أثار اقرار اقتراح القانون المقدم من نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، القاضي باقتطاع ضرائب تحصّلها الدولة من المقترضين الذين سدّدوا قروضهم بسعر صرف 1500 ليرة، وبقيم اخرى مختلفة عن القيمة الفعلية، حفيظة ممثلي جمعيات التجار وغيرهم، على اعتبار أن هذا الاقتراح الذي تم وضعه من قبل الحكومة، بعد مشاورات مع لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين، سيتسبب بمجموعة أضرار مزعومة عدّدها رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الاسبوع الماضي، مكرراً أن «حل مشكلة المودعين لن تتم إلّا من خلال اعتراف الدولة بمسؤولياتها عن الانهيار المالي، واستثمار أصولها وفقاً لحوْكمة جديدة وإدارة رشيدة لتأمين الموارد المالية المرجوّة، وذلك وِفقاً لخريطة الطريق المفصّلة التي سبق واقترحتها الهيئات الاقتصادية».
خطاب الهيئات الاقتصادية في ما يتعلق بأموال المودعين لا يزال هو نفسه ويدور حول استخدام اصول الدولة لردها مع نفي مسؤولية المصارف عن الازمة، في حين أن اقتراح القانون المقدم من الحكومة التي احالته الى مجلس النواب بصفة معجل مكرر، (المفترض ان تصل ايراداته الى نحو 3 مليارات دولار بحسب المتابعين)، يأتي ضمن سلسلة محاولات لضمان استرداد أموال المودعين من اكثر من جهة. علماً أن صندوق استرداد الودائع لم يقرّ بعد بسبب ترهات نواب حول مكوّناته وتمويله، علماً انه جزء من مشروع قانون لم يقرّ بعد في مجلس النواب ويتعلق بإعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان، ويتأخر درسه تحت شعارات مختلفة في الشكل وتهرب من المسؤولية في المضمون.
أبرز نقاط الاعتراض
عدّد المعترضون 20 نقطة، تمثل برأيهم، ورأي من سدد قروضاً بأقل من قيمتها الفعلية، «المحاذير والمخاطر التي تطال التجار وكافة القطاعات الإقتصادية الأخرى، فضلاً عن المجتمع اللبناني برمّته بسبب اقتراح القانون»، معتبراً أنه «أعد على عجل وتحت جنح الظلام ومن دون مساهمة الوزير المختص، أي وزير المالية ودون إستشارة جميع المعنيين الآخرين». ورأى أن «اقتراح القانون تضمن مخالفات جسيمة للدستور والقوانين المرعية، وللمنطق الإقتصادي السليم، وبأنه يضرب الإقتصاد الوطني في الصميم، وقد يُبعِد المودعين عن ودائعهم المصرفية أكثر من أي وقت مضى». موضحاً أن «هذه الضريبة مبنيّة على مفعول رجعي، وهذا مبدأ لا يستوي في نطاق نظام ديمقراطي عريق، كالنظام اللبناني، حيث لا يمكن تغيير قواعد اللعبة الإقتصادية والمصرفية التي كانت سائدة، كما أن حريّة التعاقد لطالما كانت ركيزة من ركائز النظام الليبرالي، ومن ضمنها حريّة الدخول في معاملات بيع وشراء رضائيّة بين الأفراد. وإن ثنائيّة البائع والمشتري لا دخل للدولة بها». وشرح شماس أن «بائع الشيك المصرفي بقيمة أدنى من قيمته الإسميّة، هو الفريق الوحيد الذي اختار أن يُضَحِّي بقسم من وديعته وله كامل الحرية بذلك، فيما لم يَطَلْ قراره هذا جميع المودعين الآخرين»، معتبراً أنه «خلافاً لقانون النقد والتسليف، فإن الشيك المصرفي لم يَعُدْ يمثل بهذا القانون وسيلة شرعية للإيفاء، ذلك لأنه لم يَعُدْ يغطّي المبلغ الدولاري النقدي الموازي بالكامل. فكيف السبيل عندئذ لحلّ معضلة المدفوعات (ومن ضمنها الإيجارات) التي سُدِّدت بجزء بسيط من قيمتها وأودِعت لدى كُتّاب العدل بشرعية كاملة».
إعتبر شماس أيضاً أن «مشروع القانون المقترَح، يكرس من حيث يدري أو لا يدري، التمييز بين الدولار القديم والدولار الجديد، بما أنه ينطلق من مبدأ أن قيمتهما تختلف كلياً. فعملياً وجّهت الحكومة ضربة قاصمة للودائع المصرفية، وأرست عرفاً رسمياً بذلك. الأمر الذي يقضي على آمال المودعين بإستعادة أموالهم، وهو للمفارقة ما يعاكس تماماً الهدف المنشود من قِبَل معدّي القانون».
