تختتم جمعية المصارف في العاشر من الشهر الجاري شهرها الأول في الفراغ بعد انتهاء ولاية مجلس الإدارة وعدم تمكّنها من انتخاب أعضاء ورئيس جديد. أمّا السبب فكان عدم اكتمال النصاب بجلسة اليوم الأخير في العاشر من تموز الفائت.
سبب الفراغ في جمعية المصارف لم يعد خافياً على أحد، وهو الصراع بين المصارف الكبرى وتلك المتوسطة والصغرى، وعددها 15 مصرفاً شكّلت مجموعة فيما بينها وقرّرت “مواجهة المجلس الحالي للجمعية”، من خلال محاولة كسر هيمنة المصارف الكبرى ومطالبتها بمقعدين ضمن مجلس الإدارة، وذلك عبر مفاوضات دامت لأشهر بحسب المعلومات، لكنّها فشلت في اللحظة الأخيرة، وأدّت إلى انفراط النصاب من دون التمكّن حتى اليوم من عقد جلسة جديدة لأنّ كلّ فريق من الفريقين يتمسّك بموقفه.
هذا يعني بطبيعة الحال أنّ جمعية المصارف، اليوم، أمام سيناريوهين:
1- فراغ في مجلس الإدارة، وبالتالي في الرئاسة.
2- استمرار المجلس بالعمل بما يشبه “اغتصاب السلطة”.
مطالب المصارف المتوسطة والصغرى
تفيد المعلومات بأنّ المصارف المتوسطة والصغرى دخلت مفاوضات منذ أشهر مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير الذي وافق مبدئياً على منحها المقعدين اللذين تطالب بهما، لكنّ موافقته كانت مشروطة بموافقة المصارف إيّاها على تعديل المادّة 13 التي تتيح التجديد للمجلس الحالي برئاسة سليم صفير. وتفيد المعلومات أيضاً بأنّ خلافاً كان قائماً على التعديل نفسه، إذ لا يسمح النظام الداخلي بالتجديد للمجلس الحالي لثلاث ولايات متتالية. ومن هذا المنطلق كانت النقاشات تدور حول التجديد للمجلس، وكذلك لصفير، لسنة واحدة إضافية، وليس لسنتين.
لكن على الرغم من هذه الخلافات، تخلّف صفير عن الوفاء بوعوده الأساسية التي قطعها للمصارف المتوسّطة والصغيرة في اللحظة الأخيرة، أي في لحظة انعقاد جلسة مجلس الإدارة في اليوم الأخير من ولايته، وهو ما أدّى إلى انسحاب ممثّلي المصارف الصغرى والمتوسّطة، ورفضهم المشاركة في الانتخابات كـ”شهود زور”.
أمّا عن سبب حماسة صفير للبقاء بهذا المنصب على الرغم من رفض بقائه والاتّهامات التي وُجّهت إليه وإلى المصارف منذ بداية الأزمة إلى اليوم، فما زالت حتى اللحظة مجهولة. لكنّ المراقبين يضعون هذا التجديد الطارىء في إطار عدم وجود بديل في هذا التوقيت الحرج، خصوصاً أنّ أغلب الشخصيات المؤهّلة لتولّي هذا المنصب تفضّل التريّث وعدم الغرق بمشاكل الجمعية قبل بلورة حلّ لأزمة القطاع المصرفي يكون قابلاً للتنفيذ. أضف إلى هذا فإنّ التجديد يوضع كذلك في إطار سعي المصارف إلى تحاشي انفراط عقد الجمعية، خصوصاً في ظلّ الأزمة التي تختتم عامها الخامس بعد أشهر قليلة.
لذا الحفاظ على تماسك الجمعية في هذه المرحلة هو أمر شديد الأهمية بالنسبة إلى المصارف، وخصوصاً تلك الكبرى التي تعتبر أنّها استطاعت أن تمرّر “قطوع الأزمة”، ولهذا تسعى قدر المستطاع إلى تجنّب أيّ مواجهة أو تعطيل أو تعديل خارج السياق العامّ.
عملية تمويه
بحسب نظام جمعية المصارف، فإنّ التئام الجمعية العمومية غير العادية يستلزم حضور ما لا يقلّ عن 75% من أعضائها، وهو ما ينسحب بدوره على أيّ قرار يتّخذه مجلس الإدارة، مثل تعديل الموادّ.
تقول مصادر مصرفية مطّلعة على هذا الملفّ إنّ المصارف الكبرى ترفض منح نظيرتها الصغرى المقعدين اللذين تطالب بهما، وتعتبر أنّ مواقف المصارف الصغرى غير متماسكة ومتنافرة.
لكنّ مصادر مصرفية أخرى تتّهم المصارف الرافضة لهذا الطرح بـ”التمويه”، خصوصاً تلك المصارف التي اجتمعت مع صندوق النقد الدولي أخيراً والتي سَوّت وضعها مع المصارف المراسلة بالخارج وباتت مرتاحة من الأعباء النقدية الداخلية… “فأصابها ما يشبه الغرور”، فما عادت متحمّسة للتجديد لصفير نفسه، وليس منح المصارف المقعدين فحسب.
تلك المصارف تدعو اليوم إلى عدم المسّ بالنظام الداخلي أو إدخال أيّ تعديلات عليه، وتفضّل الإطاحة بالفريق الموجود برمّته لمصلحة فريق جديد. وعلى الرغم من أنّ المفاوضات ما زالت تسلك طريقها بين المصارف، لكنّ بلوغ أيّ نتائج إيجابية ما زال أمراً صعباً، خصوصاً أنّ الجهات التي تقود تلك المفاوصات هي مجموعة من المصرفيين مع الأمين العامّ لجمعية المصارف فادي خلف، الذي يُتردّد في الأوساط المصرفية أنّه قد يكون سبب غياب التوافق نتيجة عدم حماسة عدد كبير من المصارف للتجاوب مع مساعيه.
إذاً هذا الأمر الواقع قد يُدخل جمعية المصارف في حالة من الفراغ الطويل، ويفضي إلى إجبار المجلس السابق برئاسة صفير إلى “تصريف الأعمال” على طريقة الحكومة، وهو ما قد ينعكس على مسار عمل الجمعية والقطاع المصرفي مع الوقت، خصوصاً في حال طُعن بالقرارات التي ستتّخذ في ظلّ الفراغ… فتمسي الجمعية كمؤسّسات الدولة: مبتورة وعاجزة.