دعت جمعية مصارف لبنان في بيان الدولة إلى تحمل مسؤولياتها فوراً والإصغاء لكافة الأطراف المعنية وخصوصاً جمعية المصارف والمودعين، من أجل إيجاد الحلول المناسبة والممكنة للتعامل مع الأزمة النظامية المتمادية في البلاد (Extended Systemic Crisis) ومع انعكاساتها الخطرة التي طاولت الجميع.
وتوجّهت الى المودعين فقالت: المصارف لا تتحمل مسؤولية الهدر بل تتحملها سلطات الدولة. لافتة الى أن معظم أموال كبار المساهمين في المصارف ليست ودائع نقدية، بل هي توظيفات في رساميل المصارف التي كانت عند بدء الأزمة تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار أميركي، ونسبة أنصبة الأرباح من رؤوس أموال المصارف التي وُزِّعَتْ على مساهمي المصارف منذ سنة 2013 لغاية تاريخه هي أقل بكثير من مستوى الفوائد التي كانت تُدفع على الودائع في تلك الفترة.
وحول المصير الذي ينتظرنا اذا تلكأت الدولة عن القيام بالمعالجات اللازمة، اعتبرت انه اذا استمرت الحال على ما هي عليه:
1 – سيعلن صندوق النقد استحالة متابعة المفاوضات مع الدولة اللبنانية.
2 – سَيَنضبُ الاحتياطي من العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان في المستقبل المنظور.
3 – ستعجز الدولة عن تأمين أية مشتريات من الخارج ويصبح لبنان غير قادر على تأمين أدنى مقومات العيش من كهرباء وماء ودواء واتصالات وغيرها…
4 – سيضمحل الأمل باسترداد الودائع.
5 – سيتجاوز انهيار العملة النسب التي عرفها لبنان خلال الثمانينات ويستبدل التجار ماكينات عد النقود بميزان للنقود والأمثلة موجودة ومعروفة عالمياً.
واشارت الى أن الوضع المصرفي والمالي وصل إلى حدّ لم تعد تفيد معه المعالجات الموقتة، بل أصبح من الملحّ، مصارحة الدولة اللبنانية المودعين بأسباب الهدر والأسباب الكامنة وراء عدم وقفه أو منعه من الأساس، إقرار خطة نهوض شاملة بعد التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإقرار كافة التشريعات والإصلاحات المطلوبة وأولها قانون الكابيتال كونترول للمحافظة على ما بقي من مخزون بالعملات الصعبة، ليس لمصلحة المصارف بل لمصلحة المودعين بشكل أساسي يشمل إطاراً عادلاً لمعالجة مصير الودائع. ولفتت الى ان الوطن يمرّ في أزمة تُصَنّف بحسب المعايير الدولية بالنظامية (Systemic) سببتها عوامل مترابطة تراكمت على مدى عقود حتى أصبحت الدولة شبه معطلة. لذلك أجابت الجمعية على أسئلة كثيرة تُطرح. ورداً على سؤال حول مصير الودائع بالعملات الأجنبية، أشارت الى ان «حاكم مصرف لبنان صرّح في 21 حزيران 2022 بأن الدولة سحبت من المركزي بموجب قوانين، 62 ملياراً و 670 مليون دولار.
وأشارت الى أن الآراء تختلف وتتنوع ولكنها كلها تصب في خانة صرف الأموال على الدعم وتثبيت سعر الصرف والفوائد المرتفعة والكهرباء وحاجات الدولة من الاستيراد وغيرها. وما تبقى في الوقت الحاضر يقتصر على ما يعلنه مصرف لبنان من احتياطي بالعملات الأجنبية إضافة إلى القروض المتبقية في السوق والتي يسددها المقترضون بالدولار المحلي وما بقي من سيولة لدى المصارف.