مقابل هذا الفيض من الانتقادات الموجهة الى اقتراح القانون، يوضح رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين كريم ضاهر لـ»نداءالوطن»، مجموعة من النقاط المثارة، فيقول ما يلي:
منصوري والوزراء موافقون
أولاً: الانتقادات التي وجهت للقانون بأنه تم تحضيره تحت جنح الظلام وحتى الوزراء لم يكن لديهم الفرصة بالتعمق فيه غير صحيح. بل تمّ التداول باقتراح القانون منذ عدة شهور. والدليل أن حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري حين تسلم مهامه، طرح فكرة هذا القانون وقال إنه من المفروض أن تكون هناك عدالة، وان تكون هناك ضريبة تضامنية على القروض التي تم تسديدها بقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية لها، وهذا الطرح كان له داعمون من عدة أطراف. والتذرع بأن الوزراء لم يدرسوا قانون الضريبة على تسديد القروض بالشكل الكافي غير دقيق، ولو صحّ ذلك كان بامكانهم طلب وقت اضافي لدراسته، وتصريحات الوزراء تظهر بأنهم مقتنعون باقرار هذا القانون.
إعادة تسديد الودائع ضرورة
ثانياً: في ما يتعلق بصندوق اعادة تسديد الودائع، فهو ليس فكرة جديدة ويتم التداول به منذ ان وقّع لبنان الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، وهناك اقتراحات قانون من قبل النواب تلحظ كيفية تغذية ايراداته من خلال استرداد الاموال المتأتية من أعمال الفساد واسترداد اموال محوّلة الى الخارج بغير وجه حق، بالاضافة الى تحصيل جزء من الفوائد الضخمة التي تم منحها منذ ان تحوّل احتياطي مصرف لبنان الى سلبي، وأيضاً ميزان المدفوعات الى سلبي، بالاضافة الى ارباح الهندسات المالية وغيرها.
يهدف اقتراح القانون لتحقيق نوع من العدالة في ما يتعلق باعادة تسديد القروض، واستفادت منها شريحة من المواطنين والمكلفين والمقترضين والمودعين. وهذه القروض تبلغ 30 مليار دولار تقريباً، بحسب احصاءات عدة جهات ومنها احصاءات مصرف لبنان، وصندوق النقد يقول إنه تم تسديد 15 ملياراً حتى منتصف 2022 ونحن نعلم ان هذه العملية مستمرة حتى اليوم.
زعم غير صحيح
ثالثاً: المتضررون من هذا القانون يروجون أنه سيقر مترافقاً مع مجموعة من الضرائب، وسيشكل عبئاً كبيراً جداً على القطاع الخاص. ويترافق مع قانون الضريبة على الدخل والضريبة على السلع، هذا الامر لن يحصل لأن هذين القانونين لا يزالان قيد الدرس في اللجان المختصة.
فئة استفادت بغير وجه حق
رابعاً: المتضرر من هذا الاجراء سيحاول عرقلته، والادعاء بأنه يضرب القطاعين التجاري والاقتصادي والمجتمع اللبناني غير صحيح. يجب التذكير بأن 80 بالمئة من اللبنانيين يرزحون تحت وطأة الفقر، والقانون استثنى القروض التي تقل عن 100 ألف دولار التي تم اقتراضها قبل 2019. والصحيح ان هناك فئة معينة من اللبنانيين فتح لها المجال للاستفادة بغير وجه حق، متسلحة بتعاميم صادرة عن الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، وهي تعاميم غير شرعية وتمّ الطعن فيها لأنها مرتكزة على تواطؤ المصارف معه، وحين تبدأ التحقيقات بكل هذه التجاوزات ستظهر الحقيقة.
يتهربون منذ 4 سنوات
خامساً: التذرع بأن القطاعات التجارية ترزح تحت وطأة الضرائب المباشرة غير دقيق. والدليل ان كل المكلفين يدفعون، سواء ضريبة دخل أو ضريبة رواتب وأجور، على سعر دولار 1500 ليرة، وفي العام 2023 صار على سعر دولار 15000 ألف ليرة، وهذا يعني أنهم لا يدفعون ضرائب مباشرة تقريباً منذ 4 سنوات، بل يتحمل الكلفة دافعو الضرائب غير مباشرة والتي تحصّل منذ سنتين وفقاً لسعر صيرفة. اذا ما يقال هو كلام تضليلي، ولا يضرب الاقتصاد الوطني حين يتم تدفيع بعض الاشخاص نسبة معينة من الضرائب المترتبة عليهم.
خطأ فادح
سادساً: هناك من يقول إن هذا القانون يبعد المودعين عن ودائعهم، وهذا خطأ فادح؟ هذه المبالغ التي ستحصّل ستدخل في صندوق سيسمح في تحسين اوضاع المودعين لجهة المبالغ التي سيتقاضونها من ودائعهم وفقاً لتعميم 158.
ليست ضريبة جديدة
سابعاً: هناك من يتذرع بأن هذه الضريبة مبنية على مفعول رجعي وهذا غير صحيح. مشروع القانون لا يخلق ضريبة جديدة بل يذكّر بأن هناك ضريبة مترتبة تخصص ايراداتها لصندوق اعادة تسديد الودائع. مبدأ الشمول والشيوع في قانون الموازنة يفرض عدم تخصيص الايرادات ويقول إنها يجب أن تصب في الخزينة العامة، وهذا يعني انه لا يمكن استعمالها لصندوق المودعين بل بحسب الاولويات المالية للدولة، وتخصيص هذا القانون يعاكس ما يتم ادعاؤه من قبل البعض، ويحمي الايرادات من الهدر والفساد بل يضعها في حساب خاص للمودعين لصرفه لمصلحتهم.
عيوب الرضا والإذعان
ثامناً: دخل بعض المتضررين بنظريات قانونية تفيد ان قانون الموجبات والعقود يقضي بحرية التعاقد بين المتعاقدين، والظاهر انهم استعانوا بمحامين غير متخصصين بموضوع الضرائب، هذه النظرية لا تستقيم في الضرائب. بالاضافة الى أنهم يطرحون ان صاحب الشيك المصرفي باع شيكه للطرف الثاني بملء ارادته وموافقة الطرفين، ونسوا ان هناك نظرية عيوب الرضا أي الاذعان والغبن وعدم وجود خيار آخر. فالطرفان ليسا على المستوى نفسه من الطمأنينة. فبائع الشيك خائف من عدم استرداد وديعته وتم الضغط المعنوي عليه من قبل مدراء المصارف. وهذا ما يسمى عيوب الرضا التي تبطل العقد، فمن الذي يقبل بأن يخسر نسبة 80 بالمئة من وديعته اذا لم يكن ملزماً؟
المساواة الأفقية
تاسعاً: أصحاب القروض التي تبلغ قيمتها اقل من 100 ألف دولار( قبل 2019)، تم تمييزهم ايجابياً بالقانون. وهذا مسموح بعلم الضرائب لانه يؤمن المساواة الافقية. كما أعفى القانون المتوجب عليهم دفع الضرائب (اصحاب القروض الكبيرة) من الغرامات كونهم غير مسؤولين عن التسديد بهذه الطريقة.
تعاميم غير قانونية
عاشراً: يعتبر المعترضون على اقتراح القانون بأن تسديدهم القروض بهذه الطريقة قانوني لأن مصرف لبنان سمح به. وهذا خطأ لأن البنك المركزي لا يمكنه اتخاذ قرارات تلزم وزارة المالية في ما يتعلق بالضرائب. بل الوزارة تدرس وتحدد القوانين وتعديلاتها وتحولها للمشترع وفقاً للمواد 80 و81 من الدستور، أي ان مجلس النواب هو من يمنح الاعفاء ولا يمكن التسلح بقرارات رياض سلامة غير الشرعية.
سيدفعون لا محالة
حادي عشر: في حال لم يتم تسديد الضرائب المتوجبة عليهم هناك اجراءات قانونية تطالهم وهي ثابتة ونهائية وغير قابلة للجدل. إن عدم تسديد الضرائب التي نص عليها اقتراح القانون (بعد اقراره)، يؤدي الى تنفيذ إجراءات ترتبط بالقوانين النافذة. اقتراح القانون يطلب من وزارة المالية التدقيق وتحصيل هذه الضريبة، وفي حال لم يتم تسديد الضريبة ضمن المهلة الزمنية المحددة في القانون في 31 /12/ 2024، عندها يمكن الرجوع الى ما تنص عليه القوانين المرعية الاجراء في التدرج بالعقوبات.
هناك غرامات وسجن
ثاني عشر: في حال التهرب، العقوبة الاولى هي المالية المادية وينص عليها قانون الاجراءات الضريبية، أي في حال لم يتم التصريح يطبق عليه غرامة 5 بالمئة في الشهر، وفي حال اعادت وزارة المالية ملف التدقيق الخاص بالشخص المعني بتسديد القرض، هناك غرامة بقيمة 20 بالمئة وفقاً للمادة 110 من قانون الاجراءات الضريبية، وفي حال لم يتم تسديد الضريبة المترتبة عليهم، هناك غرامة تطالهم وتبلغ 1 بالمئة عن كل شهر تأخير. هذه العقوبة المالية المادية منصوص عليها في المواد 109 و 110 (غرامة التحقق) والمادة 55 لغرامة التحصيل في حال لم يتم تسديد الضريبة في قانون الاجراءات الضريبية اي قانون 44 / 11/2008 وتعديلاته. في حال حصول امتناع طوعي وإرادي وكان هناك نية للتهرب وعدم تسديد ما هو متوجب، فالسلطات المختصة تعتبر التهرب الضريبي كعمل وجنحة لأنه تم ربطه بالمرسوم الاشتراعي رقم 56/83 ما يؤدي الى الحبس 3 سنوات، كونه صار موصوفاً منذ 2019 في قانون الموازنة رقم 44/31/7 /2019 وفق المادة 57 التي اضافت تعريف التهرب الضريبي لقانون الاجراءات الضريبية بأنه جنحة. هناك عقوبة منصوص عليها في قانون الاجراءات الضريبية، والتي تنص على انه رغم انقضاء الوقت وترتب الغرامات وتوصيف التهرب الضربي، لوزارة المالية الحق في الحجز على كل املاك المكلف الذي لم يسدد الضريبة، وفي حال تم استمرار عدم الدفع ولم يعترض، يمكن للوزارة بيع املاكه بالمزاد العلني لتحصيل الضرائب المطلوبة، وهذا ينص عليه قانون الاجراءات الضريبية بالمواد 62 و63 وما يتبع.
في القانون رقم 44 الذي يتناول مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب الذي صدر في 24/11/2015 وصف للتهرب الضريبي من إحدى الحالات التي تعتبر جرماً أساساً يؤدي الى تبييض الاموال، وفي حال ثبت أن هناك تهرباً ضريبياً والشخص الملاحق تبين انه حول امواله الى خارج لبنان، فهو مدان بجرم تبييض الاموال التي تصل عقوبتها من 3 الى 7 سنوات حبس.
القانون 2/67
ثالث عشر: لجنة حماية حقوق المودعين قدمت مشروعاً متكاملاً الى البرلمان عن طريق بعض النواب يشكل خريطة طريق لاستعادة الودائع، وهذا ليس اول اجراء. ان المسؤولية الاساسية في العلاقة بين المودع والمصرف تقع على الاخير الذي عليه تحصيل حقوقه من مصرف لبنان والدولة. وطرح تطبيق قانون رقم 2/67 الذي يأتي على ذكر حجز اموال واصول رؤساء واعضاء مجالس ادارة المصارف ومفوضي المراقبة، للتحقيق معهم وفي حال تبين انهم مسؤولون يجب عليهم التعويض على المودعين».
يهربون من المسؤولية
رابع عشر: طرحت لجنة حماية المودعين في نقابة المحامين نظرية الاموال المشروعة وغير المشروعة، لتقليص الفجوة والسماح لاصحاب الحق باستعادة حقهم على حساب اصحاب الاموال غير المشروعة. ومشروع القانون الذي اقترحناه لا يميز بين الدولار القديم والدولار الجديد كما يدّعي المتضررون، وما يريدونه هو تحويل كل الخسائر الى اصول الدولة ويرفضون دفع ضريبة صغيرة على ارباح حققوها بطريقة غير مشروعة.
ويختم كريم ضاهر بالقول: لا يريدون تحمل المسؤولية كمصرفيين وحالياً لا يريدون تحمل المسؤولية كتجار. بل يريدون تحميلها لأصول الدولة، لأنهم يسعون الى ادارتها والاستفادة منها لصالح كبار المودعين وليس لصالح تحريك عجلة الدولة والخدمات الاجتماعية، عندها لا مفر من زيادة الضرائب على المكلفين والمودعين الذين خسروا كل اموالهم، وهم سيخسرون مرة اخرى من خلال زيادة الضرائب التي ستفرض عليهم، وهذا أمر غير مقبول. وعلى حاكم مصرف لبنان والنواب تحمل مسؤولياتهم امام الشعب اللبناني وأمام ناخبيهم.