أنهى مجلس الوزراء، مساء امس الإثنين، جلسته المُنعقدة في القصر الجمهوري، والتي باشرت البحث في مشروع قانون الفجوة الماليّة. وعقد الجلسة، أكّد وزير الإعلام بول مرقص أنّ المجلس أقرّ في الجلسة أوّل ثلاث مواد من مشروع القانون، وبدأ بمناقشة الرابعة، وتتضمّن هذه المواد الأهداف والمبادئ العامّة والتعريفات والمصطلحات ونطاق التطبيق وإجراءات إعادة التوازن.
وبحسب معلومات “المدن”، طالت التعديلات خلال المناقشات المادّة الثانية، التي تقدّم التعريفات الأساسيّة لمشروع القانون. كما عدّل المجلس المادة الثالثة، التي تنص على نطاق التطبيق القانون والمصارف التي ستشملها عمليّة إعادة الهيكلة. وأجرى الوزراء عدّة تعديلات على المادة الرابعة التي تحدّد كيفيّة التدرّج في التدقيق في ميزانيّة مصرف لبنان، ثم تقييم وضعيّة كل مصرف على حدة، وفقاً لعمليّة مراجعة جودة الأصول.
دفاع عن مشروع القانون
خلال الجلسة، بدا واضحاً تمسّك رئيس الحكومة نوّاف سلام، ووزير الماليّة ياسين جابر، ووزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، بالمقاربات الأساسيّة لمشروع القانون. وفي إطار الدفاع عن المشروع، أشار سلام إلى أنّ المشروع ليس مثالياً، لكنّه يراعي إمكانات الدولة. كما لفت إلى خطورة التأخّر في إقرار مشروع القانون، من جهة تآكل ثقة العالم بلبنان، كاشفاً أنّه تلقى عدداً كبيراً من التساؤلات حول أسباب هذا التأخير، ما يثير الشكوك بقدرة الحكومة على إنجاز الإصلاحات الماليّة. ولطمأنة الوزراء، أعاد سلام التأكيد على انفتاحه على أي تعديلات مقترحة.
وكان جابر قد استبق الجلسة بتصريحات شدّد خلالها على أهميّة إقرار مشروع القانون، بهدف تفادي احتمالات إدراج لبنان على اللائحة السوداء لمجموعة العمل المالي، وخصوصاً في ظل تفشّي اقتصاد النقد الورقي وتأخّر عمليّة إعادة هيكلة المصارف. وأكّد جابر أن الحوار مع المصارف سيستمر، بهدف أخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار، وخصوصاً تلك التي تتناول قدرتها على السداد وإمكانيّات إعادة الرسملة.
وفي إطار الدفاع عن مشروع القانون أيضاً، جاءت مواقف لافتة لوزيرة الشؤون الاجتماعيّة حنين السيّد، التي أكّدت أنّ قانون الفجوة الماليّة “هو قانون العدالة الاجتماعيّة الذي سيعيد حقوق المودعين”، فيما ردّت السيّد على خطاب جمعيّة المصارف، بالإشارة إلى أنّ تحميل الدولة الخسائر “يعني أنّ الشعب سيتحمّلها لأن هذا المسار سيؤدّي إلى زيادة الضرائب”.
أمّا الموقف الأكثر رمزيّة، فجاء من حاكم مصرف لبنان كريم سعيد داخل الجلسة. إذ اعتبر سعيد أنّ المشروع يحقّق العدالة والإنصاف للمودعين، واصفاً إياه بأنّه “أفضل هديّة يمكن تقديمها للبنانيين”. وكانت “المدن” قد نشرت سابقاً معلومات تفيد بأنّ فريق العمل الحكومي تأكّد من الحصول على موافقة سعيد على جميع المقاربات العامّة للمشروع، منعاً لتكرار السيناريوهات التي شهدتها حكومات سابقة، حيث فشلت عدّة خطط حكوميّة بسبب تحفّظ المصرف المركزي عليها رغم مشاركته في إعدادها.
ملاحظات بول مرقص
وكان وزير الإعلان بول مرقص قد قدّم إلى مجلس الوزراء مجموعة من الملاحظات على مشروع القانون، التي اندرجت في إطار “الإيجابيّة والانفتاح من أجل إقرار هذا القانون، ودعمه تجاه أي انتقادات”. وتركّزت ملاحظات مرقص على السؤال حول طبيعة وحدود مساهمة كل من الدولة ومصرف لبنان، في عمليّة تسديد الودائع، فضلاً عن مصير الودائع المتكوّنة بعد 17 تشرين الأوّل 2019، ومآل الأحكام القضائيّة الصادرة والدعاوى العالقة.
كما طرح مرقص تساؤلات حول حكم الودائع بالليرة، التي فقدت أكثر من 95% من قيمتها، وعما إذا كانت هناك مصارف ستبقى بعد صدور وتطبيق القانون. وطلب مرقص توضيحات بخصوص الحسابات التي فُتحت بموجب شيكات بعد 17 تشرين الأوّل 2019، كما سأل “هل يجب أن نفرّق نوعياً بين فئات المودعين تبعاً لتوصيفهم القانوني؟ مثلاً، صناديق التعاضد أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيره”.
وبشكل عام، دارت ملاحظات مرقص في إطار الاستيضاحات التي ذهبت باتجاه تطوير النص وتحسينه، من دون أن يقدّم نقداً ينسف أساس المقاربات التي اعتمدها مشروع القانون.
القوّات والمواقف المتأرجحة
مواقف القوّات اللبنانيّة جاءت متأرجحة بشكلٍ لافت. ففي الأيام الأخيرة، تلقّت “المدن” معلومات تفيد بأنّ عدداً من وزراء ونوّاب القوّات اللبنانيّة أبدوا تفاعلاً إيجابياً مع الصيغة الأخيرة لمشروع القانون، مع الإبقاء على بعض الملاحظات التفصيليّة بخصوص بعض بنوده. غير أنّ الساعات الأخيرة التي سبقت انعقاد الجلسة اليوم، شهدت تحوّلاً لافتاً في موقف القوّات، بتوجيه من القيادة المركزيّة الحزب.
في هذا السياق، استبق النائب رازي الحاج نتائج الجلسة ببيانٍ قاسٍ أشار إلى أنّه كان يتمنّى “ألا يُطرح مشروع القانون في أسبوع عيد الميلاد (…) إن تحريك السكين في جرح المودعين عشية الميلاد ينطوي على ظلمٍ وتسرّع، وكأن إدارة الحكم في لبنان تقوم بمهام إداريّة بحتة”. ورأى الحاج أنّ الأسباب الموجبة لم تؤسّس لتبرير دستوري صريح “للإجراءات الاستثنائيّة التي يتضمنها المشروع، ولا سيما تلك التي تمس بالودائع المصرفيّة وتفرض قيوداً على حقوق ماليّة مكتسبة”.
ورأى الحاج أن المشروع لم يربط ما بين التنفيذ من جهة، والتدقيق والمحاسبة من جهة أخرى، كما لم يُربط تطبيق القانون بالتدقيق الجنائي أو بمحاسبة المخالفات السابقة، “ما يُفرغ مبدأ العدالة من مضمونه ويؤسّس فعلياً لقانون إعفاء عن كامل المرحلة السابقة وارتكاباتها”. وهكذا، خلص الحاج إلى عبارة “نؤكّد رفضنا لهذه المسودّة”.
في الخلاصة، من المفترض أنّ يتابع مجلس الوزراء غداً الثلاثاء مناقشاته، فيما أوحت نقاشات جلسة اليوم أنّ الاعتراضات الحادّة لم ترقَ إلى مستوى نسف أو دفن مشروع القانون، أو منع بدء النقاش به. إلا أنّ العبرة تبقى دائماً في الخواتم، وبنطاق التعديلات التي يتم تمريرها في الحكومة قبل إقرار مشروع القانون.



