70 مليار دولار للقطاع المصرفي اللبناني في ذمّة الدولة التي لو أقرّت بتحمّل مسؤوليّتها في الفجوة المالية، لكانت عبّدَت الطريق للانطلاق بالخطة الإصلاحية التي تؤدّي إلى انتعاش ملاءة المصارف ورسملة نفسها… والأهمّ استعادة ثقة المودِع.
لكن المشكلة بحقيقتها تكمن، منذ خمس سنوات حتى اليوم، في أن الحكومة ترفض الاعتراف بمسؤولية الدولة وبدينها المستحِق للمصارف، والذي يشكّل المنطلق الأساس لحل الأزمة القائمة.
ما يوجِب التساؤل هنا عما إذا كانت الدولة متواطئة مع جهات محلية “متطرّفة” وخارجية “متصيِّدة” لاستهداف القطاع وإعلان إفلاس المصارف العاملة في لبنان بهدف استبدالها بخمسة أخرى؟ على رغم انعدام الأفق السياسي المؤاتي لأي استثمار خارجي… وهنا بيت القصيد.
الدولة VS المصارف
…”لا نزال في الدوامة نفسها منذ خمس سنوات إلى اليوم. ولو كانت المصارف قادرة على ردّ الودائع إلى أصحابها لما تردّدت في ذلك” يؤكد مصدر في الأوساط الاقتصادية لـ”المركزية”، مشيراً إلى أن “كل ما استطاعت المصارف فعله هو “الصمود” تجنّباً لانهيار كامل كاد محتَّماً بفعل النوايا المبيّتة للقضاء على القطاع وبالتالي على أي أمل في استرداد الودائع”.
ويعتبر أن “الحدّ الذي وصلت إليه أوضاع المصارف لم يعد محمولاً في مواجهة مطالبة مصرف لبنان الدائمة لها بردّ الأموال بالدولار الـ”فريش” في حين أنها لا تملك أي مدخول به”، ويُضيف: إذا أردنا العودة بعض الخطوات إلى الوراء، لوَجدنا أن الدولة هي مَن أنفقت أموال المودِعين، ثم عادت وتلكّأت عن إصدار قوانين تمنع أصحاب القروض عن تسديدها للمصارف بغير العملة التي استدانوا بها، الأمر الذي ضاعف خسائر المودِعين أنفسهم. إذ هناك 40 في المئة من الودائع تشكّل مجموع القروض الممنوحة للقطاع الخاص، وتم تسديدها بالـ”لولار” الذي لا يفي أي حاجة.
استثمار المرافق العامة.. لا بيعها
والجدير الإشارة إليه، بحسب المصدر، أن “مطالبة المصارف بتحمّل الدولة مسؤوليتها في الفجوة المالية، لا تعني الإسراع في ردّ كامل أموال المودِعين اليوم قبل الغد، إنما عليها التعجيل في تحسين أدائها وتعزيز مداخيلها وبالتالي النظر في المكامن المتاحة لاستثمار أملاكها العامة. أما التحجّج بأن تلك الأملاك العامة هي للأجيال القادمة، فالتوضيح الواجب هنا أن المطلوب ليس بيعها بل استثمارها، علماً أن الأجيال القادمة هجرت لبنان للأسف! لذلك المطلوب الحفاظ على بقاء هذه الأجيال في لبنان عبر إعطائهم الأمل في ردّ الودائع وتحسين أداء الدولة ودورها في الوقوف إلى جانب مواطنيها وتثبيتهم في وطنهم”.
وليس بعيداً، يؤكد المصدر أن “القوانين التي تعدّها الحكومة تقضي على المصارف وتُمحيها من الوجود، إذ يطالبونها بردّ الودائع وهي غير قادرة على التلسيف التزاماً بتعميم مصرف لبنان القاضي بمنع المصارف إعطاء أي قرض من الودائع بالدولار الـ”فريش” المودَعة لديها، وذلك في ظل غياب الاستثمارات وانعدام المداخيل وغيرها. وبذلك تصبح المصارف “مشروع تصفية”، إذ إنها طوال السنوات الخمس الفائتة عمدت في كل مرة احتاجت فيها للمال، إلى بيع جزء من عقاراتها وسندات “يوروبوند”، وصرف موظفين، وإقفال فروع…”.
لقد حان الوقت، وفق المصدر، “كي تبادر الدولة إلى تحمّل مسؤوليّتها ولا سيما في تفعيل مرافقها العامة وتحديداً قطاع الكهرباء والاتصالات والمرفأ والجمارك، كي تصبح فاعلة وتدرّ لها الأرباح المطلوبة تعزيزاً لواردات الخزينة العامة بما يَضمن ردّ أموال المودِعين”.
مخطط خارجي مبطَّن!
في المقلب الآخر، يكشف أن “الذين يطالبون الدولة بعدم تحمّل مسؤوليّتها في هذا الموضوع، هم أبواق تنطق بلسان مصرفيين في الخارج”، شارحاً أن “في ذمّة الدولة ديون الـ”يوروبوندز” وفي حال قرّرت “تصفير” ديونها في الداخل وبالتالي عدم تحمّل مسؤوليّتها في ردّ الودائع، يصبح في إمكانها ردّ ديونها لحاملي سندات الـ”يوروبوندز” الأجانب، خصوصاً أن هؤلاء المصرفيين الأجانب اشتروا الـ”يوروبوندز” بسعر متدنٍّ ويراهنون اليوم على ارتفاعه في المرحلة المقبلة، وهذا السعر لن يسجّل الارتفاع الكبير المطلوب إلا إذا عمدت الدولة إلى “تصفير” ديونها داخلياً كي تكرّس كامل مداخيلها لتسديد ديونها من سندات الـ”يوروبوندز”… وهذه الأبواق نفسها تهدّد بين الحين والآخر، بأنه في حال لم تنجح الدولة في ذلك، فإن حاملي سندات الـ”يوروبوندز” سيطالبون الدولة بأموالهم لا محالة!”.
في ضوء هذا الـ”بانوراما” المُقلِق، سؤال يطرح نفسه على طاولة النواب والوزراء ومَن يُمثلون: هل حانت ورقة القطاع المصرفي، بعد رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان؟! أم علينا التعويل على وعي أصحاب “الحكمة” للإقرار بأن لا بلد مزدهراً ولا اقتصاد نامياً ولا مجتمع مستقرّاً بدون قطاع مصرفي مَتين، مُحصَّن من الأجندات المحلية والخارجية… وما أكثرها؟!