من المسؤول؟
اعتبرت جمعية المصارف أن الدولة التي أقرت الموازنات وصرفت بموجب قوانين وهدرت ومن ثم أعلنت توقفها عن الدفع هي المسؤولة. إنها تتحمل الجزء الأول والأكبر من مسؤولية الفجوة المالية وهي ملزمة بالتعويض عنها تطبيقا لأحكام القانون لا سيما بفعل عمليات الهدر والاقتراض وعدم ضبط التهريب وأيضاً وفقاً لأحكام المادة 113 من قانون النقد والتسليف وتنفيذاً لالتزاماتها التعاقدية في موضوع اليوروبوندز.
ثانياً: مصرف لبنان، الذي وضع السياسات النقدية تطبيقاً لسياسات الحكومات المتعاقبة وبالتوافق معها. وثالثاً: المصارف، إذا اعتبرنا جدلاً انها مسؤولة عن ايداع فائض سيولتها لدى مصرف لبنان.
التصدي للسياسات المالية
ونفت الجمعية مدى إمكانية المصارف التصدي للسياسات المالية والنقدية، اذ راعت المصارف في توظيفاتها تعاميم الجهة التنظيمية والرقابية عليها من خلال الحدود الموضوعة لمراكز القطع بالعملة الأجنبية والتوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية، القيود على التوظيف في الخارج، والتوظيفات أو الإيداعات التي اشترط المصرف المركزي تجميدها لديه عند إجراء عمليات القطع لصالح المودعين.
يُضاف إلى ذلك، الايداعات لدى مصرف لبنان الناتجة عن عمليات المقاصة بالدولار التي تجرى في «المركزي» وليس عبر المراسلين في الخارج. كما كافة التعاميم والإجراءات التي كانت تحتم على المصارف الإيداع في مصرف لبنان. واشارت الى أن المصارف ليست صاحبة القرار وقد حاولت طرح الصوت سعياً لتغيير المسار.
إمكانية تدارك الموضوع
واعتبرت أنه كان بالإمكان تدارك الوضع وردّ جزء كبير من الودائع رغم الأزمة من خلال إصدار قانون الكابيتال كونترول منذ اليوم الأول للأزمة. فعند اندلاع الأزمة كان لدى مصرف لبنان احتياطي يناهز 33 مليار دولار وكانت التسليفات بالعملات الأجنبية تقارب 40 مليار دولار، كما كانت المصارف اللبنانية تتمتع بسيولة لا بأس بها. اليوم انخفض احتياطي مصرف لبنان إلى حوالى 10 مليارات دولار بحكم سياسات دعم الاستيراد ودعم الليرة وانخفضت القروض الى حوالى 12 مليار دولار بعد تسديدها بالدولار المحلي وجَفَّت السيولة لدى المصارف. لو قامت الدولة منذ اليوم الأول باتخاذ الإجراءات اللازمة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. لو تم إقرار قانون الكابيتال كونترول لما كانت الفجوة لتزيد خلال الأزمة بحوالى 35 مليار دولار بمسؤولية مباشرة من الدولة ومؤسساتها.
وأبدت استعدادها في ما يتعلق بشحّ السيولة بالليرة لمدّ المودعين بكامل النقد الذي يزوِّدها به مصرف لبنان. وبالتالي إن الطَرقَ على باب المصارف لا ينفع طالما الخزان والصنبور موجودان قي مكان آخر.
وأشارت الى أن التعليقات والإصطفافات تعدّدت، لكن الحقيقة تبقى واحدة؛ القطاع العام بدد أموال القطاع الخاص.
واعتبرت أن الدولة ومؤسساتها هي التي بددت أموال المودعين ورؤوس أموال مساهمي المصارف. معتبرة أن أخطر ما قام به القطاع العام هو رمي مشاكله على القطاع الخاص ومد يده إلى مدخراته. وتأتي اليوم الدولة لتنأى بنفسها وتُنَصِّبُ نفسها حَكَماً بين المودعين والمصارف. مما لا شك فيه إن توحيد الجهود لمطالبة القطاع العام بإعادة الودائع هو المطلوب. من أجل تحقيق هذا الهدف، تدعو جمعية المصارف إلى نقاش صريح بين المودعين والمصارف بهدف المطالبة باسترداد ما بددته الدولة من أموال القطاع الخاص.