أدرجت مقاربة التعافي التي وضعتها الحكومة واقتراح قانون إعادة التوازن للقطاع المالي بنداً يتعلق بإنشاء صندوق لإعادة تكوين الودائع، يتضمن أصول بعض المصارف التي يحدّدها القانون ومساهمة من فائض ميزانية الدولة.
لكن تلك المساهمة غير قادرة على تغطية ما يكفي من حصة الدولة من الفجوة المالية المطلوب مشاركتها بها، حتى أن أصول الدولة ذات الطابع التجاري والربحي تحقق خسائر وعبئاً استثمارياً على الخزينة أو اقلّه تحقّق انخفاضاً حاداً بمداخيلها، جراء المقاربات الإدارية المتبعة في القطاع العام وعجز الدولة عن إدارتها بالطريقة المطلوبة.
إنطلاقاً من هنا كان اقتراح قانون «المؤسسة المستقلّة لإدارة اصول الدولة» من كتلة «الجمهورية القوية» الذي تقدّمت به الى مجلس النواب منذ أسابيع بتوقيع من النواب غسان حاصباني، جورج عدوان، جورج عقيص، الياس اسطفان، رازي الحاج وفادي كرم.
إستكمال لبرنامج الصندوق
ويأتي ذلك الإقتراح ليكون استكمالاً لبرنامج صندوق النقد الدولي وخطة الحكومة كونه سيوفّر جزءاً من السيولة المطلوبة والاصلاحات في القطاع العام لتحقيق الإستقرار في المالية العامة والإقتصاد على المدى الطويل.
ويوضح نائب رئيس مجلس الوزراء السابق والنائب غسان حاصباني عرّاب الإقتراح لـ»نداء الوطن» أنه «لا شك ان هناك شبه إجماع حول أهمية الاتفاق مع صندوق النقد على برنامج للاصلاح المالي والنقدي كمدخل أساسي للتعافي، كما تجمع القوى السياسية على اهمية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة لتنفيذ هذا البرنامج. لكن هل يكفي ذلك لحصول التعافي والاستقرار الكامل في الاقتصاد؟».
مروحة إصلاحات
فبرنامج صندوق النقد هو نقطة البداية، لكن يجب، برأي حاصباني، أن «يترافق مع مروحة اصلاحات اكثر شمولية تتضمن وقف العوامل المسببة للانهيار كي لا يتكرر، وكي يحقق البرنامج الإصلاحي مفاعيله بشكل مستدام.
فالاستمرار بالهدر والفساد في القطاع العام سيعيدنا الى نقطة الصفر حتى بعد التعافي المالي، إذا استمرّ الوضع السياسي في لبنان على حاله وسيؤدي حتماً الى اعادة تفكيك الوضع المالي والاقتصادي.
لذلك تبرز حاجة لبنان الى استعادة ثقة المجتمع الدولي والمستثمر والمواطن بخطوات تتخذها السلطة التنفيذية بمساندة من السلطة التشريعية».
إحدى هذه الخطوات هي الاصلاحات البنيوية في القطاع العام وإبعاد السلطة السياسية عن العمل التشغيلي اليومي لمؤسسات وشركات ذات طابع تجاري موضوعة الآن تحت إشراف وتصرف وزراء وإدارات، منها موقتة منذ عقود، ومنها من يخضع لسيطرة الوزير ومنها شركات غير قابلة للاستمرار اذا بقيت على حالها.
كيف يتحقّق الإستقرار الإقتصادي؟
إن تحقيق الإستقرار الإقتصادي لا يمكن التوصّل اليه من دون تعزيز أداء الشركات ومداخيل الخزينة والمساهمة في إعادة تكوين الودائع عبر تحويل بعض العائدات الى صندوق خاص، لتضاف الى ما يجب ان تقدمه البنوك من إضافة في رؤوس أموالها للغرض عينه عبر إعادة هيكلتها. فكانت فكرة تلك المؤسسة المستقلة لإدارة اصول الدولة ذات الطابع التجاري بشكل شفاف وفعال لتغذية خزينة الدولة كما الصندوق المختص بإعادة تكوين الودائع، من خلال وضع شركات ومؤسسات وإدارات مملوكة من الدولة كليا أو جزئياً، أو تشكل جزءاً من إداراتها، ولها طابع تجاري او تصلح للاستثمار العقاري الذي لم تطوره الدولة لعقود مضت، تحت إدارة مستقلة ومتخصصة من دون الانتقاص من سيادة الدولة أو حقوق المواطنين كافة والأجيال القادمة». كيف ذلك؟
هيئة خاصة من دون وصاية
تنشأ المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة على شكل هيئة خاصة لا تخضع للوصاية، مهمتها إدارة اصول الدولة. والمقاربة المطروحة في اقتراح القانون وفقاً لحاصباني «لا تتطلب بيعاً لأصول الدولة او حتى شراكة مع القطاع الخاص، بل هي خطوة لتنظيم عمل المؤسسات ذات الطابع التجاري وتحسين أدائها مما يعد بمثابة خطوة إصلاحية كبرى في القطاع العام، بغض النظر عن وجهة استخدام أرباحها وعائداتها.
فعملية اختيار القيّمين على هذه المؤسسة، أو المؤسسات المتخصصة في إدارة الأصول تخضع لآلية شفافة تستقطب الخبرات اللبنانية العالمية وتخضع لرقابة مستقلة تبعدها عن السلطة السياسية التي أثبتت فشلها الذريع في إدارتها لا بل أمعنت في تدميرها واستغلالها خلال عقود.
وسينجم عن تلك المؤسسات تضاعف مداخيلها إذا أديرت كشركات مملوكة من الدولة لكن بطريقة احترافية ومستقلة عن السلطة السياسية، وقد تضم الكهرباء والاتصالات والمرافئ وصناعة التبغ وغيرها، كما يمكن ان تضمّ اليها شركات قائمة مثل الطيران والكازينو».
هل ستلاقي تلك المقاربة الجديدة رضا الجميع؟
سيخضع حتماً هذا الطرح لاعتراضات كثيرة وعراقيل من قبل المستفيدين من الفوضى الحالية، لأنه، بحسب حاصباني، «خطوة جريئة جداً في اتجاه الاصلاحات البنيوية في القطاع العام، والتي تفيد الخزينة كما المودع كمساهمة في جزء من التعافي، وتقلّص التحكّم السياسي في هذه المؤسسات المنتجة من دون تعديل ملكيتها. لكن إصلاحات كهذه قد تكون مدخلاً إضافياً للتعافي المستدام وغير الموقت، إضافة الى الاصلاحات المدرجة في البرنامج المحتمل لصندوق النقد المرتبطة بالقطاع المالي والمالية العامة التي قد لا تكون كافية لا من زاوية الاصلاحات الشاملة ولا من ناحية اعادة تكوين الودائع وحفظ حقوق المودعين.
فلا يجوز أن يكون المودع هو الجهة الأكثر تضرراً جراء الأزمة، وأن يتحمل عبء الجزء الأكبر من الخسائر وديون القطاع العام والفجوة المالية التي أحدثتها الأزمة، لا سيما ما يرتبط منها بمصير الودائع، كما يجب على الدولة تحمل مسؤولياتها بشكل أساسي في مقاربة إعادة تكوين الودائع».
تفادي جدلية بيع الأصول والخصخصة
من كلّ ذلك يتبيّن من هدف اقتراح القانون استناداً الى حاصباني أنه «يعالج الجدلية القائمة حول عدم جواز بيع أصول الدولة، اما لأسباب مبدئية من قبل البعض الذي يؤمن بوجوب ملكية الدولة للمرافق وتأميمها، والبعض الآخر الذي يعتبر ان التوقيت غير مناسب للخصخصة لأن قيمة هذه الأصول متدنية في الوقت الحاضر بسبب الأزمة ولن تأتي بالمردود المناسب للدولة.
كما يعتقد البعض ايضاً أن الخصخصة أو بيع أصول الدولة في حالة الفوضى قد ينتهي بهيمنة أصحاب النفوذ السياسي عليها. بغض النظر عما تراه كافة الجهات، فان مقاربة تكتل «الجمهورية القوية» لا تتضمن بيعاً لأصول الدولة بل إدارة مستقلة عن السلطة السياسية.
هل تنقض فكرة «المؤسسة المستقلة» نظرية الحفاظ على أملاك الدولة للأجيال المقبلة؟ لا يتطلب إنشاء المؤسسة المستقلة تخلي الدولة عن أملاكها علماً أنها ليست أصولاً سيادية مثل الموارد الطبيعية، والنفط، والترددات الطيفية مثلاً والتي تبقى هي ملك الدولة والشعب حتى اذا تمت خصخصة البنى التحتية والادارة التي تستفيد منها. لكن، وحتى مع ذلك، لا يتضمن هذه الاقتراح بيعاً او خصخصة للشركات والأصول بل تحويلها الى شركات مملوكة من الدولة لادارتها بطريقة افضل.
تشركة مؤسسات الدولة التجارية ( corpotarization )
يقضي اقتراح قانون المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة، وفقاً لحاصباني، «بتشركة مؤسسات الدولة التجارية، أي تحويلها الى شركات على غرار تجربة الميدل ايست وشركات الخلوي، وإدارتها بشكل مستقل عن السلطة لرفع عائداتها وقيمتها.
وهذه التجربة اثبتت نجاحها في عدة بلدان وتركت الخيار للحكومة لطرح أسهم هذه الشركات في سوق الأسهم المحلية او فتحها للشراكة مع القطاع الخاص او الاستثمارات الأجنبية بقيمة عالية مستقبلاً إذا دعت الحاجة، لكن هذا الامر ليس مطروحاً في الوقت الحاضر».
باختصار
– تصبح الهيئات والإدارات والمؤسسات العامة التي تقوم بعمل ذي طابع تجاري شركات مملوكة من الدولة ولا تتبع انظمة القطاع العام.
– لا تتمّ خصخصة الشركات، ويبقى قانون الشراكة مع القطاع الخاص والمجلس الأعلى للخصخصة قائمين.
– تقسّم العائدات المحصّلة من الشركات بين خزينة الدولة وصندوق إعادة تكوين الودائع.
– تُنقل مسؤولية الوصاية والإشراف من الوزارات الى المؤسسة المستقلة.
– تبقى مهام الهيئات الناظمة المسؤولة عن تنظيم القطاعات من دون تغيير.
– يعيّن مجلس إدارة للمؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة بآلية شفافة ينصّ عليها القانون وفق معايير رقابية عالية.
– تهدف المؤسسة المستقلة لإدارة أصول الدولة الى إصلاح مؤسسات القطاع العام وإبعادها عن التأثير السياسي، تعزيز موارد الخزينة والمساهمة في حصّة الدولة من إعادة تكوين الودائع والمحافظة على ملكية الدولة لهذه الأموال.