يُصنّف جواز السفر اللبناني، حسب تقرير صادر عن شركة استشارات الجنسية والإقامة العالمية (Henley & Partners)، ضمن المجموعة الأسوأ عالمياً. فحامله لا يسعه الدخول سوى إلى 41 دولة بلا “فيزا”. أما الحصول عليه فيكاد يكون الأصعب عالمياً. وحسب تقرير صادر عن شبكة CNN تبلغ كلفة جواز السفر اللبناني، بصلاحية 10 سنوات، الأغلى عالمياً: مليون و200 ألف ليرة تُدفع بالليرة. أي 795 دولاراً حسب سعر الصرف الرسمي. وماذا لو أدركت هذه المؤسسة أن جواز السفر في لبنان قد يكلف 29 مليون ليرة لبنانية؟
سجن لمنع الهجرة؟
منذ أشهر بدأت أزمة جوازات السفر في لبنان. والسبب المُعلن من قبل المعنيين هو تأخر المصرف المركزي عن صرف الأموال اللازمة لصناعة جوازات السفر في الخارج. علماً أن الدولة رفعت بدلات الحصول على جوازات السفر، حتى قبل إقرار موازنة 2022، فأصبحت محصورة بصلاحيتين: 10 سنوات مقابل مليون و200 ألف ليرة، أي حوالى 40 دولاراً حسب سعر السوق السوداء. و5 سنوات مقابل 600 ألف ليرة، أي حوالى 20 دولاراً أميركياً. ما يعني أن المواطن يموّل بحصوله على جواز سفره ويحقق الأرباح للدولة. وحسب معلومات “المدن” فإن كلفة صناعة جواز السفر لا تزيد عن 13 دولاراً.
وحسب مصادر في الأمن العام، فإن الجهاز لا يمكنه جمع الأموال وصرفها في السوق السوداء والدفع للشركة الفرنسية التي تصنع الجوازات. لذلك، كان لا بد من اعتماد الطريقة الرسمية، أي عبر وزارة المال ومصرف لبنان. فالجهاز يعمل لدى الدولة ببيع جوازات السفر. وتشير المصادر إلى أن وضع لبنان المالي جعل الأمور معقدة مع الشركة. ورغم أن العقد وُقع معها في صيف 2021، إلا أن المال لم يُحول إليها إلا في حزيران من هذا العام. وكمية الملبغ هي 13 مليون دولار. وسوف تنتج الشركة مليون جواز سفر، بعد أخذ وردّ وطلب أموال إضافية من المجلس النيابي، وضغط مارسه اللواء ابراهيم.
لم يقتنع كثيرون بأن الأزمة متعلقة بمبلغ من المال هو عن 13 مليون دولار. فالمصرف المركزي يصرف أضعافًا مضاعفة على الدعم المسلوب ولا يرف له جفن. ويعتبر هؤلاء أن المشكلة أبعد وتتعلق حقيقة برغبة السلطة السياسية والمالية بسجن اللبنانيين وتقليص أعداد المهاجرين منهم. وهذا بالفعل تحقق ولو أنكره من هم بالسلطة. فحسب دراسة “للدولية للمعلومات”، بلغ عدد المهاجرين والمسافرين من لبنان عام 2021، 79 ألفاً و134 شخصاً، بعد أن كان أقل بكثير عام 2020 بسبب إجراءات كورونا. ومن المفترض أن يكون الرقم أكبر هذا العام لو سُمح للبناني الحصول على حريته وجواز سفره. علماً أن الأمن العام أصدر مطلع عام 2021 ولغاية نهاية آب نحو 260 ألف جواز سفر، مقارنة مع نحو 142 ألف جواز سفر في الفترة نفسها من عام 2020. أي بزيادة نسبتها 82 بالمئة، في مؤشر على عدد الراغبين بـ”الهرب”.
لا يوافق مصدر مسؤول آخر في الأمن العام على هذا الكلام، معتبراً أنه يأتي في سياق التحليل فقط. ويضيف المصدر في حديث لـ”المدن”: “نحن نعمل حسب الأصول. وكلما توفرت ظروف حصولنا على جوازات سفر، لن نقصّر. وأبرمنا الاتفاقية وطلبنا الاعتمادات. واليوم ننتظر وصول الدفعات تباعاً”.
باب رزق جديد.. استلهام سوريا
بعد وقوع الأزمة تم إنشاء “منصة” الكترونية لحجز المواعيد، تماما كما يجري في سوريا التي تُعاني أيضاً من أزمة مماثلة. ويبدو أننا نستلهم في لبنان كل تفاصيل سوريا، حيث تحوّلت المواعيد على المنصة، والحصول على جوازات السفر، إلى “باب رزق” جديد لضباط في الأمن العام، وأصحاب مكاتب السفر.
وحسب معلومات يتناقلها مواطنون حصلوا على جوازات سفرهم، فإن بعض الضباط في المديرية يسهلون الحصول على جواز السفر لمن يدفع مبلغاً مالياً بالدولار يتراوح بين 1000 و1200 دولار، رغم أنهم من غير المستحقين حسب الشروط التي وضعتها المديرية نفسها.
رفض المصدر المسؤول الحديث عما إذا كان يملك مثل هذه المعلومة أم لا، مؤكداً أن المديرية وضعت أولويات للحصول على جواز السفر، كالطبابة في الخارج والتعليم والعمل. وأي مخالفة لهذه الاولويات مخالفة قانونية. ومن حيث المبدأ فإن المديرية ترفض مخالفة القانون، ولا ترضى به، مناشداً كل من تعرض لحادثة كهذه، أن يتقدم ببلاغ لدى المديرية لكي تتحرك.
وحسب معلومات “المدن”، انتشرت في الآونة الأخيرة “موضة” الحصول على “تيكيت” وهمي وحجز وهمي للفندق من مكاتب السفر، مقابل بدل مالي يصل إلى 100 دولار. وذلك لتمكين حاجز الموعد على المنصة من “تحسين شروط” حصوله على الجواز. ورغم تأكيد المصدر أن السياحة تأتي في آخر أولويات الحصول على جواز السفر حالياً، إلا أنه يؤكد أن هذا “التيكيت” لا يُعفي من إلزامية توافر الشروط الأساسية.
بكل الأحوال إن الطريقة الوحيدة لمواجهة كل هذه السمسرات هي منح المواطن حقه الكامل بالحصول على جواز السفر، والسماح له باستعماله كيفما شاء، لأن السلطة السياسية حوّلت لبنان إلى أكبر سجن في العالم.
الفرج في تشرين الأول
منذ ساعات، اليوم الخميس 7 تموز، أوضح المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم أن أزمة تأمين جوازات السفر لم تكن من مسؤولية الأمن العام، إنما بسبب التأخير في إتمام عملية تأمينها من الخارج. وأشار رئيس لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النائب جهاد الصمد، إلى أن عدد الجوازات المتوافرة حاليا لدى المؤسسة هي 150 ألف جواز الكتروني و80 ألف جواز بيومتري، وأن عدد الجوازات الجديدة حسب العقد مليون. وخلال شهر تشرين الأول المقبل، يتم تسليم أول دفعة من الجوازات، وهي 200 ألف جواز من أصل مليون، لجهة التمييز في الأولويات للفئات التالية: الاستشفاء، عقود العمل الخارجية، الطلاب، تجديد الإقامات للمقيمين خارج البلاد، حديثو الولادة المقيمون خارج البلاد.
وعلمت “المدن” أن عدد طالبي الحصول على جواز سفر يتخطى 200 ألف، وأكثريتهم لا يلائمون الشروط القاسية المفروضة من قبل مديرية الأمن العام، ويعوّلون على انتهاء الأزمة قريباً. ويُشير المصدر المسؤول إلى أنه من المفترض أن تشهد الأزمة حلحلة في الأشهر المقبلة مع بدء وصول الجوازات التي تصنعها الشركة الفرنسية. لكن حتى اليوم لا جوازات سوى للمطابقين للشروط والأولويات.
بيان الأمن العام
صدر عن مكتب شؤون الإعلام في المديرية العامة للأمن العام البيان التالي: “رداً على بعض الطروحات التي ترِد على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تدعو إلى تمديد صلاحية جوازات السفر المنتهية، تجدّد المديرية العامة للأمن العام التذكير بأنه لا يمكن السير بهذا الإجراء للأسباب التالية”: “المعايير والتوصيات الصادرة عن المنظمة الدولية للطيران المدني ICAO لا سيما الملحق رقم /9/ للاتفاقية العالمية للطيران المدني – البند الثالث – الفقرة /3.4/، لا تجيز إطلاقاً للدول الأعضاء تمديد صلاحية جوازات السفر المنتهية على نفس هذه الجوازات، أو القيام بأي تعديل على تاريخ إنتهاء الصلاحية. إن إجراء تمديد صلاحية جوازات السفر المنتهية سيعرّض حتماً حاملي مثل هذه الجوازات إلى مشاكل في المطارات خلال سفرهم، وأيضاً في البلدان التي يقيمون فيها، وصولاً إلى عدم إمكانية تجديد إقاماتهم”.