من تتملّك بعقله ثقافة الاستغلال لن تردعه طبول الحرب. هؤلاء وجدوا تجارة «ربّيحة» على هامش التطورات العسكرية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية جنوباً. فعمدوا إلى رفع بدلات إيجار الشقق السكنية إلى أكثر من ضعفين في المناطق المصنّفة «آمنة»، بالتوازي مع ارتفاع طلب سكان الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت على الشقق. أرقام خيالية وصلت إلى 7000 آلاف دولار شهرياً لمنزل في منطقة الباروك، مع شروط تضيّق الخناق على النازح.
اندلاع العمليات العسكرية جنوباً، والاحتمالات المفتوحة على مصراعَيها، بما فيها توسّع الحرب في لبنان جغرافياً، دفعت بسكان المناطق التي عادة ما يستهدفها العدو الإسرائيلي، وخصوصاً في الجنوب والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية، إلى أخذ احتياطاتهم بتأمين مساكن في مناطق تعدّ آمنة. ويقول عاملون في مجال العقارات إن نحو 1000 شقّة سكنية أُجّرت في مناطِق مُختلفة، في الأسبوعين الماضيين، بما يراوح بين 600 و1500 دولار، معظمها لمقتدرين مالياً.
في بيروت الإدارية، ارتفعت الإيجارات من 800 دولار إلى 1500 دولار للشقة غير المفروشة في منطقة فردان، وإلى 2000 دولار للشقة المفروشة في بربور ورأس بيروت، ومن 1100 إلى 2000 دولار في الأشرفية ومار مخايل ومحيطهما، يُضاف إلى هذا البدل بين 200 و300 دولار في حال كانت الشقة مفروشة. أما في ساحل المتن، كمناطق الضبية والدورة، فيفيد أحد العاملين في مجال العقارات بأن الأسعار ارتفعت من 800 إلى 1500 دولار، رغم أن الطلب في هذه المناطق ليس عالياً.
وبما أن البحث يحكمه توفّر «بيئة حاضنة» وسط السعار الطائفي الذي تذكيه بعض الأحزاب، ما يضع النازح أمام خياراتٍ محدودة، ويمنح أصحاب العقارات فرصةً أكبر للاستغلال. هذا الواقع جعل من مناطق الجبل، المحسوبة على الحزب التقدمي الاشتراكي، مقصداً أساسياً للراغبين في الاستئجار، ربطاً بالموقف الإيجابي للنائب السابق وليد جنبلاط الذي طلب وضع خططٍ لاستقبال النازحين المُحتملين. إلا أنّ انعكاسات ذلك على القاعدة الشعبية انحصرت في إطار تقبّل فكرة تأجير المنازل للنازحين الجنوبيين، من دون أن تلجم السلوك الاستغلالي، وإبقاء أسعار الشقق على حالها في مثل هذا الوقت من العام. ففي بحمدون، مثلاً، ارتفعت الإيجارات أكثر من الضعف. وفي صوفر وبيصور، فإن الشقة المفروشة بمساحة 120 متراً التي يراوح إيجارها في مثل هذا الوقت من السنة بين 300 و400 دولار، هي نفسها لا يمكن الحصول عليها اليوم بأقل من 1000 دولار، ويصل أحياناً الى 2000 دولار. وارتفع إيجار الشقق الفندقية من 300 – 600 دولار إلى 600 – 900 دولار بحسب المساحة. وفي بعلشميه، وصل إيجار المنزل التراثي الذي كان يؤجّر صيفاً بـ 700 دولار إلى 1500 دولار.
الصدمة، بالأرقام الخيالية، يعبّر عنها بعض أهالي المنطقة أنفسهم، ممّن عايشوا مرحلة ازدهار السياحة الخليجية في لبنان، مؤكّدين أن مثل هذه البدلات لم تطلب من الخليجي.
صعوداً باتجاه الباروك، يتصرّف المالكون وكأنّ النازح يقصد المنطقة في رحلة استجمام واسترخاء، يدفع في سبيلها، ما يتراوح بين 3600 و6800 دولار، بدل إيجار منزل، يحددون هم سلفاً عدد قاطنيه بستة أشخاص كحدٍ أقصى. فيما بدل إيجار الـ«Guest House» المخصّص لشخصين 1800 دولار. والحال نفسها تنسحب على مناطق بيت مري وفاريا.
في الشمال، بقيت موجة فحش الأسعار محدودة، في الكورة مثلاً، سجّل ارتفاع بسيط، حيث تراوحت الإيجارات لمنزلٍ مكوّن من أربع غرفٍ، بين 200 و300 دولار لغير المفروش، و500 دولار للمفروش. وفي منطقة حلبا وجوارها، لا تزال الأسعار على حالها، ضمن معدّل 250 دولاراً للشقة، في منطقة تخلو من الشقق المفروشة لكونها خارج المناطق السياحية.
في الجنوب، شهدت جزين مثلاً طلباً عالياً على استئجار البيوت الشاغرة التي ارتفع سعرها من 300 دولار إلى 1000 دولار، فيما بلغ معدّل الأسعار في شرق صيدا 800 دولار.
كل ذلك، يترافق، في الغالب، مع شروط من بينها ألا تسكن البيت أكثر من عائلة، وطلب دفعات مقدماً لثلاثة أشهر وصولاً إلى ستة أشهر، إضافة الى مبلغ يعادل بين الإيجار الشهري أو نصفه كـ«كوميسيون» للمكتب العقاري أو السمسار.