلع وترشيد الكميات والأصناف سيكون في مخزون مصرف لبنان أو خزانة الدولة ما يكفي من الدولارات للاستمرار بالدعم، وكم والى متى؟
وإذا كانت الحكومة «ستتدبر» أمرها للإبقاء على الدعم لستة شهور أو حتى لسنة – وهي على أي حال مدة طويلة مشكوك فيها – فما هو البديل لما بعد الشهور أو السنة؟ وهل سيتوقف عندها الدعم؟ ويدخل البلد والاقتصاد مجددا في مرحلة معيشية أكثر قساوة وضراوة؟ لا سيما ان غالبية التقارير المحلية والدولية تتحدث عن المزيد من التضخم والقليل من الناتج والكثير من البطالة ودون أي خطة عملية اقتصادية ومالية ونقدية لدى أي حكومة، سياسية كانت أم تقنية، سوى ما أعلن عنه من أوراق انقاذية لا تتعدى عموميات وعناوين عريضة في أوراق وبرامج ينقصها التفصيل وقبل أي شيء.. التمويل وهو الأهم.
علما انه حتى ولو جاء الترياق النقدي من صندوق النقد الدولي، فان شروط الصندوق ستكون وقف الدعم من ضمن رزمة اصلاحات ليس من الثابت حتى الآن ان الطبقة السياسية عازمة أو قادرة على القيام بها. وحتى لو نفذت شروط الصندوق وأوقف الدعم فان السيناريو الأسوأ سيكون هو الاغلب على غرار ما حصل في مصر في عهد الرئيس السادات عندما نفذت الحكومة شرط الصندوق وأوقفت الدعم وشهدت كل مناطق مصر «انتفاضة الخبز» الكبرى التي أرغمت الحكومة على العودة عن قرارها غير آبهة بمحاذير وتوصيات صندوق النقد الدولي.