لم يتوقّع اللبنانيون ثباتاً في سعر صرف الليرة امام الدولار في السوق السوداء. كانت كل الفرضيات تتحدث عن انهيار جديد للعملة الوطنية، تزامناً مع انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة، خصوصاً ان القوى السياسية لم تتعاون مع الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، بعدم توجه مجلسي الوزراء والنواب نحو تشريع اي صرف مالي يضمن إستعادة القرض المطلوب لتمويل الدولة الى المصرف خلال مهلة زمنية محددة.
لذلك فإن منصوري واجه تحدي سعر الصرف أولاً، ونجح في تثبيت سعر الليرة في الاسواق، ولم تسجّل العملة الوطنية تراجعاً امام الدولار منذ استلامه الحاكمية بالإنابة في مطلع الشهر الجاري، علماً ان البلد تعرض لخضّات سياسية وامنية ودبلوماسية، ولا يزال، كانت كفيلة بهز اي استقرار مالي في الحالات العادية، لكن الانضباط استمر بفعل عوامل عدّة اساسها السياسة النقدية التي يديرها منصوري.
لكن التحدي الأبرز امام حاكم المصرف المركزي بالإنابة هو رواتب الموظفين وحاجات المؤسسات العسكرية والامنية: هل سيتم الدفع بالليرة اللبنانية المتوافرة؟ ام ان منصوري يسعى لدفعها بالدولار وفق منصة صيرفة؟.
يوحي المطلعون ان الحاكم بالإنابة يحاول القيام بمهمة مستحيلة نظرياً، لكن ماذا ان فعلها من دون ان يستخدم اي دولار من الاحتياط او الايداعات، ومن دون اي أكلاف؟ سيكون فعلاً حقق اهم انجاز لعدة اسباب:
-ينطلق منصوري من إلتزام لديه بعدم المس بأموال الإحتياط، وهو بذلك يحافظ على أموال المودعين.
-يشكّل دفع الرواتب لموظفي القطاع العام بالدولار خدمة للعملة الوطنية، بحيث تتجنّب السوق مزيداً من ضخ الليرة، مما يبقي السعر ثابتاً من دون تغيير.
-تحقّق الرواتب بالدولار راحة نفسية ومادية للموظفين والعسكريين، بدل تقاضيهم رواتب بالليرة، وسعيهم بعدها للصرف الذي يعرضهم لخسائر محتملة.
-تُخصّص منصة صيرفة لموظفي القطاع العام، مما يجنّب المصرف خسائر، لا قدرة له عليها، في حال كانت مفتوحة للتجار والشركات بشكلها السابق.
كيف يؤمّن منصوري الدولار للرواتب، فيما القوى السياسية لا تكترث لمطلب تشريع الصرف المالي؟.
يستحضر الاقتصاديون مواداً من قانون النقد والتسليف: 70، 75، 83، التي تسمح للمصرف المركزي بالتدخل وحماية سوق النقد والوضع الاجتماعي والحصول على الدولار من السوق. لكن الحاكم بالإنابة لن يكرّر تجربة الحاكم السابق، أي ان هناك فارقاً جوهرياً بإدارة النقد بين منصوري وسلامة، حيث كان الاستقرار مُكلفاً جدّاً، لكنه لا يكلّف المصرف حالياً: كان الحاكم السابق يستخدم صيرفة لضبط السوق، رغم انها كانت مكلفة مالياً، بينما لم يستخدمها الحاكم بالإنابة حالياً لعدم حصول خسائر مالية. كما ان سلامة كان يستخدم اموالاً من ايداعات الاحتياطي، بينما يتمسك منصوري بإلتزامه بعدم المس بالاحتياطي.
الاهم بحسب المعلومات الاّ شراء سيكون للدولار من السوق الا وفق ايرادات الدولة من الليرة، مما يجنّب اغراق السوق بالعملة الوطنية فتفقد مزيداً من قيمتها.
وهذا ما يشير الى ثبات سعر الصرف في المدى المنظور، وتأمين استقرار نقدي لضمان مستوى معيشة حوالي اربعمئة الف عائلة لبنانية يشكّلون موظفي القطاع العام.
فهل تكون الايام المقبلة كفيلة بتحويل المهمة المستحيلة الى انجاز لحاكم المركزي؟ ان الحكومة ومعها القوى السياسية ستتحمّل مسؤولية عدم تأمين الرواتب للموظفين بالدولار وفق منصة صيرفة، مع ما يترتّب على ذلك من آثار سلبية في الاسواق؟.