«تهريب» الأموال إلى الخارج: سويسرا أولاً

ينشر بنك التسويات الدولية، بصورة فصليّة، الوضعيات المالية العائدة لمحفظة حاملي الجنسية اللبنانية في الخارج. تصنيف هذه الوضعيات يكون بالاستناد إلى محلّ إقامة الجهة المصرّح عنها، والبلد الذي يوجد فيه المصرف الذي يصرّح عن المعطيات، علماً بأن الفروع المصرفية تُحتسب على أساس البلد الموجودة فيه. وهذه التصريحات تتضمن الودائع والالتزامات، وهي مقسّمة على أساس «كل القطاعات»، و«قطاع غير مصرفي». المقصود بـ«كل القطاعات»، المؤسسات المالية والشركات والأفراد، أما القطاع غير المصرفي فهو يحصر الأمر بالشركات غير المالية والأفراد. كذلك، فإن التصريحات تتضمن ودائع مهما كان نوعها، وقروضاً أيضاً، واستثمارات في السوق المالية سواء كانت أسهماً أو سندات أو سواها. وهذه التصريحات تأتي من مصارف خاصة ومن مصارف مركزية أيضاً، إلّا أنها لا تشمل كل المصارف المركزية حول العالم.

رغم ذلك، تبدو أرقام بنك التسويات الدولية عن الوضعيات المالية للبنانيين في الخارج مثيرة للانتباه. فهي لا تعبّر بدقّة عن حقيقة الثروة المالية العائدة للبنانيين في الخارج، إلّا أنها تحمل دلالة واضحة على وجود تحويلات من لبنان إلى الخارج تمت في الفترة التي تلت 17 تشرين الأول 2019. وفي هذا المجال، يمكن قراءة الأرقام الصادرة عن بنك التسويات الدولية في إطارين: الأول يتعلق بحركة صافي الأموال، أي الفرق بين قيمة الموجودات والالتزامات المترتبة على اللبنانيين في الخارج. هناك يكون الحديث بشكل أساسي عن فائض ازدادت قيمته وتعدّلت توزيعاته بين المصارف وبين الشركات والأفراد. أما الثاني، فهو يعتمد على قراءة منفصلة لمعطيات «الالتزامات تجاه اللبنانيين» وتطوّر هذا الأمر تجاه خمس دول أساسية هي: فرنسا، لوكسمبورغ، سويسرا، أميركا، بريطانيا.

تشير المقارنة بين نتائج الفصل الثالث من عامي 2019 و2020، إلى أن صافي الالتزامات والموجودات العائدة للبنانيين في الخارج سجّل فائضاً لمصلحة اللبنانيين بقيمة 27.18 مليار دولار في 2020 مقارنة مع 30.19 مليار دولار في 2019. لكن هذا التراجع كان وقعه مختلفاً على القطاعات. فالفائض لدى القطاع غير المصرفي ارتفع من 7.42 مليار دولار في نهاية الفصل الثالث من 2019، إلى 12.11 مليار دولار في نهاية الفصل الثاني من 2020. هذا يعني أن القطاع المصرفي، بما فيه مصرف لبنان، كان يملك في الخارج نحو 22.7 مليار دولار في نهاية الفصل الثالث من 2019، لكنه بات يملك 15 ملياراً في نهاية الفصل الثالث من عام 2020. هذا الرقم مفاجئ. فرغم أن هذه الأرقام غير حاسمة وغير نهائية، إلا أنه تمثّل مؤشراً في ظل معطيات محلية تشير إلى أن المصارف كانت «مكسورة» على أكثر من مليار دولار تجاه الخارج في الفترة المذكورة. وبالتالي، فهل رقم الـ15 مليار دولار الناتج من صافي الالتزامات الخارجية تجاه القطاع المصرفي اللبناني، هو عائد لمصرف لبنان (أي أنه يعكس قيمة الاحتياطات الفعلية بالعملات الأجنبية التي يملكها مصرف لبنان)؟ إذا صحّ ذلك، فإن أرقام الاحتياطات هي أقلّ بكثير مما هو معلن. ففي نهاية الفصل الثالث كان مصرف لبنان يقول إن لديه ما يفوق 18 ملياراً!

تفسّر هذه الأرقام الكثير مما حصل سابقاً في مسائل تهريب الأموال وسواها. طبعاً ليس النقاش هنا متعلقاً بقانونية التحويل من عدمه، إنما الأساس فيه أن الزيادة في حجم الأموال المودعة في الخارج (أو المستثمرة في شراء سندات وأسهم وسواها) في الوقت الذي كانت المصارف في لبنان مغلقة أو فرضت خلالها قيوداً على عمليات السحب والتحويل، هي جريمة مبنيّة على استنسابية تميّز بين أحجام المودعين وجنسياتهم ونفوذهم السياسي… هي جريمة ارتكبتها المصارف بغطاء واضح من مصرف لبنان.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةخطوة رائدة لمجموعة Rise Holding Group عبر مشاركتها في لجنة تحكيم “المؤتمر الكندي الوطني للقيادة”
المقالة القادمةإمبراطورية المصارف العارية