انقلبَ مشهد ارتفاع أعداد الوافدين مقابل المغادرين في مطار بيروت، خلال شهر تموز الفائت، بعد تصاعد حدّة التوتّر الذي رافقَ عمليّتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، والقيادي في حزب الله فؤاد شكر، وما استتبعهما من استعدادات للردّ من قِبَل إيران وحزب الله واحتمالات الردّ المقابل من إسرائيل. ومع هذا التصعيد، أقلّه في المواقف، سارعت سفارات الدول العربية والأجنبية إلى تحذير رعاياها من السفر إلى لبنان ودعوة المقيمين للمغادرة فوراً. وبعض السفارات أعلنت تسيير رحلات لإجلاء مواطنيها من بيروت. فماذا يحصل على الأرض في المطار؟
التحذيرات تتصاعد
تزداد وتيرة التحذيرات وتبادر الدول تباعاً إلى إعلان استعداداتها لإجلاء رعاياها من لبنان. وتعلن الخطوط الجوية التابعة للكثير من الدول، تسيير رحلات لنقل المواطنين الراغبين بالمغادرة. وبدأت الخطوط الجوية الملكية الأردنية من يوم أمس الإثنين نقل الأردنيين، على أن يستمر ذلك خلال اليوم الثلاثاء وغداً الأربعاء بشكل رئيسي. وإلى حين إجلاء كل من يرغب بالمغادرة، طلبت وزارة الخارجية الأردنية من رعاياها “أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر والالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات اللبنانية المختصة”، وفق بيان لوزارة الخارجية أكّدت فيه عدم التأخّر في “التواصل مع الوزارة لطلب المساعدة على مدار الساعة”، وكذلك التواصل مع “وحدة مركز العمليات في الوزارة”.
بالتوازي، دعت السلطات الصينية رعاياها في لبنان إلى “الاستعداد لحالات الطوارئ”. أما الراغبين بالذهاب إلى لبنان فعليهم “توخي الحذر”. على أنَّ مَن يصرّ على التواجد في لبنان رغم التحذيرات “قد يواجهون مخاطرَ أمنية كبيرة”.
وكذلك، تستعدّ ألمانيا لإجلاء رعاياها من لبنان بسبب “تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل”. في حين حذّرت تركيا مواطنيها من البقاء في لبنان “بسبب احتمال تدهور الوضع الأمني هناك بسرعة”، ودعتهم إلى عدم الذهاب نحو “محافظات النبطية وجنوب لبنان والبقاع وبعلبك الهرمل.. ما لم يكن ذلك ضرورياً”، بحسب تعليمات وزارة الخارجية التركية.
وبدورها، شملت وزارة الخارجية الإندونيسية إيران وإسرائيل ضمن دعوتها لمواطنيها بالعودة إلى بلادهم، طالبة منهم “مغادرة البلاد في أسرع وقت والامتناع مؤقتاً عن السفر إلى لبنان وإسرائيل وإيران إلى أن تتحسن الظروف”.
وتسهيلاً لخروج الرعايا، دعت بعض الدول مواطنيها المتواجدين في لبنان إلى الخروج منه نحو أي بلد آخر في حال لم تتوفّر الرحلات المباشِرة، سيّما في ظلّ التعديل المستمر لحركة الرحلات من وإلى لبنان، وهو ما فعله أحد اللبنانيين الذين يحملون الجنسية البلجيكية، مؤكِّداً في حديث لـ”المدن” أنه تواصَلَ مع السفارة لتأكيد نيّته مغادرة لبنان لكنه لا يجد حجزاً مباشراً من لبنان إلى بلجيكا، فكان ردّ السفارة بطلب الحجز إلى أي مكان آخر، فاختار تركيا، ومن هناك سيتم نقله إلى بلجيكا.
لا يوجد إجلاء مباشر
رغم دعوات المغادرة والاستعداد للإجلاء “لا يوجد طائرات تأتي خصيصاً لعمليات الإجلاء”، وفق ما تؤكّده مصادر في مطار بيروت خلال حديث لـ”المدن”. وبالتالي، تنفي المصادر “ما يتم تداوله عن بدء عمليات الإجلاء”. وتلفت النظر إلى أن “الإجلاء يحدث بقرار مباشر من السفارات وتطبيق واضح على الأرض يقضي بإرسال طائرات معيّنة لأخذ الرعايا، في حين أن ما يجري في مطار بيروت هو رحلات عادية تلتزم بجداول معيّنة، يتم تعديلها أحياناً”.
ولذلك، تضع المصادر حركة الطيران في المطار ضمن سياقها “الطبيعي… لناحية وجود طيران تابع لشركات عالمية، تسيِّر رحلاتها إلى لبنان”. مع التأكيد على أن “حركة المطار مربَكة لجهة تعديل مواعيد الرحلات وإلغاء بعضها، ما يستدعي الإرباك لدى المسافرين الذين يأتي بعضهم إلى المطار بناءً على مواعيد سفر معيّنة، فيتم تعديلها، فضلاً عن أن الكثير ممَّن يرغبون بالمغادرة لا يجدون حجوزات بالتوقيت المناسب لهم”.
وتضيف المصادر أن “ما يحصل في مطار بيروت يحصل في كل مطارات العالم في الحالات الاستثنائية بسبب إجراءات شركات الطيران. ويضاف إلى الإجراءات المتَّبَعة، تعديل أكلاف مخاطر التأمين خارج لبنان، وهو أمر يؤثِّر على عدد الرحلات إذ تتقلَّص، فيخلق ذلك ضغطاً على حركة المغادرة”.
ارتفاع أعداد المغادرين
بصرف النظر عن توصيف عملية المغادرة من لبنان بين الإجلاء السريع أو المغادرة “الطبيعية”، يرى الباحث في شركة “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، أن حركة المغادرة “ارتفعت بمعدّل 16.5 بالمئة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة في العام الماضي”. في حين أن حركة القدوم إلى لبنان “تراجعت منذ شهر تموز الماضي بمعدّل 26 بالمئة. وكان ذلك لافتاً بعد حادثة مجدل شمس. فيما يفترض بحركة القدوم أن “تستمر خلال شهر آب من كل عام” بسبب عطلة الصيف.
وفي السياق، يؤكّد شمس الدين لـ”المدن”، أنه “لا يوجد حركة إجلاء فعلية في المطار. وما زال مبكراً الحديث عن عمليات إجلاء تقوم بها السفارات”.
تأخذ السفارات احتياطاتها لضمان أمن مواطنيها في الدول المعرَّضة للمخاطر. وتتأرجح دعواتها بين طلب الحَذَر والمغادرة وصولاً إلى الاستعداد للإجلاء، والخيار الأخير لم يبدأ بعد في لبنان، رغم إعلان السفارات استعداداتها